تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤١

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً)

الطبقة التاسعة والخمسون

ذكر الوقائع الكائنة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

[وقوع البرد]

في المحرّم وقع بناحية نهر الملك برد أهلك الزّرع وقتل المواشي ، وزنت منه بردة فكانت رطلين بالعراقيّ.

[تدريس النظامية]

وفي صفر انفصل رضيّ الدّين أبو الخير القزوينيّ عن تدريس النّظاميّة ، وولي أبو طالب المبارك بن المبارك الكرخيّ ، وخلع عليه من الدّيوان العزيز بطراحة (١).

[منع الوعّاظ]

وفي رجب أمر الخليفة منع الوعّاظ كلّهم إلّا ابن الجوزيّ.

[مولود بأذن واحدة]

وولد بالعراق ولد طول جبهته شبر وأربعة أصابع ، وله أذن واحدة.

[خطبة الملثّم للناصر لدين الله]

وفيها وردت الأخبار بأنّ عليّ بن إسحاق الملثّم خطب للنّاصر لدين الله بمعظم بلاد المغرب ، وخالف بني عبد المؤمن (٢).

__________________

(١) الكامل ١١ / ٥٥٢.

(٢) العبر ٤ / ٤٢٤.

٥

[مسير السلطان إلى الموصل]

وفيها سار السّلطان الملك النّاصر قاصدا الموصل ، فلمّا قارب حلب تلقّاه صاحبها الملك العادل أخوه ، ثمّ عدّى الفرات إلى حرّان ، وكانت إذ ذاك لمظفّر الدّين ابن صاحب إربل ، وقد بذل خطّه بخمسين ألف دينار يوم وصول السّلطان إلى حرّان برسم النّفقة ، فأقام السّلطان أيّاما لم ير للمال أثرا ، فغضب على مظفّر الدّين واعتقله ، ثمّ عفا عنه ، وكتب له تشريفا بعد أن تسلّم منه حرّان ، والرّها ، ثمّ أعادهما إليه في آخر العام. وسار إلى الموصل فحاصرها وضايقها ، وبذلت العامّة نفوسهم في القتال بكلّ ممكن لكون بنت السلطان نور الدّين ، وهي زوجة صاحب الموصل عزّ الدّين سارت إلى صلاح الدّين قبل أن ينازل البلد ، وخضعت له تطلب الصّلح والإحسان ، فردّها خائبة ، ثمّ إنّه ندم ، ورأى أنّه عاجز عن أخذ البلد عنوة ، فأتت الأخبار بوفاة شاه أرمن صاحب خلاط ، وبوفاة نور الدّين محمد صاحب حصن كيفا وآمد ، فتقسّم فكره ، واختلفت آراء أمرائه ، فلم يلبث أن جاءته رسل أمراء خلاط بتعجيل المسير إليهم ، فأسرع إليهم ، وجعل على مقدّمته ابن عمّه ناصر الدّين محمد بن شيركوه ومظفّر الدّين كوكبوري ابن صاحب إربل إلى خلاط ، فوجد الأمير بكتمر مملوك شاه أرمن قد تملّك ، فنزلا بقربها.

ووصل الملك شمس الدّين البهلوان محمد بن ألدكز بجيش أذربيجان ليأخذ خلاط فنزل أيضا بقربها. وكان الوزير بها مجد الدّين عبد الله بن الموفّق بن رشيق ، فكاتب صلاح الدّين مرّة ، وصلاح الدّين أخرى (١).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٥١١ ـ ٥١٤ ، زبدة الحلب ٣ / ٨٢ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٦٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٣ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٩ ، ٢٢٠ ، النوادر السلطانية ٦٧ ـ ٦٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٩ ، مضمار الحقائق ٢١٢ ـ ٢١٨ ، العبر ٤ / ٢٤١ ، دول الإسلام ٢ / ٩١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٤١٨ ، ٤١٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٥ ، ٣١٦ ، العسجد المسبوك ١٩٤ ، المغرب في حلى المغرب ١٥١ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٨٩ ، ٩٠ ، شفاء القلوب ١١٤ ـ ١١٦ ، تاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) ١ / ١٦٩.

