تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٧

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً)

ومن حوادث سنة إحدى وأربعين وستّمائة

[مكاتبة الصالح نجم الدين الخوارزمية]

فيها تردّدت الرّسل بين الصّالح إسماعيل وبين ابن أخيه الصّالح نجم الدّين ، فأطلق ابنه الملك المغيث من حبس قلعة دمشق (١) ، فركب المغيث وخطب للصّالح نجم الدّين بدمشق. ولم يبق إلّا أن يتوجّه المغيث إلى مصر ، ورضي صاحب مصر ببقاء دمشق على عمّه ومشي الحال ، فأفسد أمين الدّولة (٢) وزير إسماعيل القضيّة وقال لمخدومه : «هذا خاتم سليمان لا تخرجه من يدك تعدم الملك». فتوقّف ومنع الملك المغيث من الركوب. وشرع الفساد.

وكاتب الصّالح نجم الدّين الخوارزميّة فعبروا وانقسموا قسمين ، فجاءت طائفة على البقاع ، وجاءت طائفة على غوطة دمشق فنهبوا في القرى وسبوا وقتلوا.

وحصّن الصّالح إسماعيل دمشق وأغلقت ، فساروا إلى غزّة (٣).

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٢ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٣ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، شفاء القلوب ٣٧٥.

(٢) هو السامرّي.

(٣) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤١ ، أخبار الأيوبيين ١٥٤ ، ١٥٥ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، مفرّج الكروب ٥ / ٣٣١ ـ ٣٣٣ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٦ ، الدر المطلوب ٣٥٢ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٤ ، ١٨٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٢ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٦ (حوادث سنة ٦٤٢ ه‍).

٥

[دخول ابن الجوزي الإسكندرية]

قال شمس الدّين ابن الجوزيّ (١) : ودخلت تلك الأيّام إلى الإسكندريّة فوجدتها كما قال الله تعالى : (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٢) مغمورة بالعلماء والأولياء كالشّيخ محمد القبّاريّ (٣) ، والشّاطبيّ ، وابن أبي شامة (٤). ووعظت مرّتين (٥).

[محاصرة عجلون]

وفيها حاصر صاحب حمص عجلون ، وقتل من أصحابه يوم الزّحف نحو ثلاثمائة.

ويقال أنفق على الحصار أربعمائة ألف دينار ، ولم يقدر عليها فترحّل عنها (٦).

[زيادة نهر دمشق]

وجاءت بدمشق الزّيادة العظمى فوصلت إلى جامع العقيبة (٧).

__________________

(١) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤١ ، ٧٤٢.

(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٥٠.

(٣) تصحّف في المطبوع من مرآة الزمان ٧٤٢ إلى : «الساوي» ، وفي نسخة أخرى إلى : «الساري». انظر الحاشية رقم (١). والمثبت يتفق مع : المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٥ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٣٤٧.

(٤) في النجوم الزاهرة ٦ / ٣٤٧ «ابن أبي أسامة» ، والمثبت يتفق مع مرآة الزمان ، وعقد الجمان.

(٥) قال سبط ابن الجوزي في (المرآة) إنه جلس مجلسين فتاب فيها نحو من ألفين ، فلما عزم على العود إلى القاهرة قام بعض أفاضلها وأنشد أبياتا ، قال في آخرها :

فنحن ضيوف والقرا ثلاثة

وجودك يا مولى الأنام شفيعي

فكان البيت الأخير هو الباعث إلى أن عزّزت لهم بمجلس ثالث ...

والخبر في : المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٥.

(٦) دول الإسلام ٢ / ١٤٧.

(٧) دول الإسلام ٢ / ١٤٧.

٦

[استيلاء التتار على بلاد الروم]

وفيها استولت التّتار على بلاد الروم (١) صلحا مع صاحبها غياث الدّين (٢) بأن يحمل إليهم كلّ يوم ألف دينار ، وفرسا ، ومملوكا ، وجارية ، وكلب صيد (٣). وكان ذلك بعد وقعة كبيرة بين التّتار والمسلمين ، فانكسر المسلمون في المحرّم وقتل الحلبيّون ، وكانوا في المقدّمة ، فلم ينج منهم إلا القليل (٤).

وحاصرت التّتار قيصريّة ، واستباحوا سيواس. ثمّ افتتحوا قيصريّة واستباحوها (٥).

