تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٤٠

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الطبقة الثامنة والخمسون

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

[جلوس ابن الجوزي تحت المنظرة]

قال ابن الجوزيّ (١) : تقدّم إليّ بالجلوس تحت المنظرة ، فتكلّمت في ثالث المحرّم والخليفة حاضر ، وكان يوما مشهودا. ثمّ تقدّم إليّ بالجلوس يوم عاشوراء فكان الزّحام شديدا زائدا على الحدّ ، وحضر أمير المؤمنين (٢).

[القبض على أستاذ الدار صندل]

وفي صفر قبض على أستاذ الدّار صندل الّذي جاء في الرّسليّة إلى نور الدّين ، وعلى خادمين أرجف النّاس أنّهم تحالفوا على سوء. وولّي أبو الفضل ابن الصّاحب أستاذيّةالدار ، وولّي مكانه في الحجابة ابن النّاقد (٣).

[زواج بنت ابن الجوزيّ]

قال ابن الجوزيّ (٤) : وكانت ابنتي «رابعة» قد خطبت ، فسأل الزّوج أن يكون العقد بباب الحجرة ، فحضرنا يوم الجمعة ، وحضر قاضي القضاة ، ونقيب النّقباء ، فزوّجتها بأبي الفرج بن الرشيد الطبريّ ، وتزوّج حينئذ ولدي أبو القاسم بابنة الوزير عون الدّين بن هبيرة (٥).

__________________

(١) في المنتظم ١٠ / ٢٥٦ (١٨ / ٢١٨).

(٢) انظر : تاريخ الخميس ٢ / ٤٠٩ ـ.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٥٦ (١٨ / ٢١٨) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٤ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٣١ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٧٦ ـ.

(٤) في المنتظم ١٠ / ٢٥٧ (١٨ / ٢١٩).

(٥) مرآة الزمان ٨ / ٣٣١ ، ٣٣٢ ـ.

٥

قلت : «رابعة» هي والدة الواعظ شمس الدّين بن الجوزيّ ، لم يطل عمر ابن رشيد معها ، ثمّ تزوّجها أبو شمس الدّين.

وأمّا ابنه أبو القاسم فإنّه تحارب وصار ينسخ بالأجرة ، وهو ممّن أجاز للقاضي تقيّ الدّين الحنبليّ.

[كلام ابن الجوزيّ تحت المنظرة]

قال (١) : وتكلّمت في رجب تحت المنظرة وازدحم الخلق ، وحضر أمير المؤمنين. وكنت إذا تكلّمت أصعد المنبر ، ثمّ أضع الطّرحة إلى جانبي ، فإذا فرغت أعدتها.

وكان المستضيء بالله كثيرا ما يحضر مجلس ابن الجوزيّ في مكان من وراء السّتر ، وقال مرّة : ما على كلام ابن الجوزيّ مزيد. يعني في الحسن (٢).

[كثرة الرفض]

قال (٣) : وكان الرّفض قد كثر ، فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين إن لم تقوّ يد ابن الجوزيّ لم يطق رفع البدع. فكتب بتقوية يدي ، فأخبرت النّاس بذلك على المنبر ، فقلت : إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد بلغه كثرة الرّفض ، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع ، فمن سمعتموه يسبّ فأخبروني حتّى أخرّب داره وأسجنه. فانكفّ النّاس.

وأمر بمنع الوعّاظ إلّا ثلاثة أنا ، وأبو الخير القزوينيّ من الشّافعيّة ، وصهر العبّاديّ من الحنفيّة. ثمّ سئل في ابن الشّيخ عبد القادر ، فأطلق (٤).

__________________

(١) في المنتظم ١٠ / ٢٥٧ (١٨ / ٢٢٠).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٥٨ (١٨ / ٢٢١).

(٣) ابن الجوزي في المنتظم ١٠ / ٢٥٩ (١٨ / ٢٢٢).

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٥٩ (١٨ / ٢٢٢).

