تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٥

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣
٤

الطبقة السابعة

[حوادث]

سنة إحدى وستين

توفي فيها : جرهد الأسلمي ، والحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما ، وحمزة ابن عروة الأسلمي ، وأم سلمة أمّ المؤمنين ، وجابر بن عتيك بن قيس الأنصاري ، وخالد بن عرفطة ، وعثمان بن زياد ابن أبيه أخو عبيد الله ، توفي شابا وله ثلاث وثلاثون سنة ، وهمّام بن الحارث ، وهو مخضرم.

* * *

مقتل الحسين

واستشهد مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته. وكان من قصّته أنه توجّه من مكة طالبا الكوفة ليلي الخلافة.

وروى ذلك ابن سعد الكاتب من وجوه متعدّدة (١) ، قال بعد أن سرد عدّة أسطر ، أسانيد وغير هؤلاء : حدّثني في هذا الحديث بطائفة ، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين رضي‌الله‌عنه قالوا : لما أخذ البيعة معاوية لابنه يزيد ، كان الحسين ممّن لم يبايع ، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى ، فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية ، وطلبوا إليه أن يخرج معهم ، فأبى ، وجاء الحسين ، فأخبره بما عرضوا عليه وقال : إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلونا ويشيطوا (٢) دماءنا ، فأقام الحسين على ما هو عليه مهموما ، يجمع الإقامة مرّة ، ويريد أن يسير إليهم مرّة ، فجاءه أبو سعيد الخدريّ فقال : يا أبا عبد الله إنّي لك ناصح ومشفق ،

__________________

(١) ما رواه ابن سعد هو في القسم غير المنشور من طبقاته ، وهو في تاريخ دمشق.

(٢) أشاط الدم : سفكه وأراقه.

٥

وقد بلغني أنّ قوما من شيعتكم كاتبوك ، فلا تخرج فإنّي سمعت أباك بالكوفة يقول : والله إني لقد مللتهم ، وأبغضوني وملّوني ، وما بلوت منهم وفاء ، ومن فاز بهم ، فإنّما فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف ، قال : وقدم المسيّب بن نجبة (١) الفزاري وعدّة معه إلى الحسين ، بعد وفاة الحسن ، فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك ، فقال : إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيّته ، وأن يعطيني على نيّتي في حبّي جهاد الظالمين (٢).

وكتب مروان إلى معاوية : إنّي لست آمن أن يكون حسين مرصدا للفتنة ، وأظنّ يومكم من حسين طويلا (٣).

فكتب معاوية إلى الحسين : إنّ من أعطى الله تعالى صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء ، وقد أنبئت أنّ قوما من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق ، وأهل العراق من قد جرّبت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتّق الله واذكر الميثاق ، فإنّك متى تكدني أكدك.

فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك ، وأنا بغير الّذي بلغك عني جدير ، وما أردت لك محاربة ، ولا عليك خلافا ، وما أظنّ لي عند الله عذرا في ترك جهادك ، وما أعظم فتنة أعظم من ولايتك هذه الأمة (٤).

وقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا (٥).

رواه بطوله الواقدي ، عن جماعة ، وعن أشياخهم.

وقال جويرية بن أسماء ، عن نافع بن شيبة قال : لقي الحسين معاوية بمكة ، فأخذ بخطام راحلته ، فأناخ به ، ثم سارّه طويلا وانصرف ، فزجر معاوية راحلته ، وقال له يزيد ابنه : لا تزال رجل قد عرض لك ، فأناخ بك ،

__________________

(١) بفتح النون والجيم والموحدة ، على ما في الخلاصة ٣٧٧.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٥) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

٦

قال : دعه لعلّه يطلبه من غيري ، فلا يسوّغه ، فيقتله (١).

مروان بن سعد ، عن المدائني ، عن جويرية ، ثم قال : رجع الحديث إلى الأول.

قالوا : ولما احتضر معاوية أرسل إلى يزيد فأوصاه وقال : انظر حسين ابن فاطمة ، فإنه أحبّ الناس إلى الناس ، فصل رحمه ، وارفق به ، فإنّ بك منه شيء ، فإنّي أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه (٢).

