تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٣٠

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الطبقة الخامسة والأربعون

سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

[اشتداد الخلاف بين السّنّة والشيعة]

تُقدّم إلى أهل الكرخ أن لا يعملوا مأتما ـ يوم عاشوراء ، فأخلفوا وجرى بين أهل السّنّة والشّيعة ما زاد على الحدّ من القتل والجراحات (١).

[انهزام الملك الرحيم]

وفيها ذهب الملك الرّحيم إلى الأهواز وفارس ، فلقيه عسكر فارس واقتتلوا ، فانهزم هو وجيشه إلى أن قدم واسط (٢).

[امتلاك عسكر فارس الأهواز]

وسار عسكر فارس إلى الأهواز فملكوها وخيّموا بظاهرها (٣).

[انهزام صاحب حلب]

وفيها قدم عسكر من مصر فقصدوا حلب ، فانهزم منها صاحبها ثمال ، فملكها المصريّون (٤).

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٤٠ ، (١٥ / ٣١٩) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦١ ، العبر ٣ / ١٩٤ ، دول الإسلام ١ / ٢٥٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٥٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٤.

(٣) تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٤.

(٤) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦٠ ، زبدة الحلب لابن العديم ١ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٠ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٥٩.

٥

[إمرة الأمراء بدمشق]

وفيها ولي دمشق أمير الأمراء عدّة الدّولة رفق المستنصريّ (١) ، ثمّ عزل بعد أيّام بطارق المستنصريّ ، وولي إمرة حلب (٢). وولي وزارة دمشق معه سديد الدّولة ذو الكفايتين أبو محمد الحسين الماشُكيّ (٣).

[الحرب بين أهل الكرخ وأهل القلّايين]

وفيها اهتمّ أهل الكرخ وعملوا عليهم سورا ، وكذا فعل أهل نهر القلّايين ، وأنفق على ذلك العوامّ أموالا عظيمة ، وبقي مع كلّ فرقة طائفة من الأتراك تشدّ منهم. ثمّ في يوم عيد الفطر ثارت الحرب بينهم ، وجرت أمور مزعجة يطول تفصيلها. وأذّنوا في منابر الكرخ ب «حيّ على خير العمل» (٤).

[الريح الغبراء]

وفي ذي الحجّة عصفت ريح ترابيّة أظلمت منها الدّنيا حتّى لم ير أحد أحدا.

وكان النّاس في أسواقهم فحاروا ودهشوا ، ودامت ساعة ، فقلعت رواشن دار الخليفة ودار المملكة. ووقع شيء كثير من النّخل (٥).

__________________

(١) أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٤ ، ذيل تاريخ دمشق ٨٥ ، أمراء دمشق في الإسلام ٣٤ رقم ١٠٩ ، اتعاظ الحنفاء ٢ / ٢٠٩.

(٢) ذيل تاريخ دمشق ٨٥ ، اتعاظ الحنفا ٢ / ٢٠٩.

(٣) أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٥ وفيه ، «الماسل» بدل «الماشكي» ، ذيل تاريخ دمشق ٨٥ ، اتعاظ الحنفا ٢ / ٢٠٩.

(٤) انظر تفاصيل الخبر في : المنتظم ٨ / ١٤١ ، ١٤٢ ، (١٥ / ٣١٩ ، ٣٢٠) ، والكامل في التاريخ ٩ / ٥٦١ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٠ ، والعبر ٣ / ١٩٤ ، ودول الإسلام ١ / ٢٥٩ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥١.

(٥) المنتظم ٨ / ١٤٢ ، (١٥ / ٣٢١) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٥٩ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٩٩ ، ٤٠٠.

٦

سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة

[الصّلح بين السّنّة والشيعة]

ندب أبو محمد بن النّسويّ لضبط بغداد ، واجتمع العامّة من الشّيعة والسّنّة على كلمة واحدة ، على أنّه متى ولي ابن النّسويّ أحرقوا أسواقهم ونزحوا عن البلد. ووقع الصّلح بين السّنّة والشّيعة ، وصار أهل الكرخ إلى نهر القلّايين فصلّوا فيه ، وخرجوا كلّهم إلى الزّيارة بالمشاهد.