٦

[منازلة صلاح الدين ميّافارقين]

ووصل صلاح الدّين ميّافارقين فنازلها وحاصرها ، وكتب إلى مقدّمته يأمرهم بالعود إليه فعادوا ، وتسلّمها بأمان ، وسلّمها إلى مملوكه سنقر في جمادى الأولى. فأتته رسل البهلوان بما فيه المصلحة وأن يرجع عن خلاط ، فأجاب : على أن ترحل أنت أيضا إلى بلادك (١).

[منازلة الموصل]

ثمّ عاد صلاح الدّين فنازل الموصل وضايقها ، فخرج إليه جماعة من النّساء الأتابكيّات فخضعن له ، فأكرمهنّ وقبل شفاعتهنّ. واستقرّ الأمر على أن يكون عماد الدّين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنجار هو المتكلّم ، فتوسّط بأن تكون بلاد شهرزور وحصونها للسّلطان ، وتضرب السّكّة باسمه والخطبة له بالموصل ، وأن تكون الموصل لصاحبها ، وأن يكون طوعه (٢).

[مرض السلطان]

ثمّ رجع السّلطان فتمرّض بحرّان مديدة ، واشتدّ مرضه ، وتناثر شعر رأسه ولحيته ، وأرجفوا بموته. ثمّ عوفي (٣).

__________________

(١) النوادر السلطانية ٦٩ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥١٥ ، تاريخ الزمان ٢٠٣ ، تاريخ مختصر الدول ٢٢٠ ، زبدة الحلب ٣ / ٨٢ ، المغرب في حلى المغرب ١٥١ ، الروضتين ٢ / ٦١ ، الدرّ المطلوب ٧٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٦ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٩ ، مرآة الجنان ٣ / ٤١٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٨٩ ، العسجد المسبوك ١٩٤ ، شفاء القلوب ١١٤ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٦٩ ، ١٧٠.

(٢) النوادر السلطانية ٦٩ ، ٧٠ ، مضمار الحقائق ٢١٩ ، ٢٢٠ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥١٥ ، ٥١٦ ، زبدة الحلب ٣ / ٨٢ ، ٨٣ ، تاريخ الزمان ٢٠٣ ، تاريخ مختصر الدول ٢٢٠ ، المغرب في حلي المغرب ١٥١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٩ ، الروضتين ٢ / ٦١ ، الدرّ المطلوب ٧٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٤ ، ٩٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٦ ، مرآة الجنان ٣ / ٤١٩ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٨٩ ، العسجد المسبوك ١٩٤ ، شفاء القلوب ١١٤ ، ١١٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٧٠.

(٣) النوادر السلطانية ٧١ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥١٧ ، ٥١٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٣ ، تاريخ

٧

[وفاة صاحب حمص]

وتوفّي ناصر الدّين محمد بن أسد الدّين صاحب حمص ، فأنعم بها السّلطان على ولده الملك المجاهد أسد الدّين شيركوه بن محمد. وسنّه يومئذ ثلاث عشرة سنة ، وامتدّت أيّامه (١).

[مصالحة أهل خلاط للبهلوان]

وأمّا أهل خلاط فإنّهم اصطلحوا مع البهلوان محمد (٢) ، وصاروا من حزبه.

[فتنة التركمان والأكراد]

قال ابن الأثير (٣) : وفيها ابتداء الفتنة بين التّركمان والأكراد بالموصل ، والجزيرة ، وشهرزور ، وأذربيجان ، والشّام. وقتل فيها من الخلق ما لا يحصى ، ودامت عدّة سنين. وتقطّعت الطّرق ، وأريقت الدّماء ، ونهبت الأموال.

وسببها أنّ تركمانيّة تزوّجت بتركمانيّ ، فاجتازوا بأكراد ، فطلبوا منهم وليمة العرس ، فامتنعوا وجرى بينهم خصام آل إلى القتال ، فقتل الزّوج ،

__________________

= مختصر الدول ٢٢٠ ، زبدة الحلب ٣ / ٨٣ ، المغرب ١٥١ ، الروضتين ٢ / ٦١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٩ ، الدر المطلوب ٧٨ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٥ ، مرآة الجنان ٣ / ٤١٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٦ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٤ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٨٩ ، العسجد المسبوك ١٩٤ ، شفاء القلوب ١١٦ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٧٠.