ولما بويع يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة : أن أدع الناس إلى البيعة ، وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أول من تبدأ به الحسين ، وارفق به ، فبعث الوليد في الليل إلى الحسين وابن الزبير ، وأخبرهما بوفاة معاوية ، ودعاهما إلى البيعة ، فقالا : نصبح وننظر فيما يصنع الناس ، ووثبا فخرجا ، وأغلظ الوليد للحسين ، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها ، فقال الوليد : إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا ، فقيل للوليد : اقتله ، قال : إنّ ذلك لدم مصون (٣).

وخرج الحسين وابن الزبير لوقتهما إلى مكة ، ونزل الحسين بمكة دار العباس. ولزم عبد الله الحجر ، فلبس المغافر ، وجعل يحرّض على بني أميّة ، وكان يتردّد إلى الحسين ، ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له : هم شيعتكم ، وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل (٤).

وقال له عبد الله بن مطيع : فداك أبي وأمّي متّعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق ، فو الله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنّا خولا أو عبيدا (٥).

وقد لقي عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبّاس بن أبي ربيعة بالأبواء ، منصرفين من العمرة ، فقال لهما ابن عمر : أذكّركما الله إلّا رجعتما ، فدخلتما

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٠.

(٤) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣١.

(٥) طبقات ابن سعد ٥ / ١٤٥ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣١.

٧

في صالح ما يدخل فيه الناس ، وننظر ، فإن أجمع على يزيد الناس لم تشذّا (١) ، وإن افترقوا عليه كان الّذي تريدان (٢).

وقال ابن عمر للحسين : لا تخرج فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنك بضعة منه ، ولا تنالها ـ عني الدنيا ـ فاعتنقه وبكى ، وودّعه ، فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش (٣).

وقال له ابن عباس : أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال : العراق وشيعتي ، قال : إني لكاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك ، حتى تركهم سخطة وملّهم ، أذكّرك الله [أن] تغرّر بنفسك (٤).

الواقدي : حدّثني عبد الله بن جعفر المخرمي (٥) ، عن أبي عون قال : خرج الحسين من المدينة ، فمرّ بابن مطيع وهو يحفر بئره ، فقال : إلى أين ، فداك أبي وأمّي! متّعنا بنفسك ولا تسر ، فأبى الحسين ، قال : إنّ بئري هذه رشحها ، وهذا اليوم ما خرج إلينا في الدلو ، ماء ، فلو دعوت لنا فيها بالبركة ، قال : هات من مائها ، فأتى بما في الدلو فشرب منه ، ثم مضمض ، ثم ردّه في البئر.

وقال أبو سعيد : غلبني الحسين على الخروج ، وقد قلت له : اتّق الله والزم بيتك ، ولا تخرج على إمامك ، وكلّمه في ذلك جابر بن عبد الله ، وأبو واقد الليثي ، وغيرهما.

__________________

(١) في الأصل «لم يشدوا».

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣١.

(٣) تهذيب ٤ / ٣٣١.

(٤) في (مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٢) : عن ابن عباس قال : استأذنني الحسين في الخروج فقلت : لو لا أن يزري ذلك بي أو بك لشبكت بيدي في رأسك ، فكان الّذي رد عليّ أن قال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إليّ من أن يستحلّ بي حرم الله ورسوله ، قال : فذلك الّذي سلى نفسي عنه.

(٥) بفتح الميم ، كما في الخلاصة ١٩٣.

٨

وقال سعيد بن المسيّب : لو أنّ حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

وقد كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظّم عليه ما يريد أن يصنع ، وتأمره بلزوم الجماعة ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه وتقول : أشهد لحدّثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «يقتل حسين بأرض بابل» (١)

وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتابا يحذّره أهل الكوفة ، ويناشده الله أن يشخص إليهم.

فكتب إليه الحسين : إني رأيت رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمرني بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبر أحدا بها حتى ألاقي عملي (٢).

