تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

وقال أبو معشر : كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربعمائة وخمسون رجلا (١).

وقال الواقدي : كانت سنة اثنتي عشرة ، وكذلك قال أبو نعيم ، ومعن ابن عيسى ، ومحمد بن سعد كاتب الواقديّ وغيرهم.

قلت : ولعلّ مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع ، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة ، فإنّها بقيت أياما لمكان الحصار. وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أوّل سنة اثنتي عشرة إن شاء الله.

__________________

(١) تاريخ خليفة ـ ص ١١١.

٤١
٤٢

المتوفّون هذه السّنة

وفاة فاطمة رضي‌الله‌عنها

وهي سيّدة نساء هذه الأمّة

كنيتها فيما بلغنا أمّ أبيها (١) ، دخل بها عليّ بعد وقعة بدر ، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر.

روى عنها : ابنها الحسين ، وعائشة ، وأمّ سلمة ، وأنس ، وغيرهم.

وقد ذكرنا أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرّ إليها في مرضه.

وقالت لأنس : كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟. ولها مناقب مشهورة ولقد جمعها أبو عبد الله الحاكم (٢). وكانت أصغر من زينب ، ورقيّة ، وانقطع نسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا منها ، لأنّ أمامة

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لابن المغازلي ـ ص ٢١٣ رقم ٣٩٢ من طريق كثير بن يزيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وذيل المذيّل للطبري ٤٩٩.

(٢) في المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥١ وما بعدها.

٤٣

بنت بنته زينب تزوّجت بعليّ ، ثمّ بعده بالمغيرة بن نوفل ، وجاءها منهما أولاد.

قال الزّبير بن بكّار (١) : انقرض عقب زينب.

وصحّ عن المسور أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّما فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» (٢).

وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) فجلّلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكساء وقال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي» (٤). وأخرج التّرمذيّ (٥) ، من حديث عائشة أنّها قيل لها : أيّ النّاس كان أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : فاطمة من قبل النّساء ، ومن الرجال زوجها ، وإن كان ما علمت قوّاما.

__________________

(١) نسب قريش ـ ص ٢٢.

(٢) أخرجه البخاري في النكاح ٦ / ١٥٨ باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغير والإنصاف ، وأبو داود في النكاح ٢ / ٢٢٦ رقم ٢٠٧١ باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء ، والترمذي في المناقب ٥ / ٣٥٩ رقم ٣٩٥٩ باب ما جاء في فضل فاطمة رضي‌الله‌عنها ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٢٨ ، وانظر مناقب علي لابن المغازلي ٢٣٥ و ٢٣٦ رقم ٤٢٨ و ٤٢٩.

(٣) سورة الأحزاب ـ الآية ٣٣.

(٤) رواه الترمذي في المناقب ٥ / ٣٦١ رقم ٣٩٦٣ باب ما جاء في فضل فاطمة رضي‌الله‌عنها ، من طريق سفيان ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أمّ سلمة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلّل على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة كساء ثم قال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله! قال : «إنّك على خير».

وهو حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب.

(٥) في المناقب ٥ / ٣٦٢ رقم (٣٩٦٥) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي‌الله‌عنها ، رواه عن حسين بن يزيد الكوفي ، عن عبد السلام بن حرب ، عن أبي الجحّاف ، عن جميع بن عمير التيميّ قال : دخلت مع عمّتي على عائشة فسئلت : أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال ، قالت : زوجها ، إن كان ما علمت صوّاما قوّاما».

هذا حديث حسن غريب.

٤٤

وفي التّرمذيّ (١) ، عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعليّ وفاطمة وابنيهما : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».

وقد أخبرها أبوها أنّها سيّدة نساء هذه الأمّة في مرضه كما تقدّم.

وخلّفت من الأولاد : الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأمّ كلثوم. فأمّا زينب فتزوّجها عبد الله بن جعفر ، فتوفّيت عنده وولدت له عونا وعليّا. وأمّا أمّ كلثوم فتزوّجها عمر ، فولدت له زيدا ، ثمّ تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات ، ثمّ تزوّجها أخوه محمد بن جعفر ، فولدت له بنته ، ثم تزوّج بها أخوه (٢) عبد الله بن جعفر ، فماتت عنده. قاله الزّهريّ.

وقال الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي البختريّ قال : قال عليّ لأمّه : اكفي فاطمة الخدمة خارجا ، وتكفيك العمل في البيت : العجن والخبز والطّحن.

أبو العبّاس السّرّاج : ثنا محمد بن الصبّاح ، ثنا عليّ بن هاشم ، عن كثير النّواء ، عن ، عمران بن حصين ، أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها : «كيف تجدينك»؟ قالت : إنّي وجعة وإنّه ليزيدني أنّي ما لي طعام آكله ، قال : «يا بنيّة أما ترضين أن تكوني سيّدة العالمين» ، قالت : فأين مريم؟ قال : «تلك سيّدة نساء عالمها ، وأنت سيّدة نساء عالمك ، أما والله لقد زوّجتك سيّدا في الدنيا والآخرة». هذا حديث ضعيف (٣) ، وأيضا فقد سقط بين كثير وعمران رجل.