وصار أهل الكرخ يترحّمون على الصّحابة في الكرخ ، وهذا أمر لم يتّفق مثله (١).

[وقوع صاعقة بالحلّة]

وفي ليلة الجمعة ثاني رمضان وقعت صاعقة بالحلّة (٢) على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان ، فأحرقت نصف الخيمة ورأس أحد الرّجلين ، وقدّت نصف بدنه ، وبقي نصفه الآخر. وسقط الآخر مغشيّا عليه ما أفاق إلّا بعد يومين (٣).

[الرّخص ببغداد]

ورخص السّعر ببغداد حتّى أبيع كرّ الحنطة بسبعة دنانير (٤).

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٤٥ ، (١٥ / ٣٢٥) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦١ (حوادث سنة ٤٤١ ه‍.) ، العبر ٣ / ١٩٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٠ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦١ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٦٧ ، ٢٦٨.

(٢) في «المنتظم» : «حلّة نور الدين».

وفي «تاريخ حلب» للعظيميّ (زعرور) ٣٤٠ ، والطبعة التركية ٨ : «ووقعت صاعقة بقسيان أنطاكية سكت السلاسل».

(٣) المنتظم ٨ / ١٤٦ ، (١٥ / ٣٢٥).

(٤) المنتظم ٨ / ١٤٦ ، (١٥ / ٣٢٦) وفيه : «بسبع دنانير» ، البداية والنهاية ١٢ / ٦١.

٧

[استيلاء ألب رسلان على فسا]

وفيها سار الملك ألب رسلان السّلجوقيّ من مرو وقصد فارس في المفازة ، فلم يعلم أحد ولا عمّه طغرلبك ، فوصل إلى فسا واستولى عليها ، وقتل من جندها الدّيلم نحو الألف وطائفة من العامة ، ونهب وأسر وفتك ، وعاد إلى مرو مسرعا (١).

[الاحتفال بزيارة مشهد الحسين]

واستهلّ ذو الحجّة فتهيّأ أهل بغداد السّنة والشّيعة لزيارة مشهد الحسين وأظهروا الزّينة والفرح ، وخرجوا بالبوقات ومعهم الأتراك (٢).

[أخذ طغرلبك أصبهان صلحا]

وفيها نازل طغرلبك أصبهان ، وحاصر ابن علاء الدّولة نحو السّنة ، وقاسي العامّة شدائد. ثمّ أخذها صلحا وأحسن إلى أميرها ، وأقطعه يزد وأبرقوه ، وأقطع أجنادها في بلاد الجبل. وسكن أصبهان (٣).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦٤ ، ٥٦٥ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٢٨٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٥.

(٢) المنتظم ٨ / ١٤٦ ، (١٥ / ٣٢٥ ، ٣٢٦).

(٣) الإنباء في تاريخ الخلفاء لابن العمراني ١٨٨ ، تاريخ الفارقيّ ١ / ١٥٥ ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٦٢ ، تاريخ مختصر الدول لابن العبري ١٨٤ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٠ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥١ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦١ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٥.

٨

سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة

[تجدّد الفتنة بين السّنّة والشيعة]

في صفر تجدّدت الفتنة بين الشّيعة والسّنّة ، وزال الاتّفاق الّذي كان عام أوّل. وشرع أهل الكرخ في بناء باب السّمّاكين ، وأهل القلّايين في عمل ما بقي من بابهم. وفرغ أهل الكرخ من بنيانهم وعملوا أبراجا وكتبوا بالذّهب : محمد وعليّ خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر (١).