(١) النوادر السلطانية ٧١ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥١٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٤ ، مضمار الحقائق ٢٢٨ ، زبدة الحلب ٣ / ٨٣ ، ٩٤ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٧٤ ، وفيات الأعيان ٢ / ٤٨٠ و ٣ / ٢٤٤ و ٥ / ٢٠٦ و ٧ / ١٧٢ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٦٩ ، ٧٠ ، الدرّ المطلوب ٨٠ ، دول الإسلام ٢ / ٩٢ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٤٣ ، ١٤٤ رقم ٧٢ ، العبر ٤ / ٢٤٦ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٧ ، الوافي بالوفيات ٣ / ١٥٤ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٤ ، العسجد المسبوك ١٩٥ ، ١٩٦ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٩٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٧١ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٧٣.

(٢) هو محمد بن ألدكز. توفي في السنة التالية ٥٨٢ ه‍. (المختصر في أخبار البشر ٣ / ٧٠ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٨٤).

(٣) في الكامل ١١ / ٥١٩.

٨

فهاجت الفتنة ، وقامت التّركمان على ساق ، وقتلوا جمعا من الأكراد ، فتناخت الأكراد وقتلوا في التّركمان. وتفاقم الشّرّ ودام ، إلى أن جمع الأمير مجاهد الدّين قايماز رحمه‌الله عنده جمعا من رءوس التّركمان والأكراد وأصلح بينهم ، وأعطاهم الخلع والثّياب ، وأخرج عليهم مالا جمّا ، فانقطعت الفتنة (١).

[استيلاء ابن غانية على بلاد إفريقية]

وفيها استولى ابن غانية الملثّم على أكثر بلاد إفريقية كما ذكرنا في سنة ثمانين استطرادا (٢).

__________________

(١) العبر ٤ / ٢٤١ ، ٢٤٢.

(٢) الكامل ١١ / ٥١٩.

٩

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

[اعتدال صحّة السلطان]

في أوّلها صح مزاج السّلطان بحرّان فرحل عنها ، ومعه ولداه الظّاهر ، والعزيز ، وأخوه العادل ، وقدم الشّام. فبذل العادل بلاد حلب لأولاد أخيه ، فشكره السّلطان على ذلك ، وملّكها للسّلطان الملك الظّاهر غازي ولده. وسيّر أخاه العادل إلى مصر ، ونزل على نواحي البلقاء.

وقيل إنّ الملك الظّاهر لمّا تزوّج بابنة العادل نزل له العادل عن حلب ، وقال : أنا ألزم خدمة أخي وأقنع بما أعطاني. وسمح بهذا لأنّ السّلطان أخاه كان في مرضه قد أوصى إليه على أولاده وممالكه ، فأعجبه ذلك (١).

[رواية المنجّمين عن خراب العالم]

قال العماد الكاتب : أجمع المنجّمون في سنة اثنتين وثمانين في جميع البلاد بخراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب السّتّة (٢) في الميزان بطوفان الرّيح في سائر البلدان. وخوّفوا بذلك من لا توثّق له باليقين ، ولا إحكام له في الدّين من ملوك الأعاجم والروم ، وأشعروهم من تأثيرات النّجوم ، فشرعوا في حفر مغارات على التّخوم ، وتعميق بيوت في الأسراب وتوثيقها ، وشدّ منافسها على الرّيح ، ونقلوا إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها ، وانتظروا الميعاد وسلطاننا متنمّر من أباطيل المنجّمين ، موقن أنّ قولهم مبنيّ

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٢٤ ، ٥٢٥.

(٢) في الكامل ١١ / ٥٢٨ «تجتمع الكواكب الخمسة» ، والمثبت يتفق مع البداية والنهاية ١٢ / ٣١٩ ، والعبر ٤ / ٢٤٦.

١٠

على الكذب والتّخمين. فلمّا كانت اللّيلة الّتي عيّنها المنجّمون لمثل ريح عاد ، ونحن جلوس عند السّلطان ، والشّموع توقد ، وما يتحرّك لنا نسيم ، ولم نر ليلة مثلها في ركودها (١).