__________________

(١) في المناقب ٥ / ٣٦٠ رقم (٣٩٦٢) ولفظه : «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم» وقال : هذا حديث غريب إنّما نعرفه من هذا الوجه.

(٢) في (ع) ومنتقى أحمد الثالث : أخوهما.

(٣) الحديث ضعيف كما قال الحافظ ، ولكن يقوّيه ما في صحيح البخاري ٤ / ١٨٣ في المناقب ، من حديث السيدة عائشة ، قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة. ونساء المؤمنين ...».

٤٥

وقال علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ، وآسية». رواه أبو داود (١).

وقال أبو جعفر الرازيّ (٢) عن ثابت ، عن أنس مثله مرفوعا ولفظه : (خير نساء العالمين أربع) (٣)

وقال معمر عن قتادة ، عن أنس رفعه : (حسبك من نساء العالمين أربع (٤))

وذكرهنّ. ويروى نحوه من حديث أبي هريرة وغيره.

وقال ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها ورحّب بها كما كانت هي تصنع به ، وقد شبّهت عائشة مشيتها بمشية النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك ، فقال : سمعت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما تركنا صدقة» (٦).

__________________

(١) ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٠ وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٤ / ٣٧٦.

(٢) هكذا في النسخ ، وفي نسخة دار الكتب «البخاري».

(٣) رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٤ وقال : تفرّد مسلم بإخراج حديث أبي موسى ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٤ / ٣٧٧.

(٤) رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٨ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حسبك من نساء العالمين يسوي بين نساء الدنيا».

(٥) رواه أبو داود في الأدب ٤ / ٣٥٥ رقم (٥٢١٧) باب ما جاء في القيام ، والترمذي في المناقب ٥ / ٣٦١ ، ٣٦٢ رقم (٣٩٦٤) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي‌الله‌عنها ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٤ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أيضا في ج ٣ / ١٦٠ ، وابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٦ ، ٢٧.

(٦) مرّ تخريج هذا الحديث في الصفحة ٢١ ، وانظر طبقات ابن سعد ٨ / ٢٨.

٤٦

وقال أبو حمزة السّكري ، عن ابن أبي خالد ، عن الشّعبيّ قال : لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر فاستأذن ، فقال عليّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له؟ قال : نعم ، فأذنت له ، فدخل عليها يترضّاها وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلّا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت ، ثم ترضّاها حتى رضيت.

وقال الزهري عن عروة ، عن عائشة ، إنّ فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستّة أشهر ، ودفنت ليلا (١).

وقال الواقديّ (٢) : هذا أثبت الأقاويل عندنا. وقال : وصلّى عليها العبّاس ، ونزل في حفرتها هو وعليّ ، والفضل بن العبّاس (٣).

وقال سعيد بن عفير : ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان ، وهي بنت سبع وعشرين سنة (٤) أو نحوها ، ودفنت ليلا.

وقال يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال : مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستّة أشهر وهي تذوب (٥).

وقال أبو جعفر الباقر : ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر (٦).

وروي عن الزّهري أنّها توفيت بعده بثلاثة أشهر (٧).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ٢٨ و ٢٩.

(٢) ابن سعد ٨ / ٢٨ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٢ ، والطبري في الذيل ٤٩٨.

(٣) ابن سعد ٨ / ٢٩.

(٤) وقيل : وهي ابنة تسع وعشرين. (المستدرك ٣ / ١٦٢) وابن سعد ٨ / ٢٨ ، وذيل المذيّل للطبري ٤٩٨.

(٥) من الحزن.

(٦) الحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٢.

(٧) ابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٨ ، وذيل المذيّل للطبري ٤٩٨.

٤٧

وروي عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب (١).

قلت : والصحيح أنّ سنّها أربع وعشرون سنة رضي‌الله‌عنها.

وقد روي عن أبي جعفر محمد بن عليّ أنّها توفّيت بنت ثمان وعشرين سنة ، كان مولدها وقريش تبني الكعبة ، وغسّلها عليّ.

قال قتيبة : نا محمد بن موسى ، عن عون بن محمد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أمّه أمّ جعفر ، وعن عمارة بن مهاجر ، عن أمّ جعفر ، أنّ فاطمة قالت لأسماء بنت عميس : إني أستقبح ما يصنع بالنّساء : يطرح على المرأة الثّوب فيصفها ، فقالت : يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثمّ طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسّليني أنت وعليّ ، ولا يدخلنّ عليّ أحد. فلمّا توفّيت جاءت عائشة (٢) تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر ، فجاء فوقف على الباب فكلّم أسماء فقالت : هي أمرتني ، قال : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف.

قال ابن عبد البرّ (٣) : فهي أوّل من غطّى نعشها في الإسلام على تلك الصّفة.

وفاة أم أيمن

مولاة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحاضنته

ورثها من أبيه ، واسمها بركة ، من كبار المهاجرات ، وقد زارها أبو بكر وعمر بعد موت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبكت ، فقال لها أبو بكر : أتبكين! ما عند الله

__________________

(١) رواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٣.