وثارت الفتنة وآلت إلى أخذ ثياب النّاس في الطّرق ، وعقت الأسواق ، ووقفت المعايش. وبعد أيّام اجتمع للسّنّة عدد يفوق الإحصاء ، وعبروا إلى دار الخلافة وملئوا الشّوارع ، واخترقوا الدّهاليز ، وزاد اللّغط ، فقيل لهم : سنبحث عن هذا. فهاج أهل الكرخ ووقع القتال ، وقتل جماعة منهم واحد هاشميّ. ونهب مشهد باب التّبن ونبشت عدّة قبور وأحرقوا ، مثل : العوفيّ ، والنّاشئ ، والجذوعيّ ، وطرحوا النّار في المقابر والتّرب ، وجرى على أهل الكرخ خزي عظيم ، وقتل منهم جماعة ، فصاروا إلى خان الفقهاء الحنفيّين ، فأخذوا ما وجدوا ، وأحرقوا الخان (٢) ، وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد السّرخسيّ (٣) ، وكبسوا دور الفقهاء ، فاستدعي أبو محمد بن النّسويّ وأمر بالعبور فقال : قد جرى ما لم يجر مثله ، فإن عبر معي الوزير عبرت. فقويت يده. وأظهر أهل الكرخ الحزن ،

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٧٦ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٠ ، ٢٦١ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٢ ، شذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.

(٢) شذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.

(٣) لم يذكره ابن الجوزي في «المنتظم» ضمن الخبر (٥٨ / ١٥٠) (١٥ / ٣٣٠ ، ٣٣١) ، وهو في : الكامل في التاريخ (٩ / ٥٧٧) ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧١ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٢ ، والعبر ٣ / ٢٠١ ، ودول الإسلام ١ / ٢٦١ ، ومرآة الجنان ٣ / ٦١ ، وشذرات الذهب ٣ / ٢٧٠.

٩

وقعدوا في الأسواق للعزاء على المقتولين. فقال الوزير : إن واخذنا الكلّ هرب البلد ، والأولى التّغاضي.

فلمّا كان في ربيع الآخر خطب بجامع براثا مأوى الشّيعة ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» ، ودقّ الخطيب المنبر بالسّيف ، وذكر في خطبته العبّاس (١).

[كبس العيّارين دار النّسوي]

وفي ذي الحجّة كبس العيّارون دار أبي محمد بن النّسويّ وجرحوه جراحات عدّة (٢).

[عمارة الرّيّ]

وفيها أخذ السّلطان طغرلبك أصبهان في المحرّم ، فجعلها دار ملكه ، ونقل خزائنه من الرّيّ إليها. وكان قد عمّر الرّيّ عمارة جيّدة (٣).

[إحراق الأهواز]

وفيها كبس منصور بن الحسين بالغزّ الأهواز وقتل بها خلقا من الدّيلم والأتراك والعامّة ، فأحرقت ونهبت (٤).

[الوقعة بين المغاربة والمصريّين]

وفيها كانت وقعة هائلة بين المغاربة والمصريّين بإفريقية ، وقتل فيها من المغاربة ثلاثون ألفا (٥).

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٤٩ ـ ١٥١ ، (١٥ / ٣٢٩ ـ ٣٣١) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٧٦ ـ ٥٧٨.

(٢) المنتظم ٨ / ١٥١ ، (١٥ / ٣٣١).

(٣) المنتظم ٨ / ١٥١ ، (١٥ / ٣٣١) ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٠ و ١٧١ ، الدرّة المضيّة ٣٦٢ ، العبر ٣ / ٢٠١ ، دول الإسلام ١ / ٢٦١ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥١ ، ٣٥٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٣.

(٤) المنتظم ٨ / ١٥١ ، (١٥ / ٣٣١) ، العبر ٣ / ٢٠٢ ، دول الإسلام ١ / ٢٦١.

(٥) أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٦ ، نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٠ ، ٢١١ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٠ ، العبر ٣ / ٢٠٢ ، دول الإسلام ١ / ٢٦١ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٢.

١٠

سنة أربع وأربعين وأربعمائة

[عودة الفتن ببغداد]

في ذي القعدة عادت الفتن ببغداد ، وأحرقت جماعة دكاكين ، وكتبوا ، أعني أهل الكرخ ـ على مساجدهم : «محمد وعليّ خير البشر». وأذّنوا بحيّ على خير العمل. فتجمّع أهل القلّايين وحملوا حملة على أهل الكرخ ، فهرب النّظّارة ، وازدحموا في مسلك ضيّق ، فهلك من النّساء نيّف وثلاثون امرأة وستّة رجال وصبيّان ، وطرحت النّار في الكرخ ، وعادوا في بناء الأبواب والقتال.