ولم يقبل الحسين غدا ، وصمّم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنّك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، وإني لأخاف أن تكون الّذي يقاد به عثمان ، ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). فقال : يا أبا العباس إنك شيخ قد كبرت ، فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير ، ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له : قد أتى ما أحببت ، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز. ثم تمثّل :

يا لك من قنبرة (٣) بمعمّر

خلا لك الجو (٤) فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقري (٥)

وبعث الحسين إلى أهل المدينة ، فسار إليه من خفّ معه من بني عبد المطّلب ، وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان ، وتبعهم محمد بن الحنفيّة فأدرك أخاه الحسين بمكة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي ، يومه هذا ، فأبى الحسين عليه ، فحبس محمد ولده ، فوجد عليه الحسين وقال : ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه! وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل ،

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٢ ، ٣٣٣.

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٣.

(٣) في التاج : القبرة : طائر ، الواحدة بهاء ، ولا تقل قنبرة ، أو لغية ، وقد جاء ذلك في الرجز ...

(٤) في الأصل «خلا لك البر».

(٥) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٤ ، تاريخ الطبري ٥ / ٣٨٤ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٣٩ ، البداية والنهاية ٨ / ١٦٠.

٩

والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة متوجّها إلى العراق ، في عشر ذي الحجّة ، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة : أما بعد فإنّ الحسين قد توجّه إليك ، وتالله ما أحد أحبّ إلينا سلمة من الحسين ، فإياك أن تفتح على الحسين ما لا يسدّه شيء. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : أما بعد ، توجّه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق أو تسترق كما تسترقّ العبيد (١).

وقال جرير بن حازم : بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين وهو بالبصرة ، فخرج على بغاله هو واثنا عشر رجلا حتى قدموا الكوفة ، فاعتقد أهل الكوفة أنه الحسين وهو متلثّم ، فجعلوا يقولون : مرحبا بابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسار الحسين حتى نزل نهري كربلاء ، وبعث عبيد الله عمر بن سعد على جيش.

قال : وبعث شمر بن ذي الجوشن فقال : إن قتله وإلّا فأقتله وأنت على الناس (٢).

وقال محمد بن الضّحّاك الحزامي ، عن أبيه : خرج الحسين إلى الكوفة ، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد : إنّ حسينا صائر إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وأنت من بين العمال ، وعندها تعتق أو تعود عبدا. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه (٣).

وقال الزبير بن الخرّيت : سمعت الفرزدق يقول : لقيت الحسين بذات عرق وهو يريد الكوفة ، فقال لي : ما ترى أهل الكوفة صانعين؟ معي حمل بعير من كتبهم؟ قلت : لا شيء ، يخذلونك ، لا تذهب إليهم. فلم يطعني (٤).

وقال ابن عيينة : حدّثني بجير ، من أهل الثعلبيّة ، قلت له : أين كنت

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٠.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٥.

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٤.

١٠

حين مرّ الحسين؟ قال : غلام قد أيفعت (١) ، قال : كان في قلّة من الناس ، وكان أخي أسنّ منّي ، فقال له : يا ابن بنت رسول الله ، أراك في قلّة من الناس! فقال بالسوط ، وأشار إلى حقيبة الرحل : هذه [خلفي] (٢) مملوءة كتبا.

قال ابن عيينة : وحدّثني شهاب بن خراش ، عن رجل من قومه قال : كنت في الجيش الذين بعثهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين ، وكانوا أربعة آلاف يريدون الدّيلم ، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين ، فلقيت حسينا ، فرأيته أسود الرأس واللحية ، فقلت له : السلام عليك يا أبا عبد الله ، فقال : وعليك السلام ، وكانت فيه غنّة.

قال شهاب : فحدّثت به زيد بن علي ، فأعجبه قوله وكانت فيه غنّة (٣).

ابن سعد ، عن الواقدي ، وغيره ، بإسنادهم ، أنّ عمر بن سعد بن أبي وقّاص أرسل رجلا على ناقة إلى الحسين ، يخبره بقتل مسلم بن عقيل ، وكان قد بعثه الحسين إلى الكوفة كما مرّ في سنة ستين ، فقال للحسين ولده علي الأكبر : يا أبه ارجع ، فإنّهم أهل العراق وغدرهم ، وقلّة وفائهم ، ولا لك بشيء ، فقالت بنو عقيل : ليس هذا حين رجوع ، وحرّضوه على المضيّ.