وعمل في ذلك جماعة من الشّعراء. فممّا عمل أبو الغنائم محمد بن المعلّم فيما ورّخه أبو المظفّر السّنة في «المرآة» (٢) :

قل لأبي الفضل قول معترف (٣)

مضى جمادى وجاءنا رجب

وما جرت زعزعا كما حكموا

ولا بدا كوكب له ذنب

كلّا ، ولا أظلّت (٤) ذكاء ولا

أبدت أذى في أقرانها (٥) الشّهب

يقضي عليها من ليس يعلم ما

يقضى عليه هذا هو العجب (٦)

قد بان كذب المنجّمين وفي

أيّ مقال (٧) قالوا وما كذبوا؟ (٨)

[فتنة عاشوراء]

قال ابن البزوريّ : وفي يوم عاشوراء سنة اثنتين قال محمد بن القادسيّ فرش الرّماد في الأسواق ببغداد ، وعلّقت المسوح ، وناح أهل الكرخ

__________________

(١) العبر ٤ / ٢٤٦ ، ٢٤٧.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ٣٨٧.

(٣) في المرآة : «معتبر».

(٤) في المرآة : «أظلمت».

(٥) في المرآة : «قرانها».

(٦) في المرآة بعده : بيت هو :

فارم بتقويمك الفرات والأسطرلاب

خير من ضبوة الخشب

(٧) في المرآة : «مثال».

(٨) في المرآة زيادة : (٨ / ٣٨٧ ، ٣٨٨) :

مدبّر الأمر واحد ليس إلّاه

وفي كلّ حادث سبب

لا المشتري سالم ولا زحل

باق ولا زهرة ولا قطب

تبارك الله حصحص الحقّ

وانجاب التمادي وزالت الريب

فليبطل المدّعون ما صنعوا

في كتبهم ولتحرق الكتب

١١

والمختارة ، وخرج النّساء حاسرات يلطمن وينحن من باب البدريّة إلى باب حجرة الخليفة ، والخلع تفاض عليهنّ وعلى المنشدين من الرجال.

وتعدّى الأمر إلى سبّ الصّحابة. وكان أهل الكرخ يصيحون : ما بقي كتمان. وأقاموا ابنة قرايا ، وكان الظّهير ابن العطّار قد كبس دار أبيها ، وأخرج منها كتبا في سبّ الصّحابة ، فقطع يديه ورجليه ، ورجمته العوامّ حتّى مات ، فقامت هذه المرأة تحت منظرة الخليفة وحولها خلائق وهي تنشد أشعار العوني وتقول : العنوا راكبة الجمل. وتذكر حديث الإفك.

قال : وكلّ ذلك منسوب إلى أستاذ الدّار ، وهو مجد الدّين ابن الصّاحب ، ثمّ قتل بعد (١).

[خلاف الفرنج]

وفيها وقع الخلاف بين الفرنج ـ لعنهم الله ـ وتفرّقت كلمتهم ، وكان في ذلك سعادة الإسلام (٢).

[غدر أرناط صاحب الكرك]

وفيها غدر اللّعين أرناط صاحب الكرك ، فقطع الطّريق على قافلة كبيرة جاءت من مصر ، فقتل وأسر ، ثمّ شنّ الغارات على المسلمين ، ونبذ العهد. فتجهّز السّلطان صلاح الدّين لحربه ، وطلب العساكر من البلاد ، ونذر إن ظفر به ليقتلنّه ، فأظفره الله به كما يأتي (٣).

__________________

(١) دول الإسلام ٢ / ٩٢ (باختصار) ، العبر ٤ / ٢٧٤.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ٣٨٩ ، دول الإسلام ٢ / ٩٢.

(٣) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٢٧ ، ٥٢٨ ، تاريخ الزمان ٢٠٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٨٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٧١ ، دول الإسلام ٢ / ٩٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٦ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٩٢ ، شفاء القلوب ١١٨ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٧٣.