وكان صاحب الروم شابّا لعّابا ظالما ، قليل العقل ، يلعب بالكلاب والسّباع ، فعضّه سبع فمات (٦).

[إقامة شحنة للتتار]

وأقامت التتار شحنة بالرّوم (٧).

[هلاك القاضي الرفيع]

وفيها أهلك الرفيع قاضي (٨) دمشق وصودر أعوانه ، وولي القضاء محيي الدّين ابن الزّكيّ (٩).

__________________

(١) ذيل الروضتين ١٧٣.

(٢) هو كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان السلجوقي.

(٣) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٢ ، الدر المطلوب ٣٥٢ (حرفيا) ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٥ ، العبر ٥ / ١٦٧ ، مرآة الجنان ٤ / ١٠٤ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٣٤٧.

(٤) زبدة الحلب ٣ / ٣٦٧ ، ٣٦٩ ، ذيل الروضتين ١٧٣ ، تاريخ الزمان ٢٨٨ ، مفرّج الكروب ٥ / ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧١ ، ١٧٢ ، الدر المطلوب ٣٥٢ ، أخبار الأيوبيين ١٥٤ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٧ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٥٣ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٣ ، تاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) ٣٣٠٨.

(٥) أخبار الأيوبيين ١٥٤ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٧ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٣.

(٦) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٢ ، الدرّ المطلوب ٣٥٢ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٥ ، ١٨٦ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٢ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٤٣٧.

(٧) الدر المطلوب ٣٥٢ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٦.

(٨) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٠ قتل سنة ٧٤٢ ه‍ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٣ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٧.

(٩) ذيل الروضتين ١٧٤ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٤ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٦ و ١٩١.

٧

[حجّ العراقيين ووالدة المستعصم]

وفيها حجّ بالعراقيين الأمير مجاهد الدّين أيبك الدّويدار ومعه والدة المستعصم بالله ، وجرّد معها أربعمائة مملوك. وكان مع الدّويدار أربعمائة فارس ، ومع قيران مائتان وأربعون فارسا (١). وكان عدّة السّبلانات اثني عشر سبيلا (٢).

وحدّث المولى شمس الدّين محمد بن إبراهيم الجزريّ في «تاريخه» (٣) أنّه حجّ في هذا العام من بغداد ، وعدّت جمال الرّكب جميعها عند مدائن عائشة فكانوا (٤) زيادة على مائة وعشرين ألف جمل.

وكان مع الدّويدار ستّون (٥) ألف دينار ، وستّة آلاف خلعة ، الخلعة ثوب وزميطيّة وشبختانيّة (٦) ليفرّقها على العربان والمحاويج.

وعطشنا في الطّريق (٧).

[تسليم السلطان إسماعيل أماكن للفرنج]

قلت : وأعطى السّلطان إسماعيل الفرنج أماكن ، ودخلوا القدس وخرّبوا الصّخرة ، كسروا منها قطعتين ، ورموا عليها الخمر ، وذبحوا عندها خنزيرا ، فأعطاهم مزارات عدّة ، وطبريّة ، وعسقلان فعمروها (٨).

__________________

(١) في المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٦ «ومع قيران مائتي فارس» دون ذكر الأربعين.

(٢) هي سبل الماء التي تحمل على الظهور في قافلة الحج.

(٣) هو «حوادث الزمان وأنبائه» ، نشر قسم منه باسم : «المختار من تاريخ ابن الجزري» ، والخبر فيه ص ١٨٦ و ١٨٧.

(٤) هكذا في الأصل والمختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٦ ، والصواب لغويّا «فكانت».

(٥) في الأصل : «ستين».

(٦) في المختار من تاريخ ابن الجزري : «زميطة شبختانية».

(٧) وانظر عن قافلة الحج تفصيلات وافية في : العسجد المسبوك ٢ / ٥١٩ ـ ٥٢١.

(٨) مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٥.

٨

قال ابن واصل (١) : فمررت بالقدس فرأيت القسوس وقد جعلوا على الصّخرة قناني الخمر للقربان (٢).

قلت : وكان قد أعطاهم قبلها صفد ، والشّقيف ، فوا غوثاه ، ولا قوّة إلا بالله.

__________________

(١) في : مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٣.

(٢) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٣١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٣.