وقال الحسين لأصحابه : قد ترون ما يأتينا ، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا ، فمن أحب أن يرجع فليرجع ، فانصرف عنه جماعة ، وبقي فيمن خرج معه من مكة ، فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرسا (٤). وأما ابن زياد فجمع المقاتلة وأمر لهم بالعطاء.

وقال يزيد الرشك : حدّثني من شافه الحسين قال : رأيت أبنية مضروبة بالفلاة للحسين ، فأتيته ، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خدّيه ، فقلت : بأبي وأمّي يا بن بنت رسول الله ، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي

__________________

(١) في الأصل «أينعت».

(٢) زيادة من سير الأعلام ٣ / ٣٠٥.

(٣) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٠٥.

(٤) في (المذكر والمؤنث لابن جني) : الفرس يقع على الذكر والأنثى.

١١

ليس بها أحد؟ قال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فرم (١) الأمة ، يعني مقنّعتها.

قلت : ندب ابن زياد لقتال الحسين ، عمر بن سعد بن أبي وقّاص. فروى الزبير بن بكار ، عن محمد بن حسين قال : لما نزل عمر بن سعد بالحسين أيقن أنهم قاتلوه ، فقام في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد نزل بنا ما ترون ، إنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، واستمرت حتى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء ، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما (٢).

وقال خالد الحذّاء ، عن الجريريّ ، عن عبد الله أو غيره ، إنّ الحسين لما أرهقه السلاح قال : ألا تقبلون منّي ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبل من المشركين؟ قيل : وما كان يقبل منهم؟ قال : كان إذا جنح أحدهم للسلم قبل منه ، قالوا : لا ، قال : فدعوني أرجع ، قالوا : لا ، قال : فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح ، فقال له : أبشر بالنار ، فقال : بل إن شاء الله برحمة ربّي وشفاعة نبيّي ، قال : فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد (٣) ، فنكته بقضيبه (٤) وقال : لقد كان غلاما صبيحا ، ثم

__________________

(١) في الأصل «فدم» ، والتحرير من تاريخ ابن جرير والنهاية حيث قال : هو بالتحريك ما تعالج به المرأة فرجها ، وقيل : هو خرقة الحيض (انظر تاريخ الطبري ٥ / ٣٩٤).

(٢) في الأصل «ندما» وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٣ «برما» أي مللا وسآمة. والخبر في المعجم الكبير للطبراني (٢٨٤٢) وحلية الأولياء ٢ / ٣٩ ، وتاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.

(٣) في (مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٦) و (اللمعات البرقية في النكت التاريخية لمحمد بن طولون ص ٣) : روي من غير وجه عن عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي أنه قال : رأيت في هذا القصر ـ وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة ـ رأس الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ، ثم رأيت فيه رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن عبيد على ترس ، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب على ترس ، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان على ترس ...

(٤) تاريخ الطبري ٥ / ٣٩٣.

١٢

قال : أيّكم قاتله؟ فقال الرجل ، فقال : ما قال لك؟ فأعاد الحديث ، فاسودّ وجهه (١).

وروى ابن سعد في «الطبقات» بأسانيده ، قالوا : وأخذ الحسين طريق العذيب (٢) ، حتى نزل قصر أبي مقاتل (٣) ، فخفق خفقة ، ثم انتبه يسترجع وقال : رأيت كأنّ فارسا يسايرنا ويقول : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا ، ثم سار فنزل بكربلاء ، فسار إليه عمر بن سعد في أربعة آلاف كالمكره ، واستعفى عبيد الله فلم يعفه ، ومع الحسين خمسون رجلا ، وتحوّل إليه من الجيش عشرون رجلا ، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلا ، وقتل عامّة أصحابه حوله ، وذلك في يوم الجمعة يوم عاشوراء ، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد ، وأحاطت به الرجّالة ، فكان يشدّ عليهم فيهزمهم ، وهم يتدافعونه ، يكرهون الإقدام عليه ، فصاح بهم شمر : ثكلتكم أمهاتكم ما ذا تنتظرون به؟ فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثم انتزع الرمح وطعن في بواني (٤) صدره ، فخرّ رضي‌الله‌عنه صريعا ، واحتزّ رأسه خولي الأصبحي ، لا رحمه‌الله ولا رضي عنه (٥).

