تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

فارس ثقيف في زمانه إلّا أنّه كان يدمن الخمر زمانا ، وكان أبو بكر يستعين به ، وقد جلد مرارا ، حتّى إنّ عمر نفاه إلى جزيرة ، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقّاص بالقادسيّة ، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلمّا كان يوم قسّ النّاطف (١) والتحتم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحلّ قيده وتعطيه فرسا لسعد ، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد ، فحلّته وأعطته فرسا فقاتل وأبلى بلاء جميلا ثمّ عاد إلى قيده.

قال ابن جريج : بلغني أنّه حدّ في الخمر سبع مرّات.

وقال أيّوب ، عن ابن سيرين قال : كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر ، فلمّا أكثر سجنوه ، فلمّا كان يوم القادسيّة رآهم فكلّم أمّ ولد سعد فأطلقته وأعطته فرسا وسلاحا ، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه ، فنظر إليه سعد فبقي يتعجّب ويقول : من الفارس؟ فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيّد ، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول : لقينا ولقينا ، حتّى بعث الله رجلا على فرس أبلق لو لا أنّي تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائله ، قالت : والله إنّه لأبو محجن ، وحكت له ، فدعا به وحلّ قيوده وقال : لا نجلدك على خمر أبدا ، فقال : وأنا والله لا أشربها أبدا ، كنت آنف أن أدعها لجلدكم ، فلم يشربها بعد (٢).

__________________

= الثقفي ، وقيل : مالك بن حبيب ، وقيل : عبد الله بن حبيب ، وقيل : اسمه كنيته.

(١) في نسخة دار الكتب «الطائف» وهو تحريف. وهو يوم «أرماث». وفي معجم البلدان ١ / ٢١١ أرماث كأنّه جمع رمث. اسم نبت بالبادية. كان أول يوم من أيام القادسيّة يسمّونه يوم أرماث وذلك في أيام عمر بن الخطاب وإمارة سعد بن أبي وقّاص. وفي المعجم أيضا ٤ / ٩٧ «قسّ الناطف» : موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي كانت به وقعة بين الفرس والمسلمين في سنة ١٣ ه‍ ـ. في خلافة عمر بن الخطاب ، وأمير المسلمين أبو عبيد بن مسعود بن عمرو ، ويعرف هذا اليوم بيوم الجسر.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٥٧٥ ، الأغاني ١٩ / ٦ ـ ٨ ، الشعر والشعراء ١ / ٣٣٦ ، ٣٣٧ ، أسد الغابة ٥ / ٢٩١.

٣٠١

روى نحوه أبو معاوية الضرير ، عن عمرو بن مهاجر ، عن إبراهيم بن محمد بن سعد ، عن أبيه قال : لمّا كان يوم القادسيّة أتي بأبي محجن سكران [يمشي بين] النّاس يبتغي عند أحد من أولئك الرّهط رأيا ولا يطئون عقبه ، ومال النّاس فقيّده سعد ، وذكر الحديث.

ونقل أهل الأخبار أنّ أبا محجن هو القائل :

إذا متّ فادفني إلى جنب (١) كرمة

تروّي عظامي بعد موتي عروقها

 ولا تدفنّي بالفلاة فإنّني

أخاف إذا ما متّ ألّا أذوقها (٢)

 فزعم الهيثم بن عديّ أنّه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان ـ أو قال في نواحي جرجان ـ وقد نبتت عليه كرمة وظلّلت وأثمرت ، فعجب الرجل وتذكّر شعره (٣).

__________________

(١) في الأغاني ١٩ / ٧ «أصل».

(٢) أذوقها : مرفوعة باعتبار «أن» مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أو ضمير متكلّم محذوف ، وجملة أذوقها خبر. وانظر : خزانة الأدب ٣ / ٥٥٠ طبعة بولاق.

(٣) الأغاني ١٩ / ١٣.

٣٠٢

سنة أربع وعشرين

خلافة عثمان رضي‌الله‌عنه

دفن عمر رضي‌الله‌عنه في أوّل المحرّم ، ثمّ جلسوا للشّورى : فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أنّ رجلا قال قبل الشّورى : إن بايعتم لعثمان أطعنا ، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا.