٦

[خروج المستضيء إلى كشكه]

وفي ذي القعدة خرج المستضيء إلى الكشك الّذي جدّده راكبا ، والدّولة مشاة ، ورآه النّاس ، ودعوا له (١).

[ولاية المخزن]

وفيها خلع على الظّهير بن العطّار بولاية المخزن (٢).

[وليمة الوزير ابن رئيس الرؤساء]

وفيها عمل الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة جمع فيها أرباب المناصب ، وخلع عليّ ، ونصب لي منبر في الدّار ، وحضر الخليفة الدّعوة ، فلمّا أكلوا تكلّمت ، وحضر السّلطان والدّولة ، وجميع علماء بغداد ووعّاظها إلّا النّادر (٣).

[الفتنة بمكة]

وفيها أرسل إلى صاحب المدينة تقليد بمكّة ، فجرت فتنة لذلك بمكّة ، وقتل جماعة. ثمّ صعد أمير مكّة المعزول ، وهو مكثر بن عيسى بن فليتة ، إلى القلعة الّتي على أبي قبيس ، ثمّ نزل وخرج عن مكّة. ووقع النّهب بمكّة ، وأحرقت دور كثيرة (٤).

وحكى القليوبيّ في «تاريخه» أنّ الرّكب خرجوا عن عرفات ، ولم يبيتوا بمزدلفة ، ومرّوا بها ، ولم يقدروا على رمي الجمار ، وخرجوا إلى الأبطح ، فبكّروا يوم العيد ، وقد خرج إليهم من يحاربهم من مكّة ، فتطاردوا وقتل

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٥٩ (١٨ / ٢٢٢).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٥٩ (١٨ / ٢٢٢).

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٥٩ ، ٢٦٠ (١٨ / ٢٢٣).

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٦٠ (١٨ / ٢٢٤) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٢ ، شفاء الغرام (بتحقيقنا) ٢ / ٣٦٧ ـ.

٧

جماعة بين الفريقين. ثمّ آل الأمر إلى أن أصيح في النّاس : الغزاة إلى مكّة (١).

قال ابن الجوزيّ (٢) : فحدّثني بعض الحاجّ أنّ زرّاقا ضرب بالنّفط دارا فاشتعلت ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، وكانت تلك الدّار لأيتام ، ثمّ سوّى قارورة نفط ليضرب بها ، فجاء حجر فكسرها ، فعادت إليه وأحرقته. وبقي ثلاثة أيّام فتفسّخ الجسد ، ورأى بنفسه العجائب ، ثمّ مات.

قال (٣) : ثمّ ذلك الأمير الجديد قال : لا أجسر أن أقيم بعد الحاجّ بمكّة. فأمّروا غيره.

[وقعة تلّ السلطان]

وفيها كانت وقعة تلّ السّلطان ، وحديث ذلك أنّ عسكر الموصل نكثوا وحنثوا ووافوا تلّ السّلطان بنواحي حلب في جموع كثيرة ، وعلى الكلّ السّلطان سيف الدّين غازي بن مودود بن زنكي ، فالتقاهم السّلطان صلاح الدّين في جمع قليل ، فهزمهم وأسرهم ، ونهب ، وحقن دماءهم. ثمّ أحضر الأمراء الّذين أسرهم فأطلقهم ومنّ عليهم (٤).

قال ابن الأثير (٥) : لم يقتل من الفريقين ـ على كثرتهم ـ إلّا رجل

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٦٠ (١٨ / ٢٢٤).

(٢) في المنتظم ١٠ / ٢٦٠ (١٨ / ٢٢٤).

(٣) في المنتظم ١٠ / ٢٦٠ (١٨ / ٢٢٤).

(٤) النوادر السلطانية ٥١ ، ٥٢ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٠١ ، ٢٠٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٩ ، زبدة الحلب ٣ / ٢٦ ، مفرّج الكروب ٢ / ٣٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٤٩ ـ ٦٥٥ ، تاريخ الزمان ١٩٢ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٦ ، ١٤٧ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٣٣ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٧٨ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٨ ، العبر ٤ / ٢١٢ ، دول الإسلام ٢ / ٨٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٦ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦١ ، شفاء القلوب ٨٨ ـ ٩١ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٦ ، تاريخ الأزمنة للدويهي ١٧٦ ـ.