وقال أبو معشر (٦) نجيح ، عن بعض مشيخته ، إنّ الحسين رضي‌الله‌عنه قال حين نزلوا كربلاء : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : كرب وبلاء ، فبعث عبيد الله عمر بن سعد فقابلهم ، فقال الحسين : يا عمر اختر منّي إحدى ثلاث : إما تتركني أن أرجع ، أو تسيّرني إلى يزيد فأضع يدي في

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٧.

(٢) العذيب : ماء بين القادسية والمغيثة.

(٣) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٧ والكامل لابن الأثير ٤ / ٥٠ «قصر بني مقاتل».

قال ياقوت في معجم البلدان ٤ / ٣٦٤ : «وقصر مقاتل : كان بين عين التمر والشام ، وقال السكونيّ : هو قرب القطقطانة وسلام ثم الفريّات : منسوب إلى مقاتل بن حسّان بن ثعلبة بن أوس ..

(٤) البواني : أضلاع الصدر. وفي الأصل «ثواني».

(٥) انظر تاريخ الطبري ٥ / ٤٤٩ وما قبلها.

(٦) في الأصل مطموسة ، والتصحيح من (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى ص ١٤٤).

١٣

يده ، فيحكم في ما أرى (١) ، فإن أبيت فسيّرني إلى الترك ، فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل عمر إلى ابن زياد بذلك ، فهمّ أن يسيّره إلى يزيد ، فقال له شمر بن جوشن ـ كذا قال : والأصح شمر بن ذي (٢) الجوشن ـ : لا أيها الأمير ، إلا أن ينزل على حكمك ، فأرسل إليه بذلك ، فقال الحسين : والله لا أفعل. وأبطأ عمر ، فأرسل إليه ابن زياد شمر المذكور فقال : إن تقدّم عمر وقاتل وإلّا فأقتله وكن مكانه ، وكان مع عمر ثلاثون رجلا من أهل الكوفة ، قالوا : يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ثلاث خصال ، فلا تقبلون منها شيئا! وتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا (٣).

وقال عبّاد بن العوّام ، عن حصين ، عن سعد بن عبيدة قال : رأيت الحسين وعليه جبّة برود (٤) ، ورماه رجل يقال له عمرو بن خالد الطهوي بسهم ، فنظرت إلى السهم معلّقا بجنبه (٥).

وقال ابن عيينة ، عن أبي موسى ، عن الحسن قال : قتل (٦) مع الحسين رضي‌الله‌عنه ستة عشر رجلا من أهل بيته.

وعن غير واحد قالوا : قاتل يومئذ الحسين ، وكان بطلا شجاعا إلى أن أصابه سهم في حنكه ، فسقط عن فرسه ، فنزل شمر ، وقيل غيره ، فاحتزّ رأسه ، ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).

__________________

(١) في البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ٨ / ١٧٥ : قد روى أبو مخنف : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان قال : لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل ، والله ما من كلمة قالها في مواطن إلا وقد سمعتها ، وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده ، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور ، ولكن طلب منهم أحد أمرين : إما أن يرجع من حيث جاء وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه. وأورد ابن جرير نحو هذا في تاريخه ٥ / ٤١٤.

(٢) في الأصل «دلى» ، والتصحيح من (ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى ص ١٤٦) حيث ترجم لأبي عبد الله الحسين في صفحات.

(٣) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٨.

(٤) في (مجمع الزوائد) : جبة خز دكناء.

(٥) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٣٨.

(٦) في سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٢ «أقبل مع الحسين».