فلمّا كان في سادس ذي الحجّة جرى بينهم قتال ، فجمع الطّقطقيّ قوما من الأعوان ، وكبس نهر طابق من الكرخ ، وقتل رجلين ، ونصب الرّأسين على حائط مسجد القلّايين (١).

[الحرب بين عسكر خراسان وعسكر غزنة]

وفيها جرت حروب كبيرة بين عسكر خراسان وعسكر غزنة ، وكلّهم مسلمون. وتمّ ما لا يليق من القتال على الملك ، نسأل الله العافية (٢).

[فتح الملك الرحيم البصرة]

وفيها سيّر الملك الرّحيم جيشا مع وزيره والبساسيريّ إلى البصرة ، وعليها أخوه أبو عليّ بن أبي كاليجار ، فحاصروه بها ، واقتتلوا أيّاما في السّفن (٣). ثمّ

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٥٤ ، (١٥ / ٣٣٥ ، ٣٣٦) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩١ ، ٥٩٢ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٢ ، العبر ٣ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٦٢ وفيه «مسجد العلائين» وهو تصحيف ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٣.

(٢) انظر تفاصيل هذا الخبر في : الكامل في التاريخ ٩ / ٥٨٢ ـ ٥٨٥ ، والعبر ٣ / ٢٠٤ ، ودول الإسلام ١ / ٢٦١.

(٣) العبر ٣ / ٢٠٤.

١١

افتتحوا البصرة ، وهرب أبو عليّ فتحصّن بشطّ عثمان وحفر الخندق. فمضى إليه الملك الرّحيم وحاربه ، فتقهقر إلى عبّادان وركب البحر. ثمّ طلع منه وسار إلى أرّجان ، وقدم على السّلطان طغرلبك بأصبهان ، فأكرمه وصاهره (١).

وسلّم الملك الرّحيم البصرة إلى البساسيريّ ، ومضى إلى الأهواز (٢).

[نهب أطراف العراق]

وفيها قدم طائفة من جيش طغرلبك إلى أطراف العراق ، فنهبوا واستباحوا الحريم وفتكوا. ورجف أهل بغداد (٣).

[القدح في نسب صاحب مصر]

وفيها عمل محضر كبير ببغداد في القدح في نسب صاحب مصر ، وأنّه أصله من اليهود (٤).

__________________

(١) العبر ٣ / ٢٠٥ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٨٨ ، ٥٨٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٦١.

(٣) انظر الخبر مفصّلا في : الكامل في التاريخ ٩ / ٥٨٩ ، ٥٩٠ ، والعبر ٣ / ٢٠٥ ، ودول الإسلام ١ / ٢٦١.

(٤) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٤٠ ، (التركية) ٨ (في حوادث سنة ٤٤٣ ه‍.) ، أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٦ ، المنتظم ٨ / ١٥٤ ، ١٥٥ ، (١٥ / ٣٣٦) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩١ ، العبر ٣ / ٢٠٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٦٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٣ ، اتعاظ الحنفا ٢ / ٢٢٣.

١٢

سنة خمس وأربعين وأربعمائة

[إحراق الكرخ]

فيها أحضر ابن النّسويّ فقوّيت يده ، فضرب وقتل وخرّب ما كتبوا من محمد وعليّ خير البشر ، وطرحت النّار في الكرخ ليلا ونهارا (١).

[وصول الغزّ إلى حلوان]

ثمّ وردت الأخبار بأنّ الغزّ قد وصلوا إلى حلوان ، وأنّهم على قصد العراق ، ففزع النّاس (٢).

[لعن الأشعريّ بنيسابور]

وفيها أعلن بنيسابور بلعن أبي الحسن الأشعريّ ، فضجّ من ذلك الشّيخ أبو القاسم القشيريّ ، وصنّف رسالة «شكاية السّنّة لما نالهم من المحنة».