(٥) في الكامل ١١ / ٤٢٨ و ٤٢٩ ـ.

٨

واحد. ووقفت على جريدة العرض ، فكان عسكر سيف الدّين غازي في هذه الوقعة يزيدون على ستّة آلاف فارس ، والرّجّالة ، أقلّ من خمسمائة.

[فتوحات صلاح الدين]

قلت : سار صلاح الدّين إلى منبج فأخذها ، ثمّ سار إلى عزاز ، فنازل القلعة ثمانية وثلاثين يوما ، وورد عليه وهو محاصرها قوم من الفداويّة ، وجرح في فخذه ، وأخذوا وقتلوا. ثمّ افتتح عزاز (١).

[كتاب فاضليّ إلى الخليفة]

ومن كتاب فاضليّ عن صلاح الدين إلى الخليفة «يطالع أنّ الحلبيّين والموصليّين ، لمّا وضعوا السّلاح ، وخفضوا الجناح ، اقتصرنا بعد أن كانت البلاد في أيدينا على استخدام عسكر الحلبيّين في البيكارات (٢) إلى الكفر ، وعرضنا عليهم الأمانة فحملوها ، والأيمان فبذلوها. وسار رسولنا ، وحلّف صاحب الموصل يمينا ، جعل الله فيها حكما. وعاد رسوله ليسمع منّا اليمين ، فلمّا حضر وأحضر نسختها أومأ بيده ليخرجها ، فأخرج نسخة يمين كانت بين الموصليّين والحلبيّين على حربنا ، والتّساعد على حزبنا. وقد حلف بها كمشتكين الخادم بحلب ، وجماعة معه يمينا نقضت الأوّل ، فرددنا اليمين إلى يمين الرسول ، وقلنا : هذه يمين عن الأيمان خارجة ، وأردت عمرا وأراد الله خارجة. وانصرف الرسول. وعلمنا أنّ النّاقد بصير ، والمواقف الشّريفة

__________________

(١) النوادر السلطانية ٥٢ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٦ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٠ ، ٤٣١ ، زبدة الحلب ٣ / ٢٨ ـ ٣٠ ، مفرّج الكروب ٢ / ٤٥ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٦٢ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٦ ، تاريخ الزمان ١٩٢ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٧ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ١١٧ (٥٧٢ ه‍.) ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨٠ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٨ ، العبر ٤ / ٢١٢ ، دول الإسلام ٣ / ٨٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٨٦ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٥٧ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦١ ، ٦٢ ، شفاء القلوب ٩٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٦ ، ١٤٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٣٨ ـ.

(٢) البيكارات : جمع البيكار ، وهي كلمة فارسية بمعنى الحرب.

٩

مستخرجة الأوامر إلى الموصليّ إمّا بكتاب مؤكّد بأن لا ينقض العهد ، وإمّا الفسحة لنا في حربه» (١).

[استعراض صلاح الدين ذخائر ابن حسّان]

وقال ابن أبي طيِّئ : لمّا ملك صلاح الدّين منبج في شوّال صعد الحصن ، وجلس يستعرض أموال ابن حسّان وذخائره ، فكانت ثلاثمائة ألف دينار ، فرأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبا «يوسف». فسأل عن هذا الاسم ، فقيل : له ولد يحبّه اسمه يوسف ، كان يدّخر هذه الأموال له. فقال السّلطان : أنا يوسف ، وقد أخذت ما جبى لي (٢).

[جرح السلطان من الحشيشية]

ومن كتاب السّلطان إلى أخيه العادل يقول : ولم ينلني من الحشيشيّ الملعون إلّا خدش قطرت منه قطرات دم خفيفة ، انقطعت لوقتها ، واندملت لساعتها (٣).