٩

سنة اثنتين وأربعين وستمائة

[انكسار الفرنج ومن معهم من الأيوبيين أمام الخوارزمية]

لمّا نزلت الخوارزميّة بأراضي غزّة كما تقدّم ، طال مقامهم ، وبعث إليهم الصّالح نجم الدّين النّفقة والخلع والخيل ، وأمدّهم بجيش من عنده ، وأمرهم أن ينازلوا دمشق ، فاتّفق الصّالح إسماعيل ، والنّاصر داود ، والمنصور إبراهيم صاحب حمص (١) ، وفرنج السّاحل الّذين أعطاهم إسماعيل الشّقيف وصفد وغير ذلك (٢). وعذّب إسماعيل والي الشّقيف لكونه تمنّع من تسليم الشّقيف ، وسار بنفسه إلى الشّقيف وسلّمها إلى الفرنج (٣).

قال الرّاوي (٤) : فخرج الملك المنصور بعسكر دمشق مع الفرنج ، وجهّز النّاصر داود عسكره من نابلس مع الظّهيريّ سنقر والوزيريّ (٥).

قال أبو المظفّر (٦) : وكنت يومئذ بالقدس ، فاجتمعوا على يافا ، وكان المصريّون والخوارزميّة على غزّة ، وسار الملك المنصور والعسكر تحت صلبان الفرنج وراياتهم والقسّيسون في الأطلاب يصلّبون ويقسّسون (٧) ، وبيدهم

__________________

(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٥.

(٢) دول الإسلام ٢ / ١٤٧ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٩ ، ١٩٠.

(٣) نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٥.

(٤) هو المؤرّخ شمس الدين ابن الجزري.

(٥) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٠ ، والخبر أيضا في : مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٦.

(٦) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٦.

(٧) في الأصل : (يقسقسون) ، والتصحيح من : مرآة الزمان ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٠.

١٠

كاسات الخمر يسقون الفرنج ، فأقبلت الخوارزميّة والمصريّون ، فكانت الوقعة بين عسقلان وغزّة ، وكانت الفرنج في الميمنة ، وعسكر النّاصر في الميسرة ، والملك المنصور في القلب ، وكان يوما مشهودا. التقوا فانهزمت الميسرة وأسر الظّهيريّ سنقر ، وانهزم الوزيريّ ، ونهبت خزانة الظّهيريّ. ثمّ انهزم الملك المنصور ، وأحاطت الخوارزميّة بالفرنج. وكان عسكر المصريّين قد انهزموا أيضا إلى قريب العريش (١). وكان عدد الفرنج يومئذ ألفا وخمسمائة فارس وعشرة آلاف راجل ، وما كانت إلّا ساعة حتّى حصدهم الخوارزميّون بالسّيوف وأسروا منهم ثمانمائة (٢).

قال أبو المظفّر (٣) : فذهبت ثاني يوم إلى موضع المصافّ فوجدتهم يعدّون القتلى فقالوا : هم زيادة على ثلاثين ألفا. وبعث الخوارزميّون بالأسارى وبالرءوس إلى مصر. ووصل المنصور في نفر يسير ونهبت خزائنه وخيله ، وقتل أصحابه ، وجعل يبكي ويقول : قد علمت إنّا لمّا سرنا تحت صلبان الفرنج أننا لا نفلح (٤).

ثمّ حضّ الملك الصّالح معين الدّين ابن الشّيخ في العساكر لحصار دمشق (٥) ، ودخلت الأسارى القاهرة وملئت الحبوس بهم (٦).

وخذل الصّالح إسماعيل وأخذ يتهيّأ للحصار ، وخرّب رباعا عظيمة حول البلد ، والله المستعان (٧).

__________________

(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٦.

(٢) انظر : مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٢ ، أخبار الأيوبيين ١٥٤ ، ١٥٥ ، الدر المطلوب ٣٥٣ ، العبر ٥ / ١٧١ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٧ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٨٩ ، ١٩٠ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٤ ، مرآة الجنان ٤ / ١٠٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٤ ، ١٦٥ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٥٨ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٦ ، ٣١٧ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٣١ ، تاريخ الأزمنة للدويهي ٢٢٢.

(٣) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٦ ، ٧٤٧.

(٤) نهاية الأرب ٢٩ / ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٠.

(٥) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٠ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩١.

(٦) حتى هنا في : مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٧ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٣١.