وكان قد رفع إلى السّلطان طغرلبك شيء من مقالات الأشعريّ ، فقال أصحاب الأشعريّ : هذا محال وليس هذا مذهبه.

فقال السّلطان : إنّما نأمر بلعن الأشعريّ الّذي قال هذه المقالة فإن لم تدينوا بها ولم يقل الأشعريّ شيئا منها فلا عليكم ممّا نقول.

قال القشيريّ : فأخذنا في الاستعطاف ، فلم تسمع لنا حجّة ، ولم تقض لنا حاجة. فأغضينا على قذى الاحتمال. وأحلنا على بعض العلماء ، فحضرنا وظنّنا أنّه يصلح الحال ، فقال : الأشعريّ عندي مبتدع يزيد على المعتزلة.

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٥٧ ، (١٥ / ٣٤٠) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٤.

(٢) المنتظم ٨ / ١٥٧ ، (١٥ / ٣٤٠) ، العبر ٣ / ٢٠٨ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٤.

١٣

يقول القشيريّ : يا معشر المسلمين ، الغياث الغياث (١).

[استيلاء الملك الرحيم على أرّجان]

وفيها استولى الملك الرّحيم على أرّجان ونواحيها ، وأطاعه من بها من العسكر ومقدّمهم فولاذ الدّيلميّ (٢).

__________________

(١) علّق ابن الجوزي على ذلك قائلا : «لو أنّ القشيري لم يعمل في هذا رسالة كان أستر للحال ، لأنه إنما ذكر فيها أنه وقع اللعن وأنه سئل السلطان أن يتقدّم بترك ذلك فلم يجب ، ثم لم يذكر حجّة له ولا دفع شبهة للخصم ، وذكر مثل هذا نوع تغفيل». (المنتظم ٨ / ١٥٨ ، (١٥ / ٣٤١) ، وانظر : البداية والنهاية ١٢ / ٦٤).

(٢) الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩٤.

١٤

سنة ست وأربعين وأربعمائة

[شغب الأتراك على وزير السلطان]

فيها تفاوض الأتراك في الشّكوى من وزير السّلطان ، وعزموا على الشّغب ، فبرّزوا الخيم وركبوا بالسّلاح ، وكثرت الأراجيف ، وغلّقت الدّروب ببغداد ، ولم يصلّ أحد جمعة إلّا القليل في جامع القصر. ونقل النّاس أموالهم ، فنودي في البلد : متى وجد الوزير عند أحد حلّ ماله ودمه. وركبت الأتراك فنهبوا دورا للنّصارى ، وأخذوا أموالا من البيعة وأحرقوها.

ودافع العوامّ عن نفوسهم ، فراسل الخليفة الأتراك وأرضاهم (١).

[وزارة أبي الحسين بن عبد الرحيم]

ثمّ إنّ الوزير ظهر فطولب ، فجرح نفسه بسكّين ، فتسلّمه البساسيريّ ، وتقلّد الوزارة أبو الحسين بن عبد الرّحيم (٢).

[أخذ ابن بدران الأنبار]

وقصد قريش بن بدران الأنبار فأخذها (٣).

[عودة البساسيريّ إلى بغداد]

وردّ أبو الحارث البساسيريّ إلى بغداد (٤) من الوقعة مع بني خفاجة ، فسار

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٥٩ ، ١٦٠ ، (١٥ / ٣٤٣ ، ٣٤٤) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩٧ ، ٥٩٨ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٥٧.

(٢) المنتظم ٨ / ١٦٠ ، (١٥ / ٣٤٤).

(٣) المنتظم ٨ / ١٦٠ ، (١٥ / ٣٤٤) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٦٠٠ ، ابن خلدون ٣ / ٤٥٧ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٥.

(٤) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٤٢ ، (التركية) ٩ (حوادث سنة ٤٤٥ ه‍).

