تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٦

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الطبقة التاسعة

سنة إحدى وثمانين

توفّي فيها : أبو القاسم محمد بن الحنفيّة.

وسويد بن غفلة.

وعبد الله بن شدّاد بن الهاد.

وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.

* * *

وفيها خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الطّاعة ، وتابعه النّاس ، وسار يقصد الحجّاج ، وقد ذكرنا في السنة الماضية سبب خروجه.

قال المدائنيّ : لما أجمع ابن الأشعث المسير من سجستان وقصد العراق ، لقي ذرّا (١) الهمدانيّ ، فوصله وأمره أن يحضّ الناس ، فكان يقصّ كلّ يوم ، وينال من الحجّاج ثمّ سار الجيش وقد خلعوا الحجّاج ، ولا يذكرون خلع عبد الملك بن مروان (٢).

وقال غيره : فاستصرخ الحجّاج بعبد الملك ، ثمّ سار ، وقدّم الحجّاج طليعته ، فالتقى ابن الأشعث وهم عند دجيل يوم الأضحى ، فانكشف عسكر الحجّاج وانهزم إلى البصرة ، فتبعه ابن الأشعث ، وكان مع ابن الأشعث خلق

__________________

(١) في طبعة القدسي ٣ / ٢٢٦ «لقي عازرا» ، وما أثبتناه عن تاريخ خليفة : وفيه : «دعا ذرّا أبا عمر بن ذرّ الهمدانيّ».

(٢) تاريخ خليفة ٢٨٠.

٥

من المطّوّعة من البصرة ، فدخلوها ، فخرج الحجّاج إلى طفّ البصرة (١).

قال ابن عون : فرأيت ابن الأشعث متربّعا على المنبر يتوعّد الذين تخلّفوا عنه توعّدا شد (٢) ان.

قال غيره : فبايعه على حرب الحجّاج وعلى خلع عبد الملك جميع أهل البصرة من القرّاء والعلماء ، ثمّ خندق ابن الأشعث على البصرة وحصّنها (٣).

* * *

وفيها غزا موسى بن نصير كعادته بالمغرب ، فقتل وسبى في أهل طبنة (٤)

* * *

وفيها أصابت الصّاعقة صخرة بيت المقدس.

* * *

وفيها قتل بحير بن ورقاء الصّريميّ وكان من كبار القوّاد بخراسان ، قاتله ابن خازم وظفر به فقتله ، ثمّ قتل بكير بن وساج (٥) ، فحمل عليه رهط بكير فقتلوه بعد ذلك (٦)

* * *

__________________

(١) انظر : الكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٥ ، وتاريخ خليفة ٢٨١.

(٢) تاريخ خليفة ٢٨١.

(٣) الكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٥.

(٤) تاريخ خليفة ٢٨١ وطبنة : بضم أوله ثم السكون. بلدة في طرف إفريقية مما يلي المغرب على ضفة الذّاب. (معجم البلدان ٤ / ٢١).

(٥) يرد في المصادر «وساج» بالسين المهملة ، و «وشاج» بالشين والجيم المعجمتين.

(٦) انظر : تاريخ الطبري ٦ / ٣٣١ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٥٧ ، ونهاية الأرب ٢١ / ٢٢٩.

٦

وفيها حجّ بالناس سليمان بن عبد الملك بن مروان (١) ، وحجّت معه أمّ الدّرداء (٢).

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٨١ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٨١ ، وتاريخ الطبري ٦ / ٣٤١ ، ومروج الذهب (طبعة محيي الدين عبد الحميد) ٤ / ٣٩٩ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٦ ، ونهاية الأرب ٢١ / ٢٥٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٦.

٧

سنة اثنتين وثمانين

فيها :

قتل جماعة مع ابن الأشعث.

ومات : سفيان بن وهب الخولانيّ.

وأبو عمر زاذان الكنديّ.

* * *

وفيها كانت وقعة الزّاوية بالبصرة بين ابن الأشعث وبين جيش الحجّاج (١).

ولابن الأشعث مع الحجّاج وقعات كثيرة : منها وقعة دجيل المذكورة يوم عيد الأضحى ، وهذه الوقعة ، ووقعة دير الجماجم (٢) ، ووقعة الأهواز.

فيقال إنّه خرج مع ابن الأشعث ثلاثة وثلاثون ألف فارس ، ومائة وعشرون ألف راجل ، فيهم علماء وفقهاء وصالحون ، خرجوا معه طوعا على الحجّاج.

وقيل : كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم ، فكانت منها ثلاث وثمانون على الحجّاج ، وواحدة له.

قال ابن جرير الطّبريّ (٣) : كانت وقعة