١٤

وروى شريك ، عن مغيرة قال : قالت مرجانة لابنها عبيد الله : يا خبيث ، قتلت ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا ترى الجنة أبدا.

وقال عبّاد بن العوّام ، عن حصين : حدّثني سعد بن عبيدة قال : إنّا لمستنقعين في الفرات مع عمر بن سعد ، إذ أتاه رجل فسارّه ، فقال : قد بعث إليك عبيد الله جويرة بن بدر التميمي ، وأمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب عنقك ، قال : فوثب على فرسه ، ودعا بسلاحه وعلا فرسه ، ثم سار إليهم ، فقاتلهم حتى قتلهم ، قال سعد : وإني لأنظر إليهم ، وإنهم لقريب مائة رجل ، ففيهم من صلب علي رضي‌الله‌عنه خمسة أو سبعة ، وعشرة من الهاشميّين ، ورجل من بني سليم ، وآخر من بني كنانة.

وروى أبو شيبة العبسيّ ، عن عيسى بن الحارث الكندي قال : لما قتل الحسين مكثنا أياما سبعة ، إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان ، كأنها الملاحف المعصفرة ، وبصرنا إلى الكواكب ، يضرب بعضها بعضا (١).

وقال المدائني ، عن علي بن مدرك ، عن جدّه الأسود بن قيس قال : احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر ، يرى فيها كالدم ، فحدّثت بذلك شريكا ، فقال لي : ما أنت من الأسود؟ فقلت : هو جدّي أبو أمّي ، فقال : أما والله إن كان لصدوق الحديث.

وقال هشام بن حسّان ، عن ابن سيرين قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق ممّ؟ هو من يوم قتل الحسين.

رواه سليمان بن حرب ، عن حمّاد ، عنه.

وقال جرير بن عبد الحميد ، عن زيد بن أبي زياد قال : قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة ، وصار الورس الّذي في عسكرهم رمادا ، واحمرّت آفاق السماء ، ونحروا ناقة في عسكرهم ، وكانوا يرون في لحمها النيران (٢).

__________________

(١) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٤٢ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (٢٨٣٩).

(٢) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٤٢.

١٥

وقال ابن عيينة : حدّثتني جدّتي قالت : لقد رأيت الورس عاد رمادا ، ولقد رأيت اللحم كأنّ فيه النار حين قتل الحسين (١).

وقال حمّاد بن زيد : حدّثني جميل بن مرّة قال : أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل ، فنحروها وطبخوها ، فصارت مثل العلقم.

وقال قرّة بن خالد : ثنا أبو رجاء العطاردي قال : كان لنا جار من بلهجيم ، فقدم الكوفة فقال : ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله ـ يعني الحسين ـ ، قال أبو رجاء : فرماه الله بكوكبين من السماء ، فطمس بصره ، وأنا رأيته (٢).

وقال معمر بن راشد : أو ما عرف الزّهريّ تلكم في مجلس الوليد بن عبد الملك؟ ، فقال الوليد : تعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين؟ فقال الزهري : إنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط.

وروى الواقدي ، عن عمر بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه قال : أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال : هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال : ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط (٣).

وقال جعفر بن سليمان : حدّثتني أمّ سالم خالتي قالت : لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم على البيوت والجدر (٤).

وقال عليّ بن زيد بن جدعان ، عن أنس قال : لما قتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله بن زياد ، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال : إن كان

__________________

(١) رواه الطبراني ٣ / ١٢٨ رقم (٢٨٥٨).

(٢) الطبراني (٢٨٣٠).

(٣) الطبراني (٢٨٣٤) ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٦.

(٤) قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ٢٠١ و ٢٠٢ : ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء فوضعوا أكاذيب كثيرة. ونقل نحو ما نقله الذهبي هنا ثم قال : إلى غير ذلك من الأكاذيب في قتله فأكثرها غير صحيح ، فإنه قل من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا وأكثرهم أصابهم الجنون. وبسط المحب الطبري بعض ما أصابهم في (ذخائر العقبي).

١٦

لحسن الثغر ، فقلت : لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبّل موضع قضيبك من فيه (١).