١٥

إلى داره بالجانب الغربيّ ولم يلمّ بدار الخلافة على رسمه ، وتأخّر عن الخدمة ، وبانت فيه آثار النّفرة. فراسله الخليفة بما طيّب قلبه فقال : ما أشكو إلّا من النّائب في الدّيوان. ثمّ توجّه إلى الأنبار فوصلها ، وفتح وقطع أيدي طائفة فيها ، وكان معه دبيس بن عليّ (١).

[انكسار جيش المعزّ إلى القيروان]

وفي سنة ستّ ملكت العرب الّذين بعثهم المستنصر لحرب المعزّ بن باديس ، وهم بنو زغبة ، مدينة طرابلس المغرب. فتتابعت العرب إلى إفريقية ، وعاثوا وأفسدوا ، وأمّروا عليهم مؤنس بن يحيى المرداسيّ. وحاصروا المدن وخرّبوا القرى ، وحلّ بالمسلمين منهم بلاء شديد لم يعهد مثله قطّ. فاحتفل ابن باديس وجمع عساكره ، فكانوا ثلاثين ألف فارس (٢) ، وكانت العرب ثلاثة آلاف فارس (٣). فأرادت العرب الفرار ، فقال لهم مؤنس : ما هذا يوم فرار. قالوا : فأين نطعن هؤلاء وقد لبسوا الكزاغندات (٤) والمغافر (٥)؟ قال : في أعينهم. فسمّي : «أبا العينين». فالتحم الحرب ، فانكسر جيش المعزّ ، واستحرّ القتل بجنده ، وردّ إلى القيروان مهزوما. وأخذت العرب الخيل والخيام بما حوت (٦).

وفي ذلك يقول بعضهم (٧) :

__________________

(١) المنتظم ٨ / ١٦٠ ، ١٦١ ، (١٥ / ٣٤٤ ، ٣٤٥) ، الكامل في التاريخ ٩ / ٦٠١ ، ٦٠٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٥ ، اتعاظ الحنفا ٢ / ٢٣٢.

(٢) في : نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٤ : «ثلاثين ألف فارس ومثلهم رجّالة». وفي : المختصر لأبي الفداء ٢ / ١٧٠ : «ما يزيد على ثلاثين ألف فارس». وفي : البيان المغرب ١ / ٢٩٠ : «وكان عدد العسكر المهزوم ثمانين ألف فارس ومن الرجّالة ما يليق بذلك». وفي : تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٣١ : «نحو من ثلاثين ألفا» ، وفي «اتعاظ الحنفا» ٢ / ٢١٥ : «جمع ثمانين ألفا».

(٣) في : البيان المغرب : «وكانت خيل العرب ثلاثين ألف فارس ، ومن الرّجالة ما يليق بذلك».

(٤) في : نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٥ : «الكازغندات» ، وفي : الكامل في التاريخ لابن الأثير ٨ / ٥٦ : «الكذاغندات». وهي أردية محشوّة من القطن أو الحرير يتدرّع بها في الحرب.

(٥) المغافر : الخوذات الواقية للرأس.

(٦) اتعاظ الحنفا ٢ / ٢١٤ ، ٢١٥.

(٧) هو : علي بن رزق الرياحي ، أو ابن شدّاد. (البيان المغرب ١ / ٢٩٠ ، تاريخ ابن خلدون ٦ / ٣٣).

١٦

وإنّ ابن باديس لأفضل مالك (١)

ولكن لعمري (٢) ما لديه رجال

ثلاثون ألفا منهم غلبتهم

ثلاثة ألف إنّ ذا المحال (٣)

[انهزام المعزّ للمرّة الثانية]

ثمّ جمع المعزّ سبعة وعشرين ألف فارس ، وسار يوم عيد النّحر ، وهجم على العرب (٤) بغتة ، فانكسر أيضا ، وفتل من جنده عالم عظيم ، وكانت العرب يومئذ سبعة آلاف. وثبت المعزّ ثباتا لم يعهد بمثله (٥). ثمّ ساق على حميّة.

وحاصرت العرب القيروان (٦). وانجفل النّاس في المهديّة لعجزهم.