(٢) «عائشة» ساقطة من منتقى أحمد الثالث.

(٣) في الاستيعاب ٤ / ٣٧٨ ، ٣٧٩.

٤٨

خير لرسوله. فقالت : ما أبكي لذلك ، ولكن أبكي لأنّ الوحي انقطع عنّا من السماء ، فهيّجتهما ، على البكاء (١).

توفّيت بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمسة أشهر (٢). وهي أمّ أسامة بن زيد.

ومن مناقب أمّ أيمن ، قال جرير بن حازم : سمعت عثمان بن القاسم يقول : لما هاجرت أمّ أيمن أمست بدون الرّوحاء (٣) فعطشت وليس معها ماء ، فدلّي عليها من السّماء دلو فشربت ، فكانت تقول : ما عطشت بعدها ، عطشت ولقد تعرّضت للعطش فأصوم في الهواجر فما عطشت (٤).

وعن أبي الحويرث أنّ أمّ أيمن قالت يوم حنين : «سبّت» الله أقدامكم ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اسكتي يا أمّ أيمن فإنّك عثراء اللّسان» (٥).

وذكر الواقديّ أنّها بقيت إلى أوّل خلافة عثمان (٦).

(وفاة عبد الله بن أبي بكر الصّدّيق) قيل : إنّه أسلم قديما ، لكن لم يسمع له بمشهد ، جرح يوم الطّائف ، رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثّقفيّ ، فلم يزل يتألّم منه ، ثمّ اندمل الجرح ، ثمّ إنّه انتقض عليه. وتوفّي في شوّال سنة إحدى عشرة ، ونزل في حفرته عمر ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره (٧). وقيل هو

__________________

(١) رواه مسلم في فضائل الصحابة (٢٤٥٤) باب من فضائل أم أيمن رضي‌الله‌عنهما ، وابن ماجة في الجنائز ١ / ٥٢٤ رقم ١٦٣٥ ، وابن سعد في الطبقات ٨ / ٢٢٦ ، وابن الأثير في أسد الغابة ٥ / ٥٦٧ ، وأبو نعيم في الحلية ٢ / ٦٨.

(٢) أسد الغابة ٥ / ٥٦٨.

(٣) الرّوحاء : بين المدينة ومكة ، من عمل الفرع. (معجم البلدان ٣ / ٧٦).

(٤) حلية الأولياء ٢ / ٦٧.

(٥) طبقات ابن سعد ٨ / ٢٢٥ وفيه «عسراء اللّسان».

(٦) طبقات ابن سعد ٨ / ٢٢٩ وكذا قال مصعب بن عبد الله. انظر المستدرك للحاكم ٤ / ٦٤.

(٧) تاريخ الرسل والملوك ٣ / ٢٤١ ، وتاريخ خليفة ـ ص ١١٧ وانظر عنه : نسب قريش ـ ص ٢٧٧ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ١ / ٢٦١ ، وثمار القلوب للثعالبي ٨٨ و ٢٩٤ ، والمعرفة

٤٩

الّذي كان يأتي بالطّعام وبأخبار قريش الى الغار تلك اللّيالي الثلاث.

(عكّاشة (١) بن محصن الاسديّ) أبو محصن ، من السّابقين الأوّلين ، دعا له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنّة في حديث «سبقك بها عكاشة» وهو أيضا بدريّ أحديّ ، استعمله النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سريّة الغمر (٢) فلم يلقوا كيدا.

ويروى عن أمّ قيس بنت محصن قالت : توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة. وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة (٣) في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة ، وكان من أجمل الرجال.

__________________

= والتاريخ للفسوي ٢ / ١١٧ ، والمعارف لابن قتيبة ١٧٢ ، ١٧٣ ، والاستيعاب لابن عبد البرّ ٣ / ٨٧٤ ، ٨٧٥ رقم ١٤٨٤ ، والتاريخ الكبير للبخاريّ ٥ / ٢ رقم ٢ ، وأسد الغابة لابن الأثير ٣ / ١٩٩ ، وتهذيب الأسماء للنووي ق ١ ج ١ / ٢٦٢ رقم ٢٨٩ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٦ / ٣٣٨ ، والوافي بالوفيات للصفدي ١٧ / ٨٥ رقم ٧٢ ، والإصابة لابن حجر ٢ / ٢٨٣ ، ٢٨٤ رقم ٤٥٢٨ ، وعيون التواريخ للكتبي ١ / ٤٩٧.