١٢

[خروج طغتكين عن طاعة صلاح الدين]

أنبأنا ابن البزوريّ في «الذّيل» قال : وقدم الحاجّ بغداد ، وأخبروا أنّ سيف الإسلام طغتكين أخا صلاح الدّين خرج عن الطّاعة ، وترك مراضي الدّيوان واتّباعه ، واستولى على مكّة وأهلها ، وخطب لأخيه (١).

وأخبروا أنّ قفل الكعبة عسر عليهم فتحه ، وازدحم النّاس ، فمات منهم أربعة وثلاثون نفسا.

[مزاعم المنجّمين]

قال : وفي هذه السّنة كان المنجّمون يزعمون أنّ في تاسع جمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان ، وهو القران الخامس ، ويدلّ ذلك على رياح شديدة ، وهلاك مدن كثيرة ، فلم ير إلّا الخير. وأخبرت أنّ الهواء توقّف في الشّهر المذكور على أهل السّواد ، فلم يكن لهم ما يذرّون به الغلّة (٢).

وكان الخليفة أمر بأخذ خطوط المنجمّين بذلك ، فكتبوا سوى قايماز ، وكان حاذقا بالنّجوم ، فإنّه كتب : لا يتم من ذلك شيء. وخرج. فقال له منجّم : ما هذا؟ قال : إن كان كما تزعمون من هلاك العالم من يواقفني؟ وإن كان ما قلته حظيت عندهم.

[عقد قران الخليفة الناصر]

وفيها عقد أمير المؤمنين الناصر على الجهة سلجوق خاتون بنت قلج أرسلان بن مسعود صاحب بلاد الروم بوكالة من أخيها كيخسرو ، وسار لإحضارها الحافظ يوسف بن أحمد شيخ الرّباط الأرجوانيّ.

__________________

(١) مرآة الزمان ٨ / ٣٨٨.

(٢) الكامل ١١ / ٥٢٨ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٨٥ و ٣٨٧.

١٣

[الفتنة بين الرافضة والسّنّة]

وفيها جرت فتنة عظيمة بين الرافضة والسّنّة قتل فيها خلق كثير ، وغلبوا أهل الكرخ (١).

[الفتن بأصبهان]

وفيها وردت الأخبار بالفتن بأصبهان ، والقتال والنّهب ، وإحراق المدارس ، وقتل الأطفال ، فقتل أربعة آلاف نفس. وسببه اختلاف المذاهب بعد وفاة زعيم أصبهان البلهوان. ثمّ ملك بعده أخوه فهذّب البلاد.

[إمرة الركب العراقي]

وأمير الركب العراقي في هذه الأعوام طاشتكين المستنجديّ (٢).

كثرة الخلف بين الأمم والطوائف]

وفي هذه الأيام كثر الخلف بديار بكر والجزيرة بين الأكراد والتّركمان ، وبين الفرنج والروم والأرمن ، وبين الإسماعيليّة وال [ـ سّنّة] (٣). وقتلت الإسماعيليّة ابن نيسان والد الّذي أخذ منه صلاح الدين آمد.

[تصادم الطيور في الجوّ]

ووقع بين الكراكيّ واللّقالق والإوزّ ، وصارت تصطدم بالجوّ وتتساقط جرحى وكسرى ، وامتار النّاس منها بأرض حرّان. قاله عبد اللّطيف.

__________________

(١) دول الإسلام ٢ / ٩٢.

(٢) مرآة الزمان ٨ / ٣٨٩.

(٣) في الأصل بياض.

١٤

سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

[اتفاقات الأوائل]

أوّل يوم في السّنة كان أوّل أيام الأسبوع ، وأوّل السّنة الشّمسيّة وأول سنيّ الفرس ، والشّمس والقمر في أوّل البروج. وكان ذلك من الاتّفاقات العجيبة. قاله لنا ابن البزوريّ.

[نقابة النقباء]

قال : وفي صفر عزل نقيب النّقباء ابن الرمّال بأبي القاسم قثم بن طلحة الزّينبيّ.