وشرعت العرب في هدم الحصون ، وقطع الأشجار ، وإفساد المياه. وعمّ البلاء ، وانتقل المعزّ إلى المهديّة ، فالتقاه ابنه تميم والبهاء (٧).

[انتهاب القيروان]

وفي سنة تسع وأربعين نهبت العرب القيروان (٨).

__________________

(١) في : تاريخ الفتح العربيّ في ليبيا للظاهر الزاوي ـ ص ٢٠٠ : «لأحزم مالك».

(٢) في : تاريخ ابن خلدون : «لعمري ولكن».

(٣) في : تاريخ ابن خلدون : «وذاك ضلال».

وفي : تاريخ الفتح للزاوي :

ثلاثة آلاف لنا غلبت له

ثلاثين ألفا إن ذا لنكال

وفي : البيان المغرب لابن عذاري :

ثمانون ألفا منكم هزمتهم

ثلاثون ألفا إنّ ذا لنكال

وفي المطبوع منه : «ثلاثون ألفا». (١ / ٢٩٠).

والبيتان في :

نهاية الأرب للنويري ٢٤ / ٢١٥ ، والبيان المغرب لابن عذاري ١ / ٢٩٠ ، وتاريخ ابن خلدون ٦ / ٣٣ ، وتاريخ الفتح العربيّ في ليبيا ٢٠٠.

(٤) وهم : زعبة وعديّ. (نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٦).

(٥) البيان المغرب ١ / ٢٨٩.

(٦) البيان المغرب ١ / ٢٩٠.

(٧) الخبر باختصار شديد في : العبر ٣ / ٢١٠ ، ودول الإسلام ١ / ٢٦٢.

وهو في : نهارية الأرب ٢٤ / ٢١٦ وفيه أن المعزّ رجع إلى المنصورية ، والبيان المغرب ١ / ٢٩٢ ، وتاريخ ابن خلدون ٦ / ١٥٩ ، واتعاظ الحنفا ٢ / ٢١٥.

(٨) نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٦ و ٢١٧ ، والكامل ٨ / ٥٦ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧١ ، والمؤنس =

١٧

[انهزام زنانة أمام بلكين]

وفي سنة خمسين خرج بلكّين ومعه العرب لحرب زناتة ، فقاتلهم فانهزمت زناتة وقتل منهم خلق (١).

[قتل أهل نقيوس للعرب]

وفي سنة ثلاث وخمسين (٢) قتل أهل نقيوس (٣) من العرب مائتين وخمسين رجلا. وسبب ذلك أنّ العرب دخلت المدينة تتسوّق (٤) فقتل رجل من العرب رجلا محتشما مقدّما لكونه سمعه يثني على ابن باديس ، فغضب له أهل البلد ، وقتلوا في العرب وهم على غفلة.

[نقصان النيل وتزايد الغلاء والوباء]

وقال المختار بن بطلان : نقص النّيل في هذه السّنة (٥) وتزايد الغلاء ، وتبعه وباء شديد.

وعظم الوباء في سنة سبع وأربعين (٦).

__________________

= في تاريخ إفريقية والأندلس لابن أبي دينار ٨٣ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٢ ، وتاريخ ابن خلدون ٦ / ١٥٩ ، والبيان المغرب ١ / ٢٩٣ و ٢٩٤ ، واتعاظ الحنفا ٢ / ٢١٥ و ٢١٧.

(١) نهاية الأرب ٢٤ / ٢١٧ ، البيان المغرب ١ / ٢٩٤ وفيه «بلقّين».

(٢) يستطرد المؤلّف ـ رحمه‌الله ـ هنا بسرد الأحداث حتى سنة ٤٥٣ ه‍. ومن حقّها أن تذكر في أحداث الطبقة التالية.

(٣) نقيوس : قرية بين الفسطاط والإسكندرية : (معجم البلدان ٥ / ٣٠٣).

(٤) في : البيان المغرب ١ / ٢٨٥ «إن العرب دخلت إلى نقيوس متشوّقة».

(٥) الموجود في : الدرّة المضيّة لابن يبك الدواداريّ خلاف هذا ، وهو : «الماء القديم خمسة أذرع فقط ، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا». (ص ٣٦٤).