(١) عكّاشة : بضمّ العين وتخفيف الكاف ، وقيل بتشديدها. انظر عنه : طبقات ابن سعد ٣ / ٩٢ ، وطبقات خليفة ٣٥ ، وتاريخ خليفة ١٠٢ ، ١٠٣ ، والتاريخ الكبير ٧ / ٨٦ ، والتاريخ الصغير ١ / ٣٤ ، والمعارف ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، والمحبّر ٨٦ و ٨٧ و ١٢٢ ، وأنساب الأشراف ١ / ٣٠١ و ٣٠٨ و ٣٧٢ و ٣٧٦ ، والجرح والتعديل ٧ / ٣٩ ، رقم ٢١٠ ومشاهير علماء الأمصار ١٦ رقم ٥٠ ، وربيع الأبرار ٤ / ٢٠٢ ، وفتوح البلدان ١ / ١١٤ ، ١١٥ ، وحلية الأولياء ٢ / ١٢ ، ١٣ رقم ١٠٢ ، والاستيعاب ٨ / ١١٢ ، وأسد الغابة ٤ / ٦٧ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٣٨ ، والعبر ١ / ١٣ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٠٧ ، ٣٠٨ رقم ٦٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٣٠٤ ، والعقد الثمين ٦ / ١١٦ ، ١١٧ ، والإصابة ٧ / ٣٢ ، وشذرات الذهب ١ / ٣٦ ، والبدء والتاريخ ٥ / ١٠٤.

(٢) كذا في الأصل ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٠٧ وفي أنساب الأشراف ١ / ٣٧٦ «غمر مرزوق : على ليلتين من فيد». وفي معجم البلدان ٤ / ٢١٢ «الغمرة» ، وكذا في سيرة ابن هشام ٢ / ٦١٢ قال ياقوت : وهو منهل من مناهل طريق مكة ، ومنزل من منازلها. وهو فصل ما بين تهامة ونجد. وقال ابن الفقيه : غمرة من أعمال المدينة ، على طريق نجد ، أغزاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عكاشة بن محصن ، في أربعين رجلا فذهبوا إلى الغمر ، فعلم القوم بمجيئه فهربوا ، ونزل على مياههم وأرسل عيونه ، فعرفوا مكان ماشيتهم فغزاها ، فوجد مائتي بعير ، فساقها إلى المدينة.

(٣) قال الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٢٨ : وبزاخة : ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصّدّيق مع طليحة بن خويلد الأسدي.

٥٠

كذا روي أنّ بزاخة سنة اثنتي عشرة ، والصّحيح أنّها سنة إحدى عشرة. قتله طليحة الأسديّ (١). وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاء حسنا ، وانكسر في يده سيف ، فأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرجونا أو عودا فعاد سيفا ، فقاتل به ، ثمّ شهد به المشاهد (٢).

روى عنه أبو هريرة (٣) وابن عبّاس.

(ثابت (٤) بن أقرم (٥)) بن ثعلبة بن عديّ بن عجلان ، وبنو العجلان حلفاء بني زيد (٦) بن مالك (٧) بن عوف. شهد بدرا والمشاهد ، سيّره خالد بن الوليد مع عكاشة طليعة على فرسين ، فقتلهما طليحة وأخوه. وذكر

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ٣ / ٩٢ ، ٩٣ عن الواقدي : «وأقبل خالد بن الوليد ومعه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطيّ ، فعظم ذلك على المسلمين ، ثم لم يسيروا إلّا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا ، فثقل القوم على المطيّ ، كما وصف واصفهم ، حتى ما تكاد المطيّ ترفع أخفافها». «فوقفنا عليهما حتى طلع خالد يسيرا فأمرنا فحفرنا لهما ودفنّاهما بدمائهما وثيابهما ، ولقد وجدنا بعكاشة جراحات منكرة».

(٢) رواه ابن هشام في السيرة ١ / ٦٣٧ ، بدون سند. وابن كثير في السيرة ٢ / ٤٤٧ وقال : روى البيهقي ، عن الحاكم ، من طريق محمد بن عمر الواقدي ، حدّثني عمر بن عثمان الخشنيّ ، عن أبيه ، عن عمّته ، قال عكاشة : «انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عودا فإذا هو سيف أبيض طويل ، فقاتلت به حتى هزم الله المشركين ، ولم يزل عنده حتى هلك».

والخبر ضعيف لضعف الواقدي.

(٣) في المنتقى ، نسخة أحمد الثالث «الزهري» بدل «أبو هريرة» وهو وهم.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٤٦٦ ، ٤٦٧ ، والجرح والتعديل ٢ / ٤٤٨ رقم ١٨٠٣ ، والمعرفة والتاريخ ٣ / ٢٥٧ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٣ / ٣٦٥ ـ ٣٦٧ ، وفتوح البلدان ١ / ١١٤ ، ١١٥ ، وتاريخ خليفة ١٠٢ ، ١٠٣ ، وتهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ١ / ١٣٩ ، وعيون التواريخ ١ / ٤٩٥ ، وجمهرة أنساب العرب ٤٤٣ ، وتاريخ الطبري ٢ / ٦٤٠ و ٣ / ٤٠ و ٢٥٤ ، والاستيعاب ١ / ٧٤ ، وأسد الغابة ١ / ٢٢٠ ، والوافي بالوفيات ١٠ / ٤٥٣ رقم ٤٩٤٠ ، والإصابة ١ / ١٩٠ رقم ٨٧٢.

(٥) في المنتقى لابن الملّا ، والسيرة الحلبية ، وتهذيب الأسماء ١ / ١٣٩ رقم ٩١ «أرقم بدل «أقرم» وهو تحريف.

(٦) في نسخة دار الكتب «يزيد» وهو وهم.