(٧) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٢ ، ١٧٣ ، أخبار الأيوبيين ١٥٥ ، تاريخ ابن سباط ١ / ٣٣٢ ،

١١

[تحرّك التتار]

وفيها ورد كتاب [بدر] (١) الدّين صاحب الموصل يقول فيه : إنّني قررت على أهل الشّام قطيعة في كلّ سنة عشرة دراهم على الغنيّ ، وعلى الوسط خمسة دراهم ، وعلى الفقير درهما (٢). وقرأ القاضي محيي الدّين ابن الزّكيّ الكتاب على النّاس وشرعوا في الجباية (٣).

قلت (٤) : أظنّ هذا مصالحة عنهم للتّتار ، فإنّ سعد الدّين ذكر في تاريخه أنّ في آخر سنة إحدى وأربعين وصل رسول قاءان إلى صاحب ميّافارقين يطلب الدّخول في طاعته ، وأن في المحرّم سنة اثنتين جهّز صاحب ميّافارقين رسل التّتار بهديّة عظيمة. وأنّ في أواخر المحرّم أخذت التّتار خلاط وعبروا إلى بدليس (٥) ، كانت مع الملك المظفّر ، إلى حصن كيفا. ثمّ أنفذ إلى ميّافارقين جهّز أمّه وزوجته وما خفّ معهما من جواهر ومصالح ، فطلعوا إلى حصن كيفا عند المعظّم ولد الملك الكامل. وطلب المظفّر ولده الملك السّعيد ، وكان شابّا مليحا ، شجاعا ، كريما فقال : تعود إلى ميّافارقين وتجمع النّاس والعسكر لقتال التّتار ، وأنا فأمضي إلى مصر أو إلى بغداد لجمع الجيوش واستنفار النّاس. فأبى وقال : ما أفارق خدمة السّلطان. فضربه ابن عمّه بسكّين قتله وقتلوه بعده في الحال.

ثمّ سار المظفّر وأنا معه إلى نصيبين ثمّ إلى ماكسين ، وأخذنا على بلاد الخابور. ثمّ سرنا إلى عانة ، ثم عدّينا إلى الجانب الغربيّ فوصلتنا إقامة الخليفة.

__________________

= دول الإسلام ٢ / ١٤٨.

(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من (مفرّج الكروب ٥ / ٣٤٩) ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٢.

(٢) في الأصل : «درهم».

(٣) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٢ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٤٥ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٥ و ٣٢٠.

(٤) القائل هو شمس الدين ابن الجزري ، وعنه ينقل المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ.

(٥) بدليس : بالفتح ثم السكون ، وكسر اللام ، وياء ساكنة وسين مهملة. بلدة من نواحي أرمينية قرب خلاط. (معجم البلدان ١ / ٣٥٨).

١٢

وجاء الخبر أنّ التّتار وصلوا إلى سنجار. وجاءنا رسول من بغداد معه جوشخاناه (١) وروايا وقرب برسم طريق مصر ، فعدنا إلى عانة. وجاءتنا الكتب برحيل التّتار عن البلاد لأنّ الطّبق وقع في حوافر خيلهم (٢) ، فجئنا إلى مشهد عليّ ، ثمّ سرنا إلى أن وصلنا حرّان ، ثمّ إلى ميّافارقين (٣).

[خروج الأعيان للقاء أم الخليفة]

وفيها ، في ثالث صفر ، خرج الأعيان إلى ملتقى أمّ الخليفة وقد رفعوا الغرز (٤) ، والمدرّسون والقضاة قد رفعوا الطّرحات وجعلوا عددهم حمرا.

وخرج ثاني يوم أستاذ دار الخلافة مؤيّد الدّين محمد بن العلقميّ بالقميص والبقيار والغرزة ، متقلّدا سيفا ووراءه ثلاثة أسياف ، وتوجّهوا إلى زريران (٥) ، فكان أحدهم يحضر إلى زعيم الحاجّ مجاهد الدّين الدّويدار فيسلّم ، وقد نصب هناك سرادق عظيم ، فيأتي أحدهم ويقبّل الأرض على باب السّرادق ، فيخرج الأمين كافور (٦) ويقول : قد عرف حضورك. فلمّا قرب ابن العلقميّ نزل ولبس بقيارا بلا غرزة ، وغيّر عدّة مركوبة فجعلها حمراء ، وقصد السّرادق ومعه زعيم الحاجّ ، ثمّ قبّل الأرض ، فخرج إليه كافور فتشكّر له.