[منازلة حلب]

وأما صلاح الدّين فسار من عزاز فنازل حلب في نصف ذي الحجّة ، وقامت العامّة في حفظها بكلّ ممكن. وصابرها صلاح الدّين شهرا ، ثمّ تردّدت الرّسل في الصّلح ، فترحّل عنهم ، وأطلق لابنة نور الدّين قلعة عزاز (٤).

__________________

(١) قارن النص بكتاب الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٤٨ ـ.

(٢) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٥٦ وفيه : «ما خبيء لي» ، وانظر : السلوك ج ١ ق ١ / ٦١ ـ.

(٣) سنا البرق الشامي ١ / ٢١٦ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٥٩ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٣٥ ، الدرّ المطلوب ٦٠ ، العبر ٤ / ٢١٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٣ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦١ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٧٦ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ـ.

(٤) النوادر السلطانية ٥٢ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٦ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٠ ، ٤٣١ ، مفرّج الكروب ٢ / ٤٥ ، زبدة الحلب ٣ / ٢٨ ـ ٣٠ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٦٢ ، تاريخ مختصر الدول ٢١٦ ، تاريخ الزمان ١٩٣ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨١ ، المختصر في

١٠

[كسوف الشمس]

قال ابن الأثير (١) : وفي رمضان انكسفت الشمس ضحوة نهار ، وظهرت الكواكب ، حتّى بقي الوقت كأنّه ليل مظلم ، وكنت صبيّا حينئذ.

__________________

= أخبار البشر ٣ / ٥٨ ، المغرب في حلى المغرب ١٤٧ ، الأعلاق الخطيرة ج ٣ ق ١ / ١١٧ (٥٧٢ ه‍.) ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨١ ، الدر المطلوب ٦٠ ، العبر ٤ / ٢١٢ ، دول الإسلام ٢ / ٨٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧٨٦ مرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٥٧ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦١ ، ٦٢ ، شفاء القلوب ٩٢ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٦ ، ١٤٧ ـ.

(١) في الكامل ١١ / ٤٣٣ ـ.

١١

سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

[وعظ ابن الجوزيّ]

في المحرّم وعظ ابن الجوزيّ ، وحضر الخليفة في المنظرة ، وازدحمت الأمم (١).

[عرس ابنة ابن الجوزيّ]

قال (٢) : وكان عرس ابنتي رابعة ، وحضرت الجهة المعظّمة ، وجهّزتها من عندها بمال كثير.

[نقص دجلة]

وفي صفر نقصت دجلة واخترقت حتّى ظهرت جزائر كثيرة ، وكانوا يجرّون السّفن في أماكن (٣).

[البرد في بغداد]

جاء في آب برد شديد ببغداد ، فنزلوا عن الأسطحة ، ثمّ عاد الحرّ (٤).

[وعظ ابن الجوزي بجامع القصر]

وفي جمادى الآخرة وعظت بجامع القصر ، واجتمع خلائق ، فحزروا الجمع بمائة ألف ، وكان يوما مشهودا (٥).

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٦٢ (١٨ / ٢٢٦).

(٢) ابن الجوزي في : المنتظم ١٠ / ٢٦٢ (١٨ / ٢٢٦).

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٦٢ (١٨ / ٢٢٧).

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٦٢ (١٨ / ٢٢٧).

(٥) المنتظم ١٠ / ٢٦٣ (١٨ / ٢٢٨).

١٢

[وقعة السلجوقي الطامع بالسلطنة]

وفيها قارب بغداد بعض السّلجوقيّة ممّن يروم السّلطنة ، وجاء رسوله ليؤذن له في المجيء ، فلم يلتفت إليه ، فجمع جمعا ، ونهب قرى ، فخرج إليه عسكر فتواقعوا. وخرج جماعة. وعاد العسكر فعاد هو إلى النّهب ، فردّ إليه العسكر وعليهم شكر الخادم ، فترحّل إلى ناحية خراسان (١).

[الزلزلة بالريّ وقزوين]

وفيها كانت بالرّيّ وقزوين زلزلة عظيمة.