(٧) كذا في الأصل. وفي الأنساب ، وعجالة المبتدي ، ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب :

«زيد بن غنم بن سالم بن عوف».

٥١

الواقديّ أنّ قتلهما كان يوم بزاخة سنة اثنتي عشرة ، كذا قال (١). وكان ثابت من سادة الأنصار.

(الوليد بن عمارة بن الوليد (٢) بن المغيرة المخزوميّ) أخو أبي عبيدة ، قتلا بالبطاح (٣) مع عمّهما خالد في سنة إحدى عشرة ، وأبوهما هو الّذي سار مع عمرو بن العاص إلى النّجاشيّ ، وقصّته مشهورة. تأخّرت وفاته (٤).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٤٦٧.

(٢) الاستيعاب ٣ / ٦٣٧ ، وأسد الغابة ٥ / ٩٢ ، والإصابة ٣ / ٦٣٨ ، ٦٣٩ رقم ٩١٤٨ ، نسب قريش. ٣٣.

(٣) البطاح : بضم الباء. ماء في ديار بني أسد.

(٤) كتب في حاشية الأصل هنا : «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه ، فسح الله في مدّته ، في الميعاد الثالث عشر ، ولله الحمد».

٥٢

سنة اثنتي عشرة

في أوائلها ـ على الأشهر ـ وقعة اليمامة ، وأمير المسلمين خالد بن الوليد ، ورأس الكفر مسيلمة الكذاب ، فقتله الله. واستشهد خلق من الصّحابة.

(أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة (١)) بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ. قيل اسمه مهشم (٢) ، أسلم قبل دخول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم دار الأرقم ، وشهد بدرا وما بعدها ، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة (٣) ، فولد له بها محمد بن أبي حذيفة ـ الّذي حرّض المصريّين على قتال عثمان ـ من سهلة بنت سهيل بن عمرو.

وعن أبي الزّناد قال : دعا أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر أباه إلى البراز ، فقالت أخته هند بنت عتبة ، وهي والدة معاوية :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٨٤ ، ٨٥ ، تاريخ خليفة ١١١ ، المعارف ٢٧٢ ، الاستيعاب ٤ / ٣٩ ، ٤٠ ، أسد الغابة ٦ / ٧٠ ـ ٧٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢١٢ ، العبر ١ / ١٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ١٦٤ ـ ١٦٧ رقم ١٣ ، العقد الثمين ٣ / ٢٩٥ ، الإصابة ٤ / ٤٢ ، ٤٣ رقم ٢٦٤.

(٢) وقيل : هشيم ، وقيل : هاشم ، وقيل : قيس.

(٣) في سير أعلام النبلاء ١ / ١٦٥ «هاجر إلى الحبشة مرتين».

٥٣

الأحول الأثعل الملعون (١) طائره

أبو حذيفة شرّ النّاس في الدين

 أما شكرت أبا ربّاك من (٢) صغر

حتّى شببت شبابا غير محجون (٣)

 قال : وكان أبو حذيفة طويلا ، حسن الوجه ، مرادف الأسنان ـ وهو «الأثعل» ـ وكان أحول ، وقتل يوم اليمامة وله ثلاث وخمسون سنة ، رضي‌الله‌عنه (٤).

سالم مولى أبي حذيفة (٥)

ابن عتبة.

قال موسى بن عقبة : هو سالم بن معقل ، أصله من إصطخر ، والى أبا حذيفة. وإنّما أعتقته ثبيتة (٦) بنت يعار (٧) الأنصاريّة زوجة أبي حذيفة ، وتبنّاه أبو حذيفة.

قال ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد : إنّ سهلة بنت سهيل بن عمرو أتت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي امرأة أبي حذيفة فقالت : سالم معي ، وقد أدرك ما

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ٣ / ٨٥ ، وأسد الغابة ٦ / ٧١ «المشئوم» وفي سير أعلام النبلاء ١ / ١٦٦ «المذموم».

(٢) في المنتقى نسخة أحمد الثالث ، ونسخة دار الكتب «في».

(٣) المحجون : من حجن يحجنه حجنا. عطفه. والمحجن : العصا المعوجّة.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٨٥.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٨٥ ـ ٨٨ ، والتاريخ الكبير ٤ / ١٠٧ رقم ٢١٣١ ، والتاريخ الصغير ١ / ٣٨ ، ٤٠ ، والمعارف ٢٧٣ ، ومشاهير علماء الأمصار ٢٣ رقم ١٠١ ، وجمهرة أنساب العرب ٧٧ ، والمحبّر ٧١ ، ٧٢ و ٢٨٨ و ٤١٨ ، وأنساب الأشراف ١ / ٢٢٤ و ٢٣٩ و ٢٥٨ و ٢٦٤ و ٢٧٠ و ٢٩٧ و ٤٦٩ ، والمعرفة والتاريخ ٢ / ٥٣٨ و ٣ / ٣٦٧ ، والاستبصار ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، وحلية الأولياء ١ / ١٧٦ ـ ١٧٨ رقم ٢٩ ، والاستيعاب ٤ / ١٠١ ـ ١٠٤ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ، وتهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٠٦ ، ٢٠٧ رقم ١٩٥ ، وعيون التواريخ ١ / ٤٩٦ ، والوافي بالوفيات ١٥ / ٩١ رقم ١٢٢ ، الإصابة ٢ / ٦ ـ ٨ رقم ٣٠٥٢.