ثمّ أحضرت شبّارة بمشرعة زريران فنزلت فيها والدة الخليفة (٧).

__________________

(١) كلمة مركبة من «جوش» و «خاناه». قال دوزي : جوش : من مصطلح البحرية ، ومعناها ربط الشاغول. (تكملة المعاجم العربية ٢ / ٣٤٨) و (الجريدة الآسيوية ، سنة ١٨٤١ ـ ج ١ / ٥٨٨).

(٢) في تاريخ مختصر الدول لابن العبري ٢٥٥ «.. وعاد عنها لحفي أصاب خيول المغول».

(٣) انظر : العسجد المسبوك ٢ / ٥٢٧ (باختصار شديد).

(٤) الغرز : ركاب الرحال ، وكذلك ما كان ماسكا للرجلين في المركب يسمّى غرزا. (تهذيب اللغة ٨ / ٤٥).

(٥) زريران : قرية بينها وبين بغداد سبعة فراسخ على جادة الحاج إذا أرادوا الكوفة من بغداد. (معجم البلدان ٣ / ١٤٠).

(٦) في (الحوادث الجامعة والتجارب النافعة) : «أمين الدين كافور الظاهري».

(٧) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٢ ، ١٩٣.

١٣

قال : وخلع على الدّويدار وأنعم عليه بخمسة عشر ألف دينار (١).

[ولاية العلقميّ الوزارة]

وفي ربيع الأوّل ولي وزارة العراق مؤيّد الدّين محمد بن العلقميّ بعد موت ابن النّاقد الوزير (٢).

[ولاية ابن الجوزي الأستاذ دارية]

ثمّ ولي الأستاذ داريّة الصّاحب محيي الدين يوسف بن الجوزيّ (٣).

[دخول التتار شهرزور]

وفي ذي الحجّة وقعت بطاقة ببغداد أنّ التتار ، خذلهم الله تعالى دخلوا شهرزور وهرب صاحبها فلك الدّين محمد بن سنقر إلى بعض القلاع (٤) ، وأنّهم قتلوا وفسقوا وبدّعوا. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

[محاصرة المصريين والخوارزمية دمشق]

وفي أواخر السنة شرعوا ، أعني المصريّين والخوارزميّة ، في حصار دمشق وعلى العساكر معين الدّين ابن الشّيخ (٥).

__________________

(١) الحوادث الجامعة ٩٦ ، ٩٧ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٣. وانظر عن التجهيزات لتلقي أم الخليفة في : العسجد المسبوك ٢ / ٥٢٤ ـ ٥٢٧.

(٢) ورد عنوان الخبر فقط في : الحوادث الجامعة ٩٨ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٣ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٤ ، العسجد المسبوك ٢ / ٥٢٨ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢٠.

(٣) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٣ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٤ ، العسجد المسبوك ٢ / ٥٢٨.

(٤) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٣ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢٠.

(٥) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٣ ، أخبار الأيوبيين ١٥٥ ، مفرّج الكروب ٥ / ٣٤١ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٤ ، شفاء القلوب ٣٧٦.

١٤

سنة ثلاث وأربعين وستمائة

[منازلة دمشق ومضايقتها]

قيل : في أوّلها وصل الصّاحب معين الدّين ابن شيخ الشّيوخ بالجيوش والخوارزميّة فنازل دمشق وضايقها ، وزحفوا على البلد من نواحيه ، فلمّا كان يوم ثامن المحرّم بعث الصّالح إسماعيل إلى معين الدّين سجّادة وإبريقا (١) وعكّازا وقال : اشتغالك بهذا أولى. فبعث إليه المعين بجنك (٢) وزمر وغلالة حريريّ وقال : ما بعثت به يصلح لي ، وهذا يصلح لك (٣).

ثمّ أصبح فزحف على دمشق ورموا النّيران في قصر حجّاج ، ورموا بالمجانيق ، وكان يوما عظيما. وبعث الصّالح النّفطيّة فأحرقوا جوسق (٤) العادل والعقيبة ، ونهبت بيوت النّاس ورموا على الطّرق (٥).

ودام الحصار في ربيع الأوّل ، فخرج الملك المنصور صاحب حمص من عند الصّالح فاجتمع ببركة خان مقدّم الخوارزميّة ثمّ عاد (٦).