[قتل مجد الدين ابن الصاحب]

وفي ربيع الأوّل استدعي مجد الدّين هبة الله ابن الصّاحب أستاذ الدّار إلى باطن دار الخلافة ، فقتل بها (١). وكان قد ارتفعت رتبته وعلا شأنه وتولّى قتله ياقوت النّاصريّ ، وعلّق رأسه على باب داره. وولي أستاذيّةالدار قوام الدّين أبو طالب يحيى بن زيادة ، نقلا من حجابة الباب النّوبيّ وأمر بكشف تركة ابن الصّاحب ، فكانت ألف ألف دينار وخمسة وثلاثين ألف دينار ، سوى الأقمشة والآلات والأملاك. وتقدّم أن لا يتعرّض إلى ما يخصّ أولاده من أملاكهم الّتي باسمهم (٢).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٦٢.

(٢) دول الإسلام ٢ / ٩٢ ، ٩٣.

١٥

وقال سبط الجوزيّ (١) : قرّبه النّاصر تقريبا زائدا (٢) ، فبسط يده في الأموال ، وسفك الدّماء ، وسبّ الصحابة ظاهرا ، وبطر بطرا شديدا ، وعزم على تغيير الدّولة.

إلى أن قال : وثب عليه في الدّهليز ياقوت شحنة بغداد فقتله ، ووجد له ما لم يوجد في دور الخلفاء.

[إحراق النقيب]

قلت : وتوفّي النّقيب عبد الملك بن عليّ بالسّجن ، وكان خاصّا بابن الصّاحب والمنفّذ لمراسمه ، وأخرج ، فلمّا رأت العامّة تابوته رموه ، وشدّوا في رجله حبلا وسحبوه ، وأحرقوه بباب المراتب.

[نيابة الوزارة]

وفي شوّال عزل ابن الدريج عن نيابة الوزارة ، ثمّ نفّذ إلى جلال الدّين أبي المظفّر عبيد الله بن يونس فولي الأمر. ثمّ استدعي يوم الجمعة إلى باب الحجرة ، وخلع عليه خلعة الوزارة الكاملة ، ولقّب يومئذ جلال الدّين ، وقبّل يد الخليفة وقال له : قلّدتك أمور الرعيّة فقدّم تقوى الله أمامك (٣).

[وفاة ابن الدامغانيّ]

وقد كان ابن يونس يشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدّامغانيّ ، وتوقّف مرّة في سماع قوله. فلمّا كان هذا اليوم كان قاضي القضاة ممّن مشى بين يديه. فقيل إنّه قال : لعن الله طول العمر. ثمّ مات بعد أيّام في ذي الحجّة (٤) ، فولّي قضاء القضاة بالعراق أبو طالب عليّ بن عليّ بن البخاريّ.

__________________

(١) يوجد نقص في المطبوع من مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي في أثناء حوادث سنة ٥٨٣ ه‍. حتى ٥٨٥ ه‍.

(٢) في الأصل : «قرّبه الناصر تقريب زائد».

(٣) الكامل في التاريخ ١١ / ٥٦٢.

(٤) الكامل ١١ / ٥٦٣.

١٦

[هدم مملكة السلطان طغرل]

وفيها أرسل السّلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل بن محمد السّلجوقيّ إلى الدّيوان يطلب أن تعمّر دار المملكة ليجيء وينزلها ، وأن يسمّى في الخطبة. فأمر الخليفة فهدمت المملكة وأعيد رسوله بغير جواب (١). وكان مستضعف الملك مع البهلوان ليس له غير الاسم. فلمّا توفّي البهلوان قويت نفسه وعسكر ، وانضمّ إليه أمراء.

[الحرب بين الركب العراقي والركب الشامي]

وحجّ بالركب العراقيّ مجير الدّين طاشتكين على عادته.

وحجّ من الشّام الأمير شمس الدّين محمد بن عبد الملك ، المعروف بابن المقدّم ، فضرب كوساته ، وتقدّم من عرفات قبل أصحاب الخليفة ، فأرسل طاشتكين يلومه ، فلم يفكّر فيه ، فركب طاشتكين في أجناده ، إلى قتاله ، وتبعه خلق من ركب العراق. ووقع الحرب ، وقتل من ركب الشّام خلق (٢).