(٦) ويقال بثينة. (الإصابة ٢ / ٦) وكذا في النسخ الخطّيّة لعيون التواريخ ١ / ٤٩٦ حاشية رقم ٢.

(٧) قيل «يعار» ، وقيل «تعار». (أسد الغابة).

٥٤

يدرك الرجال ، فقال : «أرضعيه فإذا أرضعتيه (١) فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم» ، فعن أمّ سلمة قالت : أبى أزواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدخل أحد عليهنّ بهذا الرّضاع ، وقلن : إنّما هذا رخصة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسالم خاصّة (٢).

وعن ابن عمر قال : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤمّ المهاجرين من مكة حتّى قدم المدينة لأنّه كان أقرأهم (٣).

وقال الواقديّ : حثّني أفلح بن سعيد ، عن ابن كعب القرظيّ قال : كان سالم يؤمّ المهاجرين بقباء ، فيهم عمر بن الخطّاب قبل أن يقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

وقال حنظلة بن أبي سفيان ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عائشة قالت : استبطأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة فقال : ما حبسك؟ قلت : إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن ، فأخذ رداءه وخرج يسمعه ، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال : «الحمد لله الّذي جعل في أمّتي مثلك (٥)». إسناده قويّ.

__________________

(١) كذا في الأصل بإثبات الياء ، والأصح بحذفها.

(٢) رواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٨٧ ورجاله ثقات ، لكنه مرسل ، ورواه أحمد في المسند ٦ / ٢٠١ بسند متّصل ، ومسلم (١٤٥٣ / ٢٨) في الرضاع ، باب رضاعة الكبير ، والنسائي في النكاح ٦ / ١٠٥ باب رضاع الكبير ، من طريق ابن جريج ، أخبرنا ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، وأخرجه مسلم (١٤٥٣) والنسائي ٦ / ١٠٤ ، وابن ماجة (١٩٤٣) من طريق سفيان بن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وأخرجه أحمد ٦ / ٢٢٨ ، وأبو داود (٢٠٦١) في النكاح ، باب من حرم به ، وعبد الرزّاق في «المصنّف» رقم ١٣٨٨٦ و ١٣٨٨٧ من طريق ابن شهاب الزهري ، عن عروة ، عن عائشة. وأخرجه مالك في الموطّأ ـ ص ٣٧٥ في الرضاع ، من طريق الزهري ، عن عروة ، عن أبي حذيفة.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٨٧.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٨٧ والواقديّ متروك.

(٥) رجاله ثقات ، وإسناده صحيح. أخرجه أحمد في المسند ٦ / ١٦٥ ، وأبو نعيم في الحلية =

٥٥

وقال عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : إنّ المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء ، فأمّهم سالم مولى أبي حذيفة ، لأنّه كان أكثرهم قرآنا ، فيهم عمر ، وأبو سلمة بن عبد الأسد (١).

وعن محمد بن إبراهيم التّيميّ : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجرّاح (٢).

في «مسند أحمد» : نا عفّان ، نا حمّاد ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي رافع ، أنّ عمر قال : من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله ، فقال سعيد بن زيد (٣) : أما إنّك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك النّاس ، وقد فعل ذلك أبو بكر وائتمنه النّاس ، فقال : قد رأيت من أصحابي حرصا سيّئا (٤) ، وإنّي جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّنّة ، ثمّ قال : لو أدركني أحد رجلين ثمّ جعلت إليه الأمر فوثقت (٥) به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجرّاح (٦).

__________________

= / ٣٧١ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٢٢٦ وصحّحه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه. ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ٢ / ٣٠٨ ، وابن حجر في الإصابة ٢ / ٧ من طريق ابن المبارك.

(١) أخرجه البخاري في الأذان ، رقم (٦٩٢) باب إمامة العبد والمولى ، و (٧١٧٥) في الأحكام ، باب استقصاء الموالي واستعمالهم ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ١٧٧ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٨٧ ، ٨٨.

وقد استشكل ذكر أبي بكر في الرواية الثانية للبخاريّ ، وأجاب البيهقي باستمرار إمامته حتى قدم أبو بكر فأمّهم أيضا.

(٢) ذكره الحافظ في سير أعلام النبلاء ١ / ١٦٩ وقال : «هذا منقطع».

(٣) «زيد» ساقطة من نسخة (ح).

(٤) هكذا في الأصل ، وسير أعلام النبلاء ١ / ١٧٠ ، وفي نسخة دار الكتب «شديدا».

(٥) هكذا في الأصل ، وفي نسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب ، والمنتقى نسخة أحمد الثالث ، وسير أعلام النبلاء ١ / ١٧٠ «لوثقت».