__________________

(١) في الأصل : «إبريق» ، وهو غلط ، وكذلك في : المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٧.

(٢) الجنك : من آلات الطرب. وهي بكسر الجيم وسكون النون. (.rA.tciD.ppuS : yzoD (.

(٣) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٠ ، الدر المطلوب ٣٥٤ ، ٣٥٥ (حوادث سنة ٦٤١ ه‍) ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٧ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦ ، السلوك ج ١ ق ٢ / ٣١٩.

(٤) الجوسق : القصر ، أو الديوان.

(٥) ذيل الروضتين ١٧٥ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١١ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٨ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦.

(٦) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١١ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٨.

١٥

فلمّا طال الأمر فتحت دمشق في جمادى الأولى (١).

قال سعد الدّين الجوينيّ : كان أمين الدّولة في أيّام الحصار يشتغل بالطّلاسم والسّحر ، عمل خيلا من خشب ووجوهها مقلوبة إلى أذنابها ، ودفنها بظاهر البلد ، وعمل ثورا من عقاقير ، ووضعه على منارة الجامع ، ووضع فيه النّار ، فلم يغن شيئا.

قال ابن الجوزيّ (٢) : وبعث أمين الدّولة السّامريّ إلى ابن الشيخ يطلب منه شيئا من ملبوسه ، فبعث إليه بفرجيّة وعمامة ومنديل فلبسها ، وخرج إليه بعد العشاء ، وتحدّث معه ساعة ، ثمّ عاد إلى البلد. ثمّ خرج مرّة أخرى فوقف (٣) الحال ، وخرج الصّالح وصاحب حمص إلى بعلبكّ وسلّموا البلد ، ودخل من الغد معين الدّين ابن الشّيخ دمشق (٤).

وكان المغيث ابن الصّالح نجم الدّين قد مات بحبس القلعة ودفن عند جدّه بالكامليّة.

وكان معين الدّين حسن السّياسة ، فلم يمكّن الخوارزميّة من دخول البلد خوفا أن ينهبوها (٥).

ثمّ حضر الوزير السّامريّ تحت الحوطة إلى مصر (٦).

[محاصرة الخوارزمية دمشق]

وأمّا الخوارزميّة فلم يطّلعوا على الصّلح ، فرحلوا إلى داريّا ونهبوها ،

__________________

(١) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٢ ، ٧٥٣ ، أخبار الأيوبيين ١٥٥ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٨ ، شفاء القلوب ٣٧٦.

(٢) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣.

(٣) في المرآة : «فوفق» ، وفي نهاية الأرب ٢٩ / ٣١١ «فوقع الاتفاق» ، وفي البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦ «فاتفق الحال».

(٤) إلى هنا في المرآة ٧٥٣ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١١.

(٥) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٤ ، أخبار الأيوبيين ١٥٥.

(٦) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣ ، أخبار الأيوبيين ١٥٦ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦.

١٦

وغضبوا على ابن الشّيخ ورحلوا عن دمشق ، وراسلوا الصّالح إسماعيل في أن يكون معهم ، وانتقض الصّلح ، وعادت الخوارزميّة تحاصر البلد وبه معين الدّين ابن الشّيخ. وجاءهم إسماعيل من بعلبكّ بعد موت ابن الشّيخ وضيّقوا على دمشق (١). وقلّت بها الأقوات وأكلوا الجيف ، وبلغت الغرارة القمح ألفا (٢) وستّمائة درهم (٣) ، وأبيعت الأملاك والأمتعة بالهوان ، وبلغ الخبز كلّ وقيتين (٤) إلّا ربع بدرهم ، واللّحم رطل بتسعة (٥) دراهم. وهلك النّاس وماتوا جوعا على الطّرق ، وأنتنت الدّنيا بهم ، ووقع المرض والوباء المفرط. وآل الأمر بأن عجزوا عن دفن أكثر النّاس ، فكانوا يحفرون لهم حفائر ويرمون الموتى بها بلا غسل ولا كفن. هذا ، والخمور دائرة ، والفسق ظاهر ، والمكوس بحالها (٦).

فلمّا علم الصّالح نجم الدّين بانقلاب الدّست راسل الملك المنصور يفسده ويستميله فأجابه (٧).

__________________

(١) المختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٤ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ١٧٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦ ، ١٦٧.