وقال المسور بن مخرمة : جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال : ما ذاقت عيناي كثير نوم ثلاث ليال فادع لي عثمان وعليّا والزّبير وسعدا ، فدعوتهم ، فجعل يخلو بهم واحدا واحدا يأخذ عليه ، فلمّا أصبح صلّى صهيب بالنّاس ، ثمّ جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه ، وقال في كلامه : إنّي رأيت النّاس يأبون إلّا عثمان (١).

وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أخبرني المسور إنّ النّفر الذين ولّاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن : لست بالّذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم ، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ،

__________________

(١) أخرجه البخاري في التاريخ الصغير ١ / ٥٠ تحقيق محمود إبراهيم زائد ، وابن عساكر (ترجمة عثمان بن عفان) ـ تحقيق سكينة الشهابي ١٨٢ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ١٥٣.

٣٠٣

قال : فو الله ما رأيت رجلا بذّ قوما أشدّ ما بذّهم حين ولّوه أمرهم ، حتّى ما من رجل من على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك اللّيالي ، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا ، وذكر الحديث إلى أن قال : فتشهّد وقال : أمّا بعد يا عليّ فإنّي قد نظرت في النّاس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا ، ثمّ أخذ بيد عثمان فقال : نبايعك على سنّة الله وسنّة رسوله وسنّة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار (١).

وعن أنس قال : أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاريّ فقال : كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النّفر أصحاب الشّورى فإنّهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت ، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتّى يؤمّروا أحدهم ، اللهمّ أنت خليفتي عليهم (٢).

وفي زيادات «مسند أحمد» من حديث أبي وائل قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف : كيف بايعتم عثمان وتركتم عليّا! قال : ما ذنبي قد بدأت بعليّ فقلت : أبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال : فيما استطعت. ثمّ عرضت ذلك على عثمان فقال : نعم (٣).

وقال الواقديّ : اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجّة (٤).

ويروى أنّ عبد الرحمن قال لعثمان خلوة : إن لم أبايعك فمن تشير

__________________

(١) أخرجه ابن عساكر في ترجمة عثمان بن عفان (تحقيق سكينة الشهابي) ـ ص ١٨٣.

(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣ / ٦١ ، ٦٢ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٨٧.

(٣) تاريخ الخلفاء.

(٣) تاريخ الخلفاء ١٥٤.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٦٣ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٢.

٣٠٤

عليّ؟ فقال : عليّ ، وقال لعليّ خلوة : إن لم أبايعك فمن تشير عليّ؟ قال : عثمان ، ثمّ دعا الزّبير فقال : إن لم أبايعك فمن تشير عليّ؟ قال : عليّ أو عثمان ، ثمّ دعا سعدا فقال : من تشير عليّ فأما أنا وأنت فلا نريدها؟ فقال : عثمان ، ثمّ استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم (١) في عثمان (٢).

ثمّ نودي : (الصّلاة جامعة) وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عمّمه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. متقلّدا سيفه ، فصعد المنبر ووقف طويلا يدعو سرّا ، ثمّ تكلّم فقال : أيّها النّاس إنّي قد سألتكم سرّا وجهرا على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين : إمّا عليّ وإما عثمان ، قم إليّ يا عليّ ، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال : اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ، فقال : قم يا عثمان ، فأخذ بيده في موقف عليّ فقال : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال : اللهمّ نعم ، قال فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثمّ قال : اللهمّ اشهد اللهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.

فازدحم النّاس يبايعون حتّى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدّرجة الثانية ، وقعد عبد الرحمن مقعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المنبر. قال : وتلكّأ عليّ ، فقال عبد الرحمن : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (٣). فرجع عليّ يشقّ النّاس حتّى بايع عثمان وهو يقول : خدعة وأيّما خدعة (٤).

__________________

(١) في النسخة (ح) : «أكثر الناس» بدل «أكثرهم».