(٦) مسند أحمد ١ / ٢٠ وإسناده ضعيف لضعف عليّ بن زيد بن جدعان. إذ قال الذهبي في السير : «علي بن زيد ليّن ، فإن صحّ هذا ، فهو دالّ على جلالة هذين في نفس عمر ، وذلك على أنه لا يجوّز الإمامة في غير القرشيّ ، والله أعلم».

٥٦

وقال عبد الله بن عمرو : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استقرءوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وأبيّ ، ومعاذ ، وسالم مولى أبي حذيفة» (١).

ومن طريق الواقديّ بإسناده ، عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال : لمّا انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنّا نفعل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فحفر لنفسه حفرة ، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ ، ثمّ قاتل حتّى قتل شهيدا سنة اثنتي عشرة (٢).

وقال عبيد بن أبي الجعد ، عن عبد الله (٣) بن شدّاد بن الهاد : إنّ سالما باع عمر ميراثه (٤) ، فبلغ مائتي درهم ، فأعطاها أمّه فقال : كليها (٥).

وقال غيره : وجد سالم ومولاه رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين (٦).

وقد شهد سالم بدرا والمشاهد.

(شجاع بن وهب) (٧) بن ربيعة الأسديّ أبو وهب ، مهاجريّ بدريّ.

__________________

(١) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ٤ / ٢١٨ مناقب سالم مولى أبي حذيفة رضي‌الله‌عنه ، وباب مناقب عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه وفي مناقب الأنصار ٤ / ٢٢٨ باب مناقب معاذ بن جبل رضي‌الله‌عنه ، ومسلم ، ٤ / ١٩١٤ رقم ١١٨ في فضائل الصحابة ، باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمّه ، رضي الله تعالى عنهما ، وأحمد في المسند ٢ / ١٨٩ و ١٩٥.

(٢) رواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٨٨ والواقديّ متروك.

(٣) في نسخة (ح) «عبيد الله» وهو خطأ ، والتصحيح من الأصل ، وطبقات ابن سعد.

(٤) في نسخة دار الكتب «ميزانه» وهو تصحيف.

(٥) رواه ابن سعد ٣ / ٨٨.

(٦) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٢٥ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٨٨ وفيه الواقديّ.

(٧) طبقات ابن سعد ٣ / ٩٤ ، ٩٥ ، تاريخ خليفة ٧٩ و ٩٨ و ١١١ ، أنساب الاشراف ١ / ٢٠٠ ، الجرح والتعديل ٤ / ٣٧٨ ، أسد الغابة ٣ / ٣٨٦ ، المحبّر ٧٢ و ٧٦ ، الوافي بالوفيات ١٦ / ١١٦ ، ١١٧ رقم ١٢٧ ، العقد الثمين ٥ / ٥ ، الإصابة ٢ / ١٣٨ رقم ٣٨٤١.

٥٧

كان رجلا طوالا نحيفا أجنى (١) ، وقد هاجر إلى الحبشة ، يقال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين أوس بن خوليّ (٢).

وبعثه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سريّة أربعة وعشرين رجلا ، فأصابوا نعما وشاء (٣).

وكان رسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ، بدمشق بالغوطة ، فلم يسلم ، وأسلم حاجبه مريّ (٤).

وشهد شجاع بدرا والمشاهد ، واستشهد باليمامة عن بضع وأربعين سنة (٥).

وكان من حلفاء بني عبد شمس.

زيد بن الخطّاب (٦) م د

ابن نفيل العدويّ (٧) القرشيّ أبو عبد الرحمن. كان أسنّ من عمر ،

__________________

(١) هكذا في الأصل ، ولغة في المهموز «أجنأ» كما في طبقات ابن سعد ، أي في ظهره أو عنقه ميل. (النهاية لابن الأثير ، والقاموس المحيط للفيروزآبادي).

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٩٤ عن الواقدي.

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٩٤.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٩٤.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٩٥.

(٦) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٦ ـ ٣٧٨ ، نسب قريش ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، طبقات خليفة ٢٢ ، تاريخ خليفة ١٠٨ و ١١٢ ، التاريخ الصغير ١ / ٣٤ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٠ ، الجرح والتعديل ٣ / ٥٦٢ رقم ٢٥٣٩ ، جمهرة أنساب العرب ١٥١ و ٣١١ ، الأخبار الموفقيات ٦٠٠ ، مشاهير علماء الأمصار ١١ رقم ٢٧ ، أنساب الأشراف ١ / ٥٧ و ٣٠٨ ، المحبّر ٧٣ و ٤٠٣ ، حلية الأولياء ١ / ٣٦٧ ، ٣٦٨ رقم ٧٣ ، الاستيعاب ٢ / ٥٥٠ رقم ٨٤٦ ، أسد الغابة ٢ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، تهذيب الكمال ١ / ٤٥٦ ، العبر ١ / ١٤ ، الكاشف ١ / ٢٦٦ رقم ١٧٥٢ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩ رقم ٥٧ ، العقد الثمين ٤ / ٤٧٣ ـ ٤٧٦ ، الوافي بالوفيات ١٥ / ٣٩ ، ٤٠ رقم ٤٠ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤١١ ، الإصابة ٤ / ٥٢ ، خلاصة تذهيب الكمال ١٢٨ ، عيون التواريخ ١ / ٤٩٥.