[معاقبة الطحّان]

وفيها قال رجل لطحّان : أعطني كارة دقيق. فقال : لا. فقال : والله ما أبرح حتّى آخذ. فقال الطّحّان : وحقّ عليّ الّذي هو خير من الله ما أعطيك. فشهد عليه جماعة ، فسجن أيّاما. ثمّ ضرب مائة سوط ، وسوّد وجهه وصفع والنّاس يرجمونه ، وأعيد إلى الحبس (٢).

[جلوس ابن الجوزيّ]

وجلس ابن الجوزيّ في السّنة غير مرّة ، يحضر فيها الخليفة (٣).

[وقعة الكنز]

وفيها كانت وقعة الكنز مقدّم السّودان بالصّعيد ، جمع خلقا عظيما ، وسار إلى القاهرة في مائة ألف ليعيد دولة العبيديّين ، فخرج إليه العادل سيف الدّين ، وأبو الهيجا الهكّاريّ ، وعزّ الدّين موسك ، فالتقوا ، فقتل الكنز ، وما

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٦٤ (١٨ / ٢٢٩ ، ٢٣٠).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٦٧ (١٨ / ٢٣٢).

(٣) انظر المنتظم ١٠ / ٢٦٥ و ٢٦٧ (١٨ / ٢٣١ و ٢٣٢).

١٣

انتطح عنز مع عنز ، وقتل خلق عظيم من جموعه ، حتّى قيل إنّه قتل منهم ثمانون ألفا. كذا قال أبو المظفّر بن قزغليّ (١) ، فالله أعلم بذلك.

[أخذ صلاح الدين منبج]

وفيها أخذ صلاح الدّين منبج من صاحبها قطب الدّين ينال بن حسّان المنبجيّ ، وكان قد ولّاه إيّاها الملك نور الدّين لمّا انتزعها نور الدّين من أخيه غازي بن حسّان (٢).

[مصالحة صلاح الدين حلب]

وفيها حاصر صلاح الدّين حلب مدّة ،. ثم وقع الصّلح ، وأبقى حلب على الملك الصّالح ابن نور الدّين وردّ عليه عزاز (٣).

[تخريب مصياف]

وعاد إلى مصياف ، بلد الباطنيّة ، فنصب عليها المجانيق ، وأباح قتلهم ، وخرّب بلادهم ، فضرعوا إلى شهاب الدّين صاحب حماه ، خال السّلطان ، فسأل فيهم ، فترحّل (٤) عنهم.

__________________

(١) في مرآة الزمان ٨ / ٣٣٨ ، وانظر : مرآة الجنان ٣ / ٣٩٧ ، والنجوم الزاهرة ٦ / ٧٨ ، وشذرات الذهب ٤ / ٢٤١ ـ.

(٢) مرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ ، زبدة الحلب ٣ / ٢٨ ـ.

(٣) الدرّ المطلوب ٦١ ـ.

(٤) سنا البرق الشامي ١ / ٢١٧ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٦ ، زبدة الحلب ٣ / ٣٠ ، ٣١ ، مفرّج الكروب ٢ / ٤٨ ، تاريخ الزمان ١٩٣ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٦٨ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٨١ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ، العبر ٤ / ٢١٢ ، دول الإسلام ٢ / ٨٥ ، ٨٦ ، ووقع فيه «ميصاف» ، وهو غلط ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٤ ، ٢٩٥ ، تاريخ ابن الوردي ٢ / ٧ ، تاريخ ابن خلدون ٥ / ٢٥٧ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٧ ، شفاء القلوب ٩٢ ، تاريخ الأزمنة ١٧٦ ، ١٧٧ ـ.

١٤

[بناء سور مصر]

وتوجّه إلى مصر وأمر ببناء السّور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة ، وجعل على بنائه الأمير قراقوش (١).

قال ابن الأثير (٢) : دوره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسميّ (٣) ، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدّين.