(٢) تاريخ الخلفاء ١٥٤.

(٣) سورة الفتح ، الآية ١٠.

(٤) قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٤٧ : «وما يذكره كثير من المؤرخين كابن جرير

٣٠٥

ثمّ جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطّاب ، وكان محبوسا في دار سعد ، وسعد الّذي نزع السّيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة ، وجعل عبيد الله يقول : والله لأقتلنّ رجالا ممّن شرك في دم أبي ، يعرّض بالمهاجرين والأنصار ، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتّى أضجعه وحبسه ، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين ، أشيروا عليّ في هذا الّذي فتق في الإسلام ما فتق ، فقال عليّ : أرى أن تقتله ، فقال بعضهم : قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم ، فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث (١) ولك على المسلمين سلطان ، إنّما تمّ هذا ولا سلطان لك ، قال عثمان : أنا وليّهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي (٢).

قلت : والهرمزان هو ملك تستر ، وقد تقدّم إسلامه ، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر ، فجاء عمّار بن ياسر فدخل على عمر فقال : حدث اليوم حدث في الإسلام ، قال : وما ذاك؟ قال قتل عبيد الله الهرمزان ، قال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عليّ به ، وسجنه.

قال سعيد بن المسيّب : اجتمع أبو لؤلؤة وجفينة ، رجل من الحيرة ، والهرمزان ، معهم خنجر له طرفان مملكة في وسطه ، فجلسوا مجلسا فأثارهم

__________________

= وغيره عن رجال لا يعرفون أنّ عليّا قال لعبد الرحمن خدعتني وإنّك إنّما ولّيته لأنّه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه ، وأنه تلكّأ حتى قال له عبد الرحمن : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ...) إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصّحاح فهي مردودة على قائليها وناقليها. والله أعلم.

والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها ، ومستقيما وسقيمها ، ومبادها وقويمها. والله الموفق للصواب».

وانظر : تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٨ ، ٢٣٩.

(١) في الأصل ، ح (هذا الحديث) وهو وهم.

(٢) طبقات ابن سعد ٣ / ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٩.

٣٠٦

دابّة فوقع الخنجر ، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر ، فلمّا طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفيّة الخنجر ، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك ، فوثب عبيد الله فقتل الهرمزان ، وجفينة ، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة ، فلما استخلف عثمان قال له عليّ : أقد عبيد الله من الهرمزان ، فقال عثمان : ما له وليّ غيري ، وإنّي قد عفوت ولكن أديه (١).

ويروى أنّ الهرمزان لمّا عضّه السّيف قال : لا إله إلّا الله. وأمّا جفينة فكان نصرانيّا ، وكان ظئرا لسعد بن أبي وقّاص أقدمه للمدينة للصّلح الّذي بينه وبينهم وليعلّم النّاس الكتابة (٢).

* * *

وفيها افتتح أبو موسى الأشعريّ الرّيّ ، وكانت قد فتحت على يد حذيفة ، وسويد بن مقرّن ، فانتقضوا (٣).

* * *

وفيها أصاب النّاس رعاف كثير ، فقيل لها سنة الرّعاف ، وأصاب عثمان رعاف حتّى تخلّف عن الحجّ وأوصى. وحجّ بالنّاس عبد الرحمن بن عوف (٤).

__________________

(١) ابن سعد ٣ / ٣٥٦ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٩ ـ ٢٤٣.

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٠.

(٣) تاريخ خليفة ١٥٧.

(٤) تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٢ وانظر ٢٤٩.

٣٠٧

الوفيات

خ ٤ (سراقة بن مالك) (١) بن جعشم أبو سفيان المدلجيّ. توفّي في هذه السّنة ، وكان ينزل قديدا ، وهو الّذي ساخت قوائم فرسه (٢). ثم أسلم وحسن إسلامه ، وله حديث في العمرة.