(٢) في الأصل : «ألف» ، وكذا في : مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣ ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٨ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٦٧ ، والمثبت يتفق مع النجوم الزاهرة ٦ / ٣٤٨.

(٣) في الحوادث الجامعة ١٠٠ «وبلغت الغرارة الحنطة مائة درهم» ، وفي نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٥ «وبلغ سعر القمح ـ عن كل غرارة ـ ألف درهم وثمانمائة درهم ناصرية». والمثبت يتفق مع (مفرّج الكروب ٥ / ٣٥٣) ودول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، والعبر ٥ / ١٧٤ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٠٦ ، وفي السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢٢ «بلغت الغرارة القمح إلى ألف وثمانمائة درهم فضة».

(٤) في السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢٢ «كل أوقية».

(٥) في البداية والنهاية ١٣ / ١٦٧ «بسبعة» ، وكذلك في السلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢٢.

(٦) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣ ، ٧٥٤ ، وانظر : مفرّج الكروب ٥ / ٣٥٣ ، وذيل الروضتين ١٧٥ ، وأخبار الأيوبيين ١٥٥ ، والمختصر في أخبار البشر ٣ / ١٧٤ ، والدر المطلوب ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ودول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، ١٤٩ ، والعبر ٥ / ١٧٣ ، ١٧٤ ، والمختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٧ ـ ١٩٩ ، وتاريخ ابن الوردي ٢ / ٢٥٠ ، ومرآة الجنان ٤ / ١٠٥ ، ١٠٦ ، والبداية والنهاية ١٣ / ١٦٦ ـ ١٦٨ ، ومآثر الإنافة ٢ / ٩٥ ، وتاريخ ابن خلدون ٥ / ٣٥٨ ، والسلوك ج ١ ق ٢ / ٣٢١ ، ٣٢٢ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٣٥٢ ، وتاريخ ابن سباط ١ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، وتاريخ الأزمنة ٢٢٣ ، وشذرات الذهب ٥ / ٢١٦.

(٧) الحوادث الجامعة ١٠٠ ، ١٠١ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢ ، دول الإسلام ٢ / ١٤٨ ، المختار من

١٧

[وفاة معين الدين ابن شيخ الشيوخ]

وتوفّي في وسط الأمر معين الدّين ابن شيخ الشيوخ في رمضان. وكان قد نزل بدار سامة (١). ودخل الشّهاب رشيد فتسلّم القلعة (٢). وولّى معين الدّين القضاء صدر الدّين ابن سنيّ الدّولة ، والولاية جمال الدّين هارون (٣).

[وفاة سيف الدين ابن قليج]

ووصل سيف الدين بن قليج من عجلون منفصلا عن النّاصر ، وأوصى بعجلون وبأمواله للصالح نجم الدّين ، ونزل بدار فلوس فمات (٤).

[رواية أبي شامة عن حصار دمشق]

وقال شهاب الدّين أبو شامة (٥) : في أوّلها اجتمع على دمشق عسكر عظيم من المصريّين والخوارزميّة وغيرهم. وأحرق قصر حجّاج والشّاغور وجامع جرّاح ونصبت المجانيق ورمي بها من باب الجابية وباب الصّغير. ورمي المجانيق أيضا من داخل البلد. وترامى الفريقان ، وأمر بتخريب عمارة العقبة (٦) وأحرق حكر (٧) السّمّاق وغير ذلك ، واشتدّ الغلاء وعظم البلاء حتّى أبيع التّبن كلّ أوقية بقرطاس. ثمّ أحرقت العقيبة.

[رواية سبط ابن الجوزي]

قال أبو المظفّر بن الجوزيّ (٨) : فحكي أنّ رجلا كان له عشر بنات أبكار ،

__________________

= تاريخ ابن الجزري ١٩٩.

(١) يرد في المصادر : «سامة» و «أسامة».

(٢) أخبار الأيوبيين ١٥٦ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢.

(٣) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣ و ٧٥٤ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢.

(٤) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٣ ، نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢.

(٥) في ذيل الروضتين ١٧٥.

(٦) هكذا في الأصل. وفي ذيل الروضتين : «حارة العقيبة».

(٧) في الأصل : «جكر» ، والتصحيح من ذيل الروضتين ١٧٥.

(٨) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٢.

١٨

فقال لهنّ : أخرجن. يعني لمّا احترقت العقيبة ، فقلن : والله لا نخرج ، الحريق أهون من الفضيحة. فاحترقن في الدّار.