وقال أبو المظفر ابن الجوزيّ (٤) : ضيّع فيه أموالا عظيمة ، ولم ينتفع به أحد وأمر بإنشاء قلعة بجبل المقطّم وهي الّتي صارت دار السّلطنة.

قال ابن واصل (٥) : شرع بهاء الدّين قراقوش الأسدي فيها ، وقطع الخندق وتعميقه ، وحفر واديه ، وهناك مسجد سعد الدّولة ، فدخل في القلعة ، وحفر فيها بئرا كبيرا في الصّخر. ولم يتأتّ هذا بتمامه إلّا بعد موت السّلطان بمدّة. وبعد ذلك كمل السّلطان الملك الكامل ابن أخي صلاح الدّين العمارات بالقلعة وسكنها. وهو أوّل من سكنها. وإنّما كان سكناه وسكنى من قبله بدار الوزارة بالقاهرة (٦).

__________________

(١) سنا البرق الشامي ١ / ٢٣٩ ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٣٧ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٨٧ ، مفرّج الكروب ٢ / ٥٢ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ، العبر ٤ / ٢١٣ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٩٧ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٣ ، المواعظ والاعتبار ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٩ ، تاريخ ابن سباط ١ / ١٤٨ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٤٢ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٧٨ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٧ ، شفاء القلوب ٩٣ ، تاريخ الأزمنة ١٧٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٤١ ، مآثر الإنافة ٢ / ٥٣ ـ.

(٢) في الكامل ١١ / ٤٣٧ ـ.

(٣) في طبعة صادر من الكامل ١١ / ٤٣٧ «الهاشمي» وكذا في : المختصر لأبي الفداء ٣ / ٥٩ ، أما في : السلوك ج ١ ق ١ / ٦٣ ، وبدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٤٢ «بذراع العمل» ، أخبار الدول ٢ / ١٨٢ ، ١٨٣ ، سنا البرق الشامي ١ / ٢٣٩ ، ٢٤٠ ـ.

(٤) في مرآة الزمان ٨ / ٣٣٨ ـ.

(٥) في مفرّج الكروب ٢ / ٥١ ـ.

(٦) أخبار الدول ٢ / ١٨٣ ، تاريخ الأزمنة ١٧٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٤١ ـ.

١٥

[سماع السلطان من السّلفيّ]

ثمّ سافر إلى الإسكندريّة ، وسمع فيها من السّلفيّ ، وتردّد إليه مرّات عديدة ، وأسمع منه ولديه الملك العزيز ، والملك الأفضل (١).

[بناء تربة الشافعيّ]

ثم عاد إلى مصر وبنى تربة الشافعيّ رضي‌الله‌عنه (٢).

__________________

(١) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦٨٩ ، العبر ٤ / ٢١٤ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٦ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٣ ـ.

(٢) سنا البرق الشامي ١ / ٢٤١ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٣٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٥٩ ، البداية والنهاية ٢ / ٢٩٦ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٣ ، النجوم الزاهرة ٦ / ٧٩ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٨ ، شفاء القلوب ٩٣ ، أخبار الدول ٢ / ١٨٣ ـ.

١٦

سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

[العفو عن تتامش]

في أوّلها دخل بغداد تتامش الأمير الّذي خرج مع قيماز ، ونزل تحت التّاج ، وقبّل الأرض مرارا ، فعفي عنه ، وأعطي إمريّة (١).

[وعظ ابن الجوزيّ]

وحضر ابن الجوزيّ مرّتين فوعظ ، وأمير المؤمنين يسمع ، واجتمع خلق لا يحصون (٢).

وجرت ببغداد همرجة ، وقبض على صاحب الحجاب وعلى جماعة (٣).

[فتوى لابن الجوزيّ]

قال ابن الجوزيّ (٤) : وجاءتني فتوى (٥) في عبد وأمة ، أعتقهما مولاهما ، وزوّج أحدهما بالآخر ، فبقيت معه عشرين سنة ، وجاءت منه بأربعة أولاد ، ثمّ بان الآن أنها أخته لأبويه ، وقد وقعا في البكاء والنّحيب. فعجبت من وقوع هذا ، وأعلمتهما أنّه لا إثم عليهما ، وبوجوب العدّة ، وأنّه يجوز له النّظر إليها نظره إلى أخته ، إلّا أنّه يخاف على نفسه.