روى عنه جابر بن عبد الله ، وابن عبّاس ، وسعيد بن المسيّب (٣) ،

__________________

(١) المغازي للواقدي ٣١ و ٣٨ و ٣٩ و ٧١ و ٧٥ و ١٣٥ و ٩٤١ ، تهذيب سيرة ابن هشام ١١٦ ، ١١٧ ، ١٣٨ ، طبقات خليفة ٣٤ ، تاريخ خليفة ١٥٧ ، البرصان والعرجان ٧٧ ، ٧٨ ، تاريخ الطبري ٢ / ٤٣١ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٢٤٠ و ٣٩٥ و ٢ / ٦٢٧ ، الكنى والأسماء ١ / ٧١ و ٧٣ ، التاريخ الكبير ٢٠٨ ، ٢٠٩ رقم ٢٥٢٣ ، أنساب الأشراف ٢٦٣ و ٢٩٥ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ٩١ رقم ١٣٠ ، الجرح والتعديل ٤ / ٣٠٨ رقم ١٣٤٢ ، مشاهير علماء الأمصار ٣٢ رقم ١٧٠ ، الاستيعاب ٢ / ١١٩ ـ ١٢١ ، ثمار القلوب ٦٦ و ١٢٠ ، جمهرة أنساب العرب ١٨٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٦١٩ ، ٦٢٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٨٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ١ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، تحفة الأشراف ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠ رقم ١٧٩ ، تهذيب الكمال ١ / ٤٦٦ ، الكاشف ١ / ٢٧٥ رقم ١٨٢٥ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٦١٩ ، ٦٢٠ ، مرآة الجنان ١ / ٨٢ ، الوافي بالوفيات ١٥ / ١٣٠ ، رقم ١٨٥ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤٥٦ رقم ٨٥٤ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٨٤ رقم ٦٠ ، الإصابة ٢ / ١٩ رقم ٣١١٦ ، الأسامي والكنى للحاكم (مخطوط) دار الكتب المصرية ١ / ٢٥٥ ، ٢٥٦.

(٢) وذلك حينما لحق بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر الصّدّيق رضي‌الله‌عنه ، حين خرجا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، وقصّته مذكورة في السيرة النبويّة.

(٣) إن صحّ أن سراقة مات سنة ٢٤ ه‍ ـ. فرواية ابن المسيّب ومن بعده عنه مرسلة.

٣٠٨

وطاوس ، ومجاهد ، وجماعة.

وكان إسلامه بعد غزوة الطّائف ، وقيل : توفّي بعد مقتل عثمان.

* * *

وفيها عزل عثمان عن الكوفة المغيرة بن شعبة وولّاها سعد بن أبي وقّاص (١).

* * *

[بقيّة حوادث السنة]

وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه ، فسبى وغنم ورجع (٢).

* * *

وفيها جاشت الروم حتّى استمدّ أمراء الشّام من عثمان مددا فأمدّهم بثمانية آلاف من العراق ، فمضوا حتّى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشّام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهليّ ، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهريّ ، فشنّوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصونا كثيرة (٣).

* * *

وفيها ولد عبد الملك بن مروان الخليفة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٦.

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٢٤٧.

٣٠٩
٣١٠

سنة خمس وعشرين

فيها عزل عثمان سعدا عن الكوفة واستعمل عليها :

الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أميّة الأمويّ ، أخو عثمان لأمّه ، كنيته أبو وهب (١).

له صحبة ورواية (٢).

روى عنه أبو موسى الهمذاني ، والشّعبيّ.

قال طارق بن شهاب : لما قدم الوليد أميرا أتاه سعد فقال : أكست بعدي أو استحمقت بعدك؟ قال : ما كسنا ولا حمقت ولكنّ القوم استأثروا عليك بسلطانهم (٣). وهذا ممّا نقموا على عثمان كونه عزل سعدا وولّى الوليد بن عقبة ، فذكر حصين بن المنذر أنّ الوليد صلّى بهم الفجر أربعا وهو

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٥٧ تاريخ الطبري ٤ / ٢٥١.

(٢) رمزه في الخلاصة «د».