(٧) ما بين الحاصرتين زيادة من المنتقى. نسخة أحمد الثالث.

٥٨

وأسلم قبله. وكان طويلا بمرّة (١) ، أسمر ، شهد بدرا والمشاهد.

قال له عمر يوم أحد (٢). خذ درعي ، قال : إنّي أريد من الشهادة كما تريد ، فتركاها (٣).

وكان له من لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر ولد اسمه عبد الرحمن (٤).

وقيل : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين زيد ومعن بن عديّ العجلاني ، واستشهد باليمامة (٥).

وقد روى عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرقّاءكم أرقّاءكم أطعموهم ممّا تأكلون وألبسوهم ممّا تلبسون». الحديث (٦).

وجاء أنّ راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد ، فلم يزل يتقدّم بها في نحر العدوّ ، ثم قاتل حتّى قتل ، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح : اللهمّ إنّي أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك ممّا جاء به مسيلمة ومحكّم بن الطّفيل (٧).

__________________

(١) في طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٧ «طويلا بائن الطول» ، وفي سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٨ «أسمر طويلا جدا».

(٢) هكذا في الأصل ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٨ ، والمنتقى نسخة أحمد الثالث ، وفي نسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٨ «يوم بدر» ، وكذا في متن النسخة (ح) «بدر» وفي الحاشية «أحد».

(٣) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٨.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٧.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٧ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٨.

(٦) رواه أحمد في المسند ٤ / ٣٦ وفيه «يزيد» بدل «زيد» وهو وهم ، والحديث : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حجّة الوداع : «أرقّاءكم أرقّاءكم أطعموهم ممّا تأكلون واكسوهم ممّا تلبسون ، فإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذّبوهم». ورواه ابن سعد في الطبقات ٣ / ٣٧٧.

(٧) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٧.

٥٩

وقال الواقديّ : حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن أبي عون قال : وحدّثني عبد العزيز بن الماجشون قالا : قال عمر لمتمّم بن نويرة : ما أشدّ ما لقيت على أخيك من الحزن؟ فقال : كانت عيني هذه قد ذهبت ، فبكيت بالصّحيحة حتّى أسعدتها الذّاهبة وجرت بالدّمع ، فقال : إنّ هذا لحزن شديد ، ثم قال عمر : يرحم الله زيد بن الخطّاب إنّي لأحسب أنّي لو كنت أقدر على أن أقول الشّعر لبكيته كما بكيت أخاك ، فقال : لو قتل أخي يوم اليمامة كما قتل زيد ما بكيته أبدا ، فأبصر (١) عمرو وتعزّى عن أخيه ، وكان قد حزن عليه حزنا شديدا ، وكان يقول : إنّ الصّبا لتهبّ فتأتيني بريح زيد. قال ابن أبي عون : ما كان عمر يقول من الشّعر ولا بيتا واحدا (٢).

وعن عمر أنّه كان يقول : أسلم قبلي واستشهد قبلي (٣).

وقد روى عنه ابنه ، وابن عمر ، له عنه النّهي عن قتل ذوات البيوت (٤).

__________________

(١) كذا في النسخة (ح) ، والأصل ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٨ ، والمنتقى نسخة أحمد الثالث وفي نسخة دار الكتب «فصبر».

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٧٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٨.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٥٢ ، والبخاري في بدء الخلق ، باب قوله تعالى : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ، ومسلم في السلام (٢٢٣٣) باب قتل الحيّات وغيرها ، وأبو داود في الأدب (٥٢٥٢) باب في قتل الحيّات ، والترمذي في الأحكام (١٤٨٣) باب ما جاء في قتل الحيّات ، وكلّهم من طريق الزهري ، عن سالم عن أبيه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتلوا الحيّات وذا الطّفيتين والأبتر ، فإنّهما يستسقطان الحبل ، ويلتمسان البصر»

قال : فكان ابن عمر يقتل كلّ حيّة فقال :

إنه قد نهي عن ذوات البيوت. والأبتر : صنف من الحيّات أزرق مقطوع الذنب. ويلتمسان البصر : أي يخطفان البصر ويطمسانه. والعوامر : حيّات البيوت. والنّصّ لمسلم.

(٥) تاريخ خليفة ١ / ٩٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٤٣ ، الجرح والتعديل ٣ / ٢٩٤ ، الاستيعاب ١ / ٤٠١ ، الإكمال ٢ / ٤٥٣ ، أسد الغابة ٢ / ٣ ، الوافي بالوفيات ١١ / ٣٤٨ رقم ٥١٣ ، الإصابة ١ / ٣٢٥ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٤٣ ، تقريب التهذيب ١ / ٨٤ ، مشاهير علماء الأمصار ٢٣ رقم ٩٧ ، نسب قريش ٣٤٥ ، الأخبار الموفقيات ٥٨١ ، الكاشف ١ / ١٥٦ رقم ١٠٠٢.

(٦) هكذا في الأصل ، ونسخة (ح) ، ونسخة دار الكتب. وفي المنتقى نسخة أحمد الثالث «عمر».

٦٠