[وفاة ابن المقدّم]

ثمّ أسر ابن المقدّم ، وجيء به إلى خيمة طاشتكين ، وخيطت جراحاته ، ثمّ مات بمنى ودفن بها (٣).

قلت : وقد كان من كبار الأمراء النّوريّة وولي نيابة دمشق للسّلطان صلاح الدّين وهو واقف المدرسة المقدّميّة.

[إحراق ضياع الكرك والشوبك]

وفيها كتب السّلطان صلاح الدّين إلى الأمصار يستدعي الأجناد إلى

__________________

(١) الكامل ١١ / ٥٦٠.

(٢) الكامل ١١ / ٥٥٩ ، دول الإسلام ٢ / ٩٣.

(٣) الكامل ١١ / ٥٦٠ ودفن بمقبرة المعلّى ، دول الإسلام ٢ / ٩٣.

١٧

الجهاد. وبرز في أوّل السّنة ، ونزل على أرض بصرى مرتقبا (١) مجيء الحاجّ ليخفرهم من الفرنج. وسار إلى الكرك والشّوبك ، فأحرق ضياعهما ، وأقام هناك شهرين.

[الإغارة على طبريّة]

واجتمعت الجيوش برأس الماء عند ولده الأفضل ، فجهّز بعثا فأغاروا على طبريّة.

[هزيمة الفرنج بصفّوريّة]

وقدم من الشّرق مظفّر الدّين صاحب إربل بالعساكر ، وقدم بدر الدّين ولدرم على عسكر حلب ، وقايماز النّجميّ على عسكر دمشق ، فساروا مدلجين حتّى صبّحوا صفّوريّة ، فخرجت الفرنج فنصر الله المسلمين ، وقتل من الفرنج خلق من الإسبتار ، وأسروا خلقا (٢).

[موقعة حطّين]

وأسرع السّلطان حتّى نزل بعشترا ، وعرض العساكر وأنفق فيهم ، وسار بهم وقد ملئوا الفضاء فنزل الأردنّ ، ونزل معظم العساكر. وسار إلى طبريّة فأخذها عنوة ، فتأهّبت الفرنج وحشدوا ، وجاءوا من كلّ فجّ وأقبلوا ، فرتّب عساكره في مقابلهم وصابحهم وبايتهم.

وكان المسلمون اثني عشر ألف فارس وخلق من الرجّالة. وقيل كان الفرنج ثمانين ألفا ما بين فارس وراجل. والتجئوا إلى جبل حطّين ، فأحاط المسلمون بهم من كلّ جانب ، فهرب القومّص لعنه الله ، ووقع القتال ، فكانت

__________________

(١) في الأصل : «مرتقب».

(٢) النوادر السلطانية ٧٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٥٢٩ ، ٥٣٠ ، تاريخ الزمان ٢٠٧ ، تاريخ مختصر الدول ٢٢٠ ، زبدة الحلب ٣ / ٩١ ، الفتح القسي ٥٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٧١ ، دول الإسلام ٢ / ٩٣ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٦ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٢٠ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٥ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٩٢ ، شفاء القلوب ١١٩ ، تاريخ ابن سباط ١٧٤ ، ١٧٥.

١٨

الدّائرة على الفرنج ، وأسر خلق منهم الملك كي ، وأخوه جفري ، وصاحب جبيل ، وهنفري بن هنفري ، والإبرنس أرناط صاحب الكرك ، وابن صاحب إسكندرونة ، وصاحب مرقيّة (١).

وما أحلى قول العماد الكاتب (٢) : «فمن شاهد القتلى يومئذ قال : ما هناك أسير ، ومن عاين الأسرى قال : ما هناك قتيل».

قلت : ولا عهد للإسلام بالشّام بمثل هذه الوقعة من زمن الصّحابة.

فقتل السّلطان صاحب الكرك بيده لأنّه تكلّم بما أغضب صلاح الدّين ، فتنمّر وقام إليه طيّر رأسه ، فأرعب الباقون.

وقال ابن شدّاد (٣) : بل كان السّلطان نذر أن يقتله لأنّه سار ليملك الحجاز ، وغدر وأخذ قفلا كبيرا ، وهو الّذي كان مقدّم الفرنج نوبة الرملة لمّا كبسوا صلاح الدّين وكسروه سنة ثلاث وسبعين.