قلت : هذه حكاية منكرة ، وابن الجوزيّ حاطب ليل وصاحب غرائب.

[رواية ابن حمّويه]

وقال سعد الدّين ابن حمّويه في ذكر انتقاله من خدمة صاحب ميّافارقين :

ثمّ خرجنا من حماة في أوّل ربيع الأوّل مع رسل حماة ، ومعهم مائتا فارس لخوف الطّريق ، فنزلنا سلمية وسرنا فيها ، والخوارزميّة على الطّرقات يأخذون من كلّ أحد شيئا.

إلى أن قال : ونزلت عند ابن عمّي معين الدّين بالقرب من المصلّى ، فخلع عليّ. ورأيت دمشق وقد قطع العسكر أكثر أشجارها ، ونضبت أنهارها ، وخربت أكثر ديارها. وكان الصّالح إسماعيل قد خرب أرباضها وأحرقها ، وخرّب عسكر مصر بقيّة العمارة الّتي تليهم بحيث ما بقي بظاهر البلد عمارة تسكن. وكان عليها المجانيق منصوبة من باب الجابية إلى باب النّصر.

وفي ربيع الأوّل قفر إلينا ابن صاحب صرخد ، فأعطاه ابن عمّي ألف دينار وخلعة وفرس ، وكان في أكثر الأيّام يفرّق خمسمائة خلعة وخمسة آلاف دينار على المقفرين.

[رواية أبي شامة]

قال أبو شامة (١) : وفي ثامن جمادى الأولى زال الحصار وترحّل عن البلد سلطانه الملك الصّالح عماد الدّين ورفيقه صاحب حمص إلى بعلبكّ وحمص ، ودخل من الغد [نائب] (٢) صاحب مصر معين الدّين حسن (٣) ابن شيخ الشّيوخ

__________________

(١) في ذيل الروضتين ١٧٦.

(٢) إضافة على الأصل من : ذيل الروضتين.

(٣) في ذيل الروضتين : «حسين».

١٩

صدر الدّين فنزل في دار سامة (١) ، وهي الدّار المعظّميّة النّاصريّة.

وعزل محيي الدّين ابن الزّكيّ عن القضاء وولّى ابن سنيّ الدّولة (٢).

[وصول الست خاتون إلى خلاط]

وفيها وصلت إلى خلاط السّتّ خاتون الكرجيّة ابنة ملك الكرج (٣) إيواني ومعها منشور من ملك التّتار خاقان بخلاط وأعمالها إطلاقا. فراسلت الملك شهاب الدّين غازي ابن العادل تقول : أنا كنت زوجة أخيك الملك الأشرف ، فإن تزوّجت بي فالبلاد لك. فما أجابها (٤).

وكان جلال الدّين خوارزم شاه قد أخذها لمّا تملّك خلاط فغاب خبرها هذه المدّة. وكانت قبل الأشرف عند الملك الأوحد أخيه (٥).

[خوف الملك المعظّم من أبيه]

وفيها بعث الملك الصّالح صاحب مصر الأمير حسام الدّين بهرام ليحضر ولده الملك المعظّم توران شاه من حصن كيفا. فبعث إليه (٦) الملك المظفّر شهاب الدّين غازي الخيل والمماليك ، وكذلك فعل صاحب ماردين. فخاف المعظّم ولم يجب أباه (٧).

قال أبو المظفّر (٨) : فحكى لي الأمير حسام الدّين بن أبي عليّ أنّ الصّالح كان يكره مجيء ابنه إليه ، وكنّا إذا قلنا له : أرسل أحضره يغضب ويقبض (٩) يده ويقول : أجيبه (١٠) أقتله وكان القضاء موكّلا بالمنطق.

__________________

(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢ «أسامة».

(٢) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٢ ، البداية والنهاية ١٣ / ١٦٦.

(٣) انظر عنها في : تاريخ مختصر الدول لابن العبري ٢٥٥.

(٤) نهاية الأرب ٢٩ / ٣١٧ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٩.

(٥) مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٤ ، المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٩.

(٦) في الأصل : «إليها».

(٧) المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٩ ، مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٤.

(٨) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٥.

(٩) في المرآة : «ينفض».

(١٠) هكذا ، وهو لفظ عامّيّ ، معنا : أجيء به.

٢٠