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٦٩ (١٨ / ٢٣٥) ، مرآة الزمان ٨ / ٣٤٢ ـ.

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٦٩ (١٨ / ٢٣٥) ، دول الإسلام ٢ / ٨٦ ـ.

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٦٩ (١٨ / ٢٣٥).

(٤) في المنتظم ١٠ / ٢٧١ (١٨ / ٢٣٧ ، ٢٣٨).

(٥) في الأصل : «فتوة».

١٧

[تكلّم ابن الجوزيّ]

وفي ليلة رجب تكلّمت تحت المنظرة الشّريفة ، والخليفة حاضر ، ومن الغد حضرنا دعوة الخليفة الّتي يعملها كلّ رجب ، وحضر الدّولة ، والعلماء ، والصّوفيّة ، وختمت ختمة ، وخلع على جماعة كثيرة ، وانصرف من عادته الانصراف ، وبات الباقون على عادتهم لسماع الأبيات ، وفرّق عليهم المال (١).

[بناء مسجد عظيم ببغداد]

وفيها عمل الخليفة مسجدا عظيما ببغداد ، وجعل إمامه حنبليّا ، وزخرفه. وتقدّم إليّ فصلّيت فيه التّراويح (٢).

وتكلّمت في رمضان في دار صاحب المخزن وازدحموا ، وكان الخليفة حاضرا (٣).

[هبوب الريح ببغداد]

وفي شوّال هبّت ريح عظيمة ببغداد ، فزلزلت الدّنيا بتراب عظيم ، حتّى خيف أن يكون القيامة (٤).

[وقوع البرد]

وجاء برد ودام ساعة ، ووقعت مواضع على أقوام ، ومات بعضهم (٥).

[اغتيال الوزير ابن رئيس الرؤساء]

وتهيّأ الوزير ابن رئيس الرؤساء للحجّ ، فقيل إنّه اشترى ستّمائة جمل ،

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٧١ (١٨ / ٢٣٨).

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٧٢ (١٨ / ٢٣٩).

(٣) المنتظم ١٠ / ٢٧٢ (١٨ / ٢٣٩).

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٧٢ (١٨ / ٢٣٩) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٦ ـ.

(٥) المنتظم ١٠ / ٢٧٢ (١٨ / ٢٣٩).

١٨

منها مائة للمنقطعين ، ورحل في رابع ذي القعدة ، فلمّا وصل في الموكب إلى باب قطفتا (١) قال رجل : يا مولانا أنا مظلوم. وتقرّب ، فزجره الغلمان ، فقال : دعوه. فتقدّم إليه ، فضربه بسكّين في خاصرته ، فصاح الوزير : قتلني. ووقع وانكشف رأسه ، فغطّى رأسه بكمّه على الطّريق ، وضرب ذلك الباطنيّ بسيف. فعاد وضرب الوزير ، فهبروه بالسّيوف. وقيل : كانوا اثنين ، وخرج منهم شابّ بيده سكّين فقتل ، ولم يعمل شيئا ، وأحرق الثّلاثة. وحمل الوزير إلى داره ، وجرح الحاجب.

وكان الوزير قد رأى أنّه معانق عثمان رضي‌الله‌عنه ، وحكى عنه ابنه أنّه اغتسل قبل خروجه ، وقال : هذا غسل الإسلام فإنّي مقتول بلا شكّ. ثمّ مات بعد الظّهر ، ومات حاجبه باللّيل.

وعمل عزاء الوزير ، فلم يحضره إلّا عدد يسير ، فتعجّب من هذه الحال فإنّه قد يكون عزاء تاجر أحسن من ذلك. وكان انقطاع الدّولة إرضاء لصاحب المخزن.