(٣) في الاستيعاب لابن عبد البرّ ٣ / ٦٣٣ : «والله ما أدري أكسبت بعدنا أم حمقنا بعدك ، فقال :

لا تجزعنّ أبا إسحاق فإنّما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخرون. فقال سعد : أراكم والله ستجعلونها ملكا». وانظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٨٣.

٣١١

سكران ، ثمّ التفت وقال : أزيدكم (١)!

* * *

ويقال : فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى برذعة ، فقتل وسبى (٢).

* * *

وفيها انتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم ، فردّ عثمان السّبي إلى ذمّتهم ، وكان ملك الروم بعث إليها منويل الخصيّ في مراكب فانتقض أهلها ـ غير المقوقس ـ فغزاهم عمرو في ربيع الأول ، فافتتحها عنوة غير المدينة (٣) فإنّها صلح.

* * *

وفيها عزل عثمان عمرا عن مصر ، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح (٤). والصّحيح أنّ ذلك في سنة سبع وعشرين. واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له (٥).

* * *

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٥ وفيه قصّة لا يمكن التسليم بها ، ومروج الذهب ٢ / ٣٤٤ وقد علّق القاضي أبو بكر بن العربيّ على هذا الموضوع في كتابه «العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة» ، كما علّق عليه محقّق الكتاب محبّ الدين الخطيب تعليقا مسهبا وافيا دحض فيه هذه الفرية المدسوسة على هذا الصحابيّ الجليل. (الحاشية رقم (٢) من الصفحة ٦٩ و ٧٠).

(٢) تاريخ خليفة ١٥٨.

(٣) في تاريخ خليفة ١٥٨ «غير عين شمس» بدل «المدينة». وانظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤ ، والطبري ٤ / ٢٥٠.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤.

(٥) اليعقوب ٢ / ١٦٥.

٣١٢

ويقال فيها ولد يزيد بن معاوية (١).

وحجّ بالنّاس عثمان رضي‌الله‌عنه (٢).

__________________

(١) الطبري ٤ / ٢٥٠ ، الكامل لابن الأثير ٣ / ٨٦.

(٢) تاريخ خليفة ١٥٨ ، الطبري ٤ / ٢٥٠ ، ابن الأثير ٣ / ٨٦.

٣١٣
٣١٤

سنة ستّ وعشرين

فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسّعه ، واشترى الزّيادة من قوم ، وأبى آخرون ، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال ، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وقال : ما جرّأكم عليّ إلّا حلمي ، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيّحوا عليه ، ثم كلّموه فيهم فأطلقهم (١).

وفيها فتحت سابور وأميرها عثمان بن أبي العاص الثّقفي ، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف (٢).

وقيل (٣) عزل عثمان سعدا عن الكوفة لأنّه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما ، فغضب عثمان من سعد وعزله [واستعمل الوليد بن عقبة] (٤) ، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رفق برعيّته (٥).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٢٥١ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤ ، ١٦٥ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٨٧ ، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام للقاضي تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكّي المالكي (بتحقيقنا) طبعة دار الكتاب العربيّ ، بيروت ، ١٤٠٥ ه‍ ـ. / ١٩٨٥ م. ـ ج ١ / ٣٥٩ ، تاريخ خليفة ١٥٩.

(٢) تاريخ خليفة ١٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٥.

(٣) هكذا في الأصل وغيره من النّسخ ، وفي البداية والنهاية لابن كثير ٧ / ١٥١ «وفيها» بدل «وقيل».

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من نسختي : (ح) ودار الكتب ، وهو موجود في الأصل. ويقتضيه السياق.

(٥) تاريخ الطبري ٤ / ٢٥١ ، ٢٥٢.

٣١٥
٣١٦

سنة سبع وعشرين

فيها غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش ، وكان معه عبادة بن الصّامت ، وزوجة عبادة أم حرام بنت ملحان الأنصاريّة خالة أنس ، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة (١) ، وكان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يغشاها (٢) ويقيل عندها وبشّرها بالشّهادة (٣) ، فقبرها بقبرس يقولون هذا قبر المرأة الصالحة.