وقال حمّاد بن سلمة ، عن عمّار بن أبي عمّار ، عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنصف النهار ، أشعث أغبر ، وبيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي وأمّي يا رسول الله ، ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل منذ اليوم ألتقطه ، فأحصي ذلك اليوم ، فوجدوه قتل يومئذ (٢).

وعن سلمى أنها دخلت على أمّ سلمة وهي تبكي فقالت : ما يبكيك؟ قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المنام ، على رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا.

أخرجه الترمذي (٣) من حديث أبي خالد الأحمر : ثنا رزين ، حدّثتني سلمى.

قلت : رزين هو ابن حبيب ، كوفي. قال الترمذي : هذا حديث غريب.

وقال حمّاد بن سلمة ، عن عمّار : سمعت أمّ سلمة قالت : سمعت الجنّ تبكي على حسين وتنوح عليه (٤).

وروي عن أمّ سلمة نحوه من وجه آخر (٥).

وروى عطاء بن مسلم ، عن أبي جناب (٦) الكلبي قال : ثم أتيت كربلاء ، فقلت لرجل من أشراف العرب بها : بلغني أنكم تسمعون نوح الجنّ ، فقال : ما تلقى أحدا إلا أخبرك أنه سمع ذلك ، قلت : فأخبرني ما سمعت أنت ، قال : سمعتهم يقولون :

__________________

(١) الطبراني (٢٨٧٨) ، وأخرجه البخاري في الفضائل ٧ / ٧٥ من طريق : جرير بن حازم ، عن محمد بن سيرين ، والترمذي (٣٧٧٨) وابن حبّان (٢٢٤٣).

(٢) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٢٨٣ ، والطبراني (٢٨٢٢) وابن عساكر ٤ / ٣٤٣.

(٣) في المناقب (٣٧٧١).

(٤) الطبراني (٢٨٦٧) ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٩.

(٥) تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٤٤ من طريق سويد بن سعيد ، عن عمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أم سلمة.

(٦) بالأصل مهمل ، والتصويب من الخلاصة ٤٦٥ وهو : يحيى بن أبي حية.

١٧

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

وجدّه خير الجدود

رواه ثعلب في أماليه (١).

ثنا عمر بن شيبة (٢) : ثنا عبيد بن جناد : ثنا عطاء ، فذكره.

وقال الزبير بن بكار : حدّثني محمد بن حسن المخزومي قال : لما أدخل ثقل الحسين على يزيد ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال :

نفلّق (٣) هاما من رجال أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (٤)

أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبدا. فقال علي بن الحسين : ليس هكذا ، قال : فكيف يا بن أم؟ قال : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (٥) ، وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان ، فقال :

لهام بجنب الطّفّ أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي النسب (٦) الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وبنت رسول الله ليس لها نسل

قال يحيى بن بكير : حدّثني الليث بن سعد قال : أبي الحسين أن يستأسر ، فقاتلوه ، فقتل ، وقتل ابنه وأصحابه بالطّفّ ، وانطلق ببنيه : علي وفاطمة وسكينة إلى عبيد الله بن زياد ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية ، فجعل

__________________

(١) الطبراني (٢٨٦٥) و (٢٨٦٦) ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٩ وقال الهيثمي : وفيه من لم أعرفه ، وأبو جناب مدلّس ، وانظر : تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٣٤٤ ، والبداية والنهاية ٨ / ٢٠٠.

(٢) في الأصل «شبيه».

(٣) في الأصل : «تعلّق» ، والتصحيح من (مجمع الزوائد ـ ج ٩ / ١٩٣) وترجم فيه للحسين بن علي في ١٦ صفحة.

(٤) ورد هذا البيت في تاريخ الطبري ٥ / ٤٦٠ على هذا النحو :

يفلّقن هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

(٥) سورة الحديد ٢٢.

(٦) عند الطبري ٥ / ٤٦٠ : «الحسب».