وكان أرناط فارس الفرنج في زمانه ، وقد وقع في أسر الملك نور الدّين ، وحبسه مدّة بقلعة حلب. فلمّا مات نور الدّين وذهب ابنه إلى حلب وقصده صلاح الدّين غير مرّة ليأخذ حلب أطلق أرناط وجماعة من كبار الفرنج ليعينوه على صلاح الدّين.

ثمّ قيّد جميع الأسارى وحملوا إلى الحصون ، وأخذ السّلطان يومئذ منهم صليب الصّلبوت.

__________________

(١) انظر عن موقعة حطين في : الفتح القسّي في الفتح القدسي ٦١ ـ ٨٤ ، والنوادر السلطانية ٧٥ ـ ٧٩ ، والكامل في التاريخ ١١ / ٥٣٤ ـ ٥٨٣ ، وتاريخ الزمان ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ومرآة الزمان ٨ / ٣٩٢ ، ٣٩٣ ، وزبدة الحلب ٣ / ٩٢ ـ ٩٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ٧١ ، ٧٢ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٩٦ ، ومرآة الجنان ٣ / ٤٢٤ ، والبداية والنهاية ١٢ / ٣٢٠ ، ودول الإسلام ٢ / ٩٣ ، ٩٤ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ومشارع الأشواق لابن النحاس ٢ / ٨٣٧ ، ٩٣٤ ، ٩٣٥ ، والسلوك ج ١ ق ١ / ٩٣ ، وشفاء القلوب ١١٩ ـ ١٢١ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ١٧٦ ، ١٧٧.

(٢) في البرق الشامي.

(٣) في النوادر السلطانية.

١٩

وكانت وقعة حطّين هذه في نصف ربيع الآخر ، ولم ينج فيها من الفرنج إلّا القليل ، وهي من أعظم الفتح في الإسلام.

وقيل كان للفرنج أربعين ألفا.

وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فلله الحمد.

قال أبو المظفّر بن الجوزيّ (١) : خيّم السّلطان على ساحل البحيرة في اثني عشر ألفا من الفرسان سوى الرّجّالة ، وخرج الفرنج من عكّا ، فلم يدعوا بها محتلما. فنزلوا صفّوريّة ، وتقدّم السّلطان إلى طبريّة ، فنصب عليها المجانيق ، وافتتحها في ربيع الآخر ، وتقدّمت الفرنج فنزلوا لوبية من الغد ، وملك المسلمون عليهم الماء ، وكان يوما حارّا. والتهب الغور عليهم ، وأضرم مظفّر الدّين النّار في الزّروع ، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل ، فلمّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظّهر ، وصعدوا إلى تلّ حطّين والنّار تضرم حولهم ، وساق القومّص على حميّة وحرق ، وطلع إلى صفد (٢) ، وعملت السّيوف في الفرنج ، وانكسر (٣) من الملوك جماعة ، وجيء بصليب الصّلبوت إلى السّلطان ، وهو مرصّع بالجواهر واليواقيت في غلاف من ذهب. فأسر ملك الفرنج درباس الكرديّ ، وأسر إبرنس الكرك إبراهيم غلام المهرانيّ.

قال : واستدعاهم السّلطان ، فجلس الملك عن يمينه ، ويليه إبرنس الكرك ، فنظر السّلطان إلى الملك وهو يلهث عطشا ، فأمر له بماء وثلج ، فشرب وسقى البرنس ، فقال السّلطان : ما أذنت لك في سقيه. والتفت إلى البرنس فقال : يا ملعون يا غدّار ، حلفت ونكثت. وجعل يعدّد عليه غدراته. ثمّ قام إليه فضربه حلّ كتفه ، وتمّمه المماليك ، فطار عقل الملك ، فأمّنه السّلطان وقال : هذا كلب غدر غير مرّة.

__________________

(١) في مرآة الزمان ٨ / ٣٩٣.

(٢) في مرآة الزمان ٨ / ٣٩٣ «صفت».

(٣) هكذا في الأصل. ولعلّ الصحيح «وأسر».

٢٠