(٦) في «اتعاظ الحنفا» ٢ / ٢٢٦ ، في حوادث سنة ٤٤٦ ه‍ : «فيها أيضا قصر مدّ النيل ، ونزع السعر ، ووقع الوباء ، ولم يكن في المخازن السلطانية إلّا ما ينصرف في جرايات من في القصور ومطبخ الخليفة وحواشيه لا غير ، فورد على الوزير من ذلك ما أهمه ، وصار سعر التلّيس ثمانية دنانير ، واشتد الأمر على الناس» ، وفي (حوادث سنة ٤٤٧ ه‍) ٢ / ٢٣٠ قال : «وفيها تزايد الغلاء ، وكثر الوباء ، وعمّ الموتان بديار مصر».

١٨

[تكفين السلطان ثمانين ألف نفس]

ثمّ ذكر أنّ السّلطان كفّن من ماله ثمانين ألف نفس ، وأنّه هلك ثمانمائة قائد. وحصل للسّلطان من المواريث مال جليل.

[تخريب الأعراب سواد العراق]

وفيها عاثت الأعراب وأخربوا أكثر سواد العراق ، ونهبوا. وذلك لاضطراب الأمور وانحلال الدّولة.

[استيلاء طغرلبك على أذربيجان]

وفيها استولى طغرلبك على أذربيجان بالصّلح ، وسار بجيوشه فسبى من الرّوم وغنم وغزا (١).

__________________

(١) تاريخ حلب للعظيميّ (زعرور) ٣٤٢ ، (التركية) ١٠ ، الكامل في التاريخ ٩ / ٥٩٨ ، ٥٩٩ ، تاريخ مختصر الدول ٨٤ أ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٢ ، العبر ٣ / ٢١٠ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٢ ، تاريخ ابن الوردي ١ / ٣٥٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٥.

١٩

سنة سبع وأربعين وأربعمائة

[استيلاء أعوان الملك الرحيم على شيراز]

فيها استولى أعوان الملك الرّحيم على شيراز بعد حصار طويل وبلاء شديد من القحط والوباء ، حتّى قيل لم يبق بها إلّا نحو ألف إنسان ، فما أمهله الله في الملك بعدها (١).

ابتداء الدّولة السّلجوقيّة (٢)

وفيها كان ابتداء الدّولة السّلجوقيّة بالعراق. وكان من قصّة ذلك أنّ أبا المظفّر أبا الحارث أرسلان التّركيّ المعروف بالبساسيريّ كان قد عظم شأنه بالعراق ، واستفحل أمره ، وبعد صيته ، وعظمت هيبته في النّفوس ، وخطب له على المنابر. وصار هو الكلّ ، ولم يبقى للملك الرّحيم بن بويه معه إلّا مجرّد الاسم (٣).

ثمّ إنّه بلغ أمير المؤمنين القائم أنّ البساسيريّ قد عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة ، فكاتب الخليفة القائم السّلطان طغرلبك بن ميكائيل بن سلجوق يستنجد به ، ويعده بالسّلطنة ، ويحضّه على القدوم (٤).

وكان طغرلبك بالرّيّ ، وكان قد استولى على الممالك الخراسانيّة وغيرها.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٩ / ٦٠٥ ، مآثر الإنافة ١ / ٣٣٧.

(٢) انظر : تاريخ دولة آل سلجوق ٧ وما بعدها.

(٣) نهاية الأرب ٢٦ / ٢٨٨ ، العبر ٣ / ٢١٢ ، دول الإسلام ١ / ٢٦٣ ، مآثر الإنافة ١ / ٣٣٨ ، تاريخ الخلفاء ٤١٧.

(٤) المنتظم ٨ / ١٦٣ ، (١٥ / ٣٤٨) ، ذيل تاريخ دمشق ٨٧ ، بغية الطلب (تراجم السلاجقة) ٥ ، مختصر التاريخ لابن الكازروني ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٢٨٨ ، الجوهر الثمين لابن دقماق ١٩٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ٦٦.

٢٠