__________________

(١) ينفرد «صالح بن يحيى» في «تاريخ بيروت وأمراء بني بحتر» ـ ص ١٤ بالقول إنّها ماتت في بيروت بعد عودتها من قبرس. بينما تكاد المصادر الأقدم تجمع على أنّها توفيت في الجزيرة.

(انظر : تاريخ خليفة بن خيّاط ١٦٠ ، ربيع الأبرار للزمخشري ١ / ٢٤٠ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ / ٤٣٤ ، تاريخ دمشق (تراجم النساء) تحقيق سكينة الشهابي ـ ص ٤٨٦ ـ ٤٩٦ ، نهاية الأرب للنويري ١٩ / ٤١٦).

(٢) في النسخة (ح) : «يغشى بيتها».

(٣) قال ابن سعد في الطبقات ٨ / ٤٣٥ : أخبرنا عفان بن مسلم ، حدّثنا حمّاد بن سلمة ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبّان ، عن أنس بن مالك ، عن أمّ حرام بنت ملحان قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيتي فاستيقظ وهو يضحك. قالت : قلت : يا نبيّ الله بأبي أنت وأمّي ، ممّ تضحك؟ قال : ناس من أمّتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرّة قالت : قلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت منهم. قالت : ثم قال فاستيقظ وهو يضحك ، قلت : يا رسول الله ممّ تضحك؟ قال : ناس من أمّتي يركبون هذا البحر كالملوك على الأسرّة. قالت : قلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأوّلين. قال : فغزت مع زوجها عبادة بن الصّامت فوقصتها راحلتها فماتت. قال عفّان : أحسبه قال : يركبون ظهر هذا البحر.

٣١٧

روت عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عنها أنس بن مالك ، وعمير بن الأسود العنسيّ ، ويعلى بن شدّاد ابن أوس ، وغيرهم.

* * *

وقال داود بن أبي هند : صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبع وعشرين أهل أرّجان على ألفي ألف ومائتي ألف ، وصالح أهل دارابجرد (١) على ألف ألف وثمانين ألفا (٢).

وقال خليفة (٣) : فيها عزل عثمان عن مصر عمرا وولّى عليها عبد الله بن سعد (٤) ، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزّبير (٥) ، فالتقى هو وجرجير بسبيطله (٦) على يومين من القيروان ، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل ، وقيل في مائة وعشرين ألفا ، وكان المسلمون في عشرين ألفا.

قال مصعب بن عبد الله : ثنا أبي ، والزّبير بن خبيب (٧) قالا : قال ابن الزّبير : هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألف ، فأحاطوا بنا

__________________

(١) قال ياقوت : بعد الألف الثانية باء موحّدة ثم جيم ثم راء ودال مهملة. ولاية بفارس. (معجم البلدان ٢ / ٤١٩).

(٢) تاريخ خليفة ١٥٩ وفيه : «وصالح أهل درابجرد على ألفي ألف ومائتي ألف».

(٣) في تاريخه ١٥٩.

(٤) «بن أبي سرح» كما في تاريخ خليفة ، والمنتقى لابن الملّا.

(٥) لذلك سمّي هذا الجيش «جيش العبادلة». (نهاية الأرب للنويري ٢٤ / ٧ ، ٨).

(٦) في نسخة دار الكتب «بسنبطلة» ، وهو تصحيف ، والتصحيح من الأصل ومعجم البلدان ٣ / ١٨٧ قال ياقوت : «مدينة من مدن إفريقية ، وهي كما يزعمون مدينة جرجير الملك الرومي وبينها وبين القيروان سبعون ميلا».

(٧) في نسخة دار الكتب «ثنا أبي الزبير بن حبيب» وهو تحريف وتصحيف ، والتصحيح من الأصل ، والنسختين (ع) و (ح) والمنتقى نسخة أحمد الثالث ، وجمهرة نسب قريش ٩٩.