١٨

سكينة خلف سريره ، لئلّا ترى رأس أبيها ، وعلي بن الحسين في غلّ ، فضرب يزيد على ثنيّتي الحسين رضي‌الله‌عنه وقال :

نفلّق هاما من أناس أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (١)

فقال علي : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) (٢) فثقل على يزيد أن تمثّل ببيت ، وتلا علي آية فقال : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣) ، فقال : أما والله لو رآنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغلوبين ، لأحبّ أن يحلّنا من الغلّ ، قال : صدقت ، حلّوهم ، قال : ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بعد لأحبّ أن يقرّبنا ، قال : صدقت ، قرّبوهم ، فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان ليريا رأس أبيهما ، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ، فيستره عنهما ، ثم أمر بهم فجهّزوا ، وأصلح آلتهم وأخرجوا إلى المدينة (٤).

كثير (٥) بن هشام : ثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن أبي زياد قال : لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين جعل ينكت بمخصرة معه سنّه ويقول : ما كنت أظنّ أبا عبد الله بلغ هذا السنّ ، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود.

وقال ابن سعد ، عن الواقدي ، والمديني ، عن رجالهما ، أن محفّز بن ثعلبة العائذي ، عائذة (٦) قريش ، قدم برأس الحسين على يزيد فقال : أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم ، قال يزيد : ما ولدت أمّ محفّز أحمق وألأم ، لكن الرجل لم يقرأ كتاب الله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٦٠ ، المعجم الكبير للطبراني ٣ / ١٢٤ رقم (٢٨٤٨) ، والكامل في التاريخ ٤ / ٨٩ ، ٩٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٣.

(٢) سورة الحديد ـ الآية ٢٢.

(٣) سورة الشورى ـ الآية ٣٠.

(٤) انظر البدآية والنهاية ٨ / ١٩٤ ، وهو عند الطبراني (٨٠٦).

(٥) في الأصل «كبير» ، والتصويب من (تهذيب التهذيب ٨ / ٤٢٩).

(٦) في الأصل مهملة ، والتصحيح من (اللباب ٢ / ٣٠٧).

١٩

الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) الآية (١).

ثم بعث يزيد برأس الحسين على عامله على المدينة ، فقال : وددت أنه لم يبعث به إليّ ، ثم أمر به ، فدفن بالبقيع عند قبر أمّه فاطمة ، رضي‌الله‌عنها (٢).

وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي : ثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني : سمعت أبا أميّة الكلاعي ، سمعت أبا كرب قال : كنت في القوم الذين توثّبوا على الوليد بن يزيد ، وكنت فيمن نهب خزائنهم بدمشق ، فأخذت سفطا وقلت : فيه غنائي ، فركبت فرسي وجعلته بين يديّ ، وخرجت من باب توما ، ففتحته ، فإذا بحريرة فيها رأس مكتوب عليه : «هذا رأس الحسين» ، فحفرت له بسيفي ودفنته.

وقال ابن جرير الطبري (٣) : حدّثت عن أبي عبيدة ، أنّ يونس بن حبيب حدّثه قال : لما قتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برءوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي ، وحكّمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني حفظا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورعاية لحقّه وقرابته ، لعن الله ابن مرجانة ـ يريد عبيد الله ـ ، فإنه أخرجه واضطرّه ، وقد كان سأل أن يخلى سبيله ، ويرجع من حيث أقبل ، أو يأتيني فيضع يده في يدي ، أو يلحق بثغر من الثغور ، فأبى ذلك وردّه عليه ، فأبغضني بقتله المسلمون (٤).

وقال المدائني ، عن إبراهيم بن محمد ، عن عمرو بن دينار : حدّثني محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه قال : لما قتل الحسين دخلنا الكوفة ، فلقينا رجل ، فدخلنا منزله ، فأحلفنا ، فنمت ، فلم استيقظ إلا بحسّ الخيل في الأزقّة ، فحملنا إلى يزيد ، فدمعت عينه حين رآنا ، وأعطانا ما شئنا وقال : إنه

__________________

(١) آل عمران / ٢٦.

(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٤٦٣.

(٣) تاريخ الطبري ٥ / ٥٠٦ (حوادث سنة ٦٤ ه‍).

(٤) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٢٠ ، ٣٢١.

٢٠