ولما كان في اليوم الثّاني لم يقعد أولاده ، فلمّا علم السّلطان بالحال أمر أرباب الدّولة بالحضور فحضروا. وتكلّمت على كرسيّ (٢).

[حجابة ابن طلحة الباب]

ثمّ ولّي ابن طلحة حجابة الباب ، وبعث صاحب المخزن بعلامة بعد ثلاث إلى الأمير تتامش فحضر ، فوكّل به في حجرة من داره ، ونفّذ إلى بيته ، فأخذت الطّبل والكوسات ، وكلّ ما في الدار. واختلفت الأراجيف في دينه ، وقيل إنه اتّهم بالوزير ، وخيف أن تكون نيّته رزيّة للخليفة ، فقيل إنّه كاتب أمراء خراسان ، وما صحّ ذلك.

__________________

(١) قطفتا : اسم قرية صارت الآن من محلّات بغداد ، وكانت مجاورة لمقبرة الشيخ معروف الكرخي.

(٢) المنتظم ١٠ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ (١٨ / ٢٤٠ ، ٢٤١) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٦ ، ٤٤٧ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٧١٤ ، ٧١٥ ، مرآة الزمان ٨ / ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، دول الإسلام ٢ / ٧٨٦ مختصر التاريخ لابن الكازروني ٢٤١ ، خلاصة الذهب المسبوك ٢٧٩ ـ.

١٩

وناب صاحب المخزن في الوزارة (١).

[فتنة اليهود]

وجاء أهل المدائن فشكوا من يهود المدائن ، فإنّهم قالوا لهم : قد آذيتمونا بكثرة الأذان. فقال المؤذّن : لا نبالي تأذّيتم أو لا. فتناوشوا وجرت بينهم خصومة استظهر فيها اليهود ، فجاء المسلمون مستصرخين إلى صاحب المخزن ، فأمر بحبس بعضهم ، ثمّ أطلقهم فاستغاثوا يوم الجمعة بجامع الخليفة ، فخفّف الخطيب. فلمّا فرغت الصّلاة استغاثوا ، فخرج إليهم الجند فضربوهم ومنعوهم ، فانهزموا. فغضب العوامّ نصرة للإسلام ، فضجّوا وشتموا ، وقلعوا طوابيق الجامع ، وضربوا بها الجند وبالآجرّ ، وخرجوا فنهبوا المخلّطين (٢) ، لأنّ أكثرهم يهود. فوقف صاحب الباب بيده السّيف مجذوبا ، وحمل على النّاس ثانية فرجموه ، وانقلب البلد ، ونهبوا الكنيسة ، وقلعوا شبابيكها ، وقطّعوا [التوراة] (٣) ، واختفى اليهود. فتقدّم الخليفة بإخراب كنيسة المدائن ، وأن تجعل مسجدا (٤).

[خروج لصوص من الحبس]

وبعد أيّام خرج من الحبس لصوص قطعوا الطّريق ، فصلبوا بالرّحبة ، وكان منهم شابّ هاشميّ (٥).

[وقعة الرملة]

وفيها وقعة الرملة ، فسار السّلطان صلاح الدّين من القاهرة إلى عسقلان

__________________

(١) المنتظم ١٠ / ٢٧٤ ، ٢٧٥ (١٨ / ٢٤١ ، ٢٤٢).

(٢) في المنتظم (طبعة حيدرآباد) ١٠ / ٢٧٥ «المخلطيين» ، وفي (طبعة دار الكتب العلمية) ١٨ / ٢٤٢ ، والمثبت يتفق مع : الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٨ ـ.

(٣) في الأصل بياض ، والمستدرك من : المنتظم ، والكامل.

(٤) المنتظم ١٠ / ٢٧٥ (١٨ / ٢٤٢) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٧ ، ٤٤٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٩٨ ـ.

(٥) المنتظم ١٠ / ٢٧٥ (١٨ / ٢٤٢) ، الكامل في التاريخ ١١ / ٤٤٨ ـ.

٢٠