٣١٨

ونحن في عشرين ألفا. واختلف النّاس على عبد الله بن أبي سرح ، فدخل فسطاطا له فخلا فيه ، ورأيت أنا غرّة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظلّلان عليه بريش الطّواويس ، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد ، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي النّاس ، فاخترت منهم ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم : البثوا على مصافّكم ، وحملت في الوجه الّذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي : احملوا لي ظهري ، فو الله ما نشبت أن خرقت الصّف إليه فخرجت صامدا (١) له ، وما يحسب هو ولا أصحابه إلّا أنّي رسول إليه ، حتّى دنوت منه فعرف الشّر ، فوثب على برذونه وولّى مدبرا (٢) ، فأدركته ثمّ طعنته ، فسقط ، ثمّ دففت عليه بالسّيف ، ونصبت رأسه على رمح وكبّرت ، وحمل المسلمون ، فارفضّ أصحابه من كلّ وجه ، وركبنا أكتافهم (٣).

وقال خليفة (٤) : ثنا من سمع ابن لهيعة يقول : ثنا أبو الأسود ، حدّثني أبو إدريس أنّه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها ، فأصاب كلّ إنسان ألف دينار.

وقال غيره : سبوا وغنموا فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار (٥) ، وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها ، ثمّ اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم.

وقسّم ابن أبي سرح ما أفاء الله عليهم وأخذ خمس الخمس بأمر

__________________

(١) في المنتقى لابن الملّا (ساعدا) وهو تحريف.

(٢) في الأصل ومنتقى أحمد الثالث والمنتقى لابن الملّا ، ع ، ح (مبادرا).

(٣) البداية والنهاية ٧ / ١٥٢ وانظر نهاية الأرب ٢٤ / ١٣ ـ ١٧ ، والكامل في التاريخ ٣ / ٨٩ ـ ٩٣ ، والتذكرة الحمدونية ٢ / ٤١٦ ، ٤١٧ رقم ١٠٧٤ ، والبيان المغرب ١ / ١٠ ـ ١٢ ، والعقد الثمين ٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٤) في تاريخه ـ ص ١٦٠.

(٥) فتوح مصر لابن عبد الحكم ١٨٤ ، نهاية الأرب للنويري ٢٤ / ١٦.

٣١٩

عثمان ، وبعث إليه بأربعة أخماسه ، وضرب فسطاطا في موضع القيروان ووفّدوا وفدا (١) ، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال : أنا نقلته ، وذلك إليكم الآن ، فإن رضيتم فقد جاز ، وإن سخطتم فهو ردّ ، قالوا : إنّا نسخطه ، قال : فهو ردّ ، وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم.

قالوا : فاعزله عنّا. فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ترضاه واقسم ما نفّلتك فإنّهم قد سخطوا ، فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر ، وقد فتح الله إفريقية ، فما زال أهلها أسمع النّاس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك (٢).

وروى سيف بن عمر ، عن أشياخه ، أنّ عثمان أرسل عبد الله بن نافع ابن الحصين ، وعبد الله بن نافع الفهريّ من فورهما ذلك إلى الأندلس ، فأتياها من قبل البحر ، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس (٣) : أمّا بعد فإنّ القسطنطينية إنّما تفتح من قبل الأندلس ، وإنّكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر ، والسلام (٤). فعن كعب قال : يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة (٥).

قال : فخرجوا إليها فأتوها من برّها وبحرها ، ففتحها الله على المسلمين ، وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية. ولم يزل أمر (٦) الأندلس كأمر إفريقية ، حتّى أمر هشام فمنع البربر أرضهم.

__________________

(١) هكذا في الأصل ونسخة دار الكتب ، ح ، وفي بعض النسخ (ووفد وفد على عثمان).

(٢) تاريخ الطبري ٤ / ٢٥٤.

(٣) غند ابن جرير (من أهل الأندلس).

(٤) في نسخة دار الكتب «والسلامة». والمثبت من الأصل وغيره من النسخ ، وتاريخ الطبري ، والوثائق السياسية للدكتور محمد حميد الله ٣٩٦.

(٥) تاريخ الطبري ٤ / ٢٥٥.

(٦) في نسخة دار الكتب «أمراء» في الموضعين ، وهو خطأ على ما في الأصل وغيره.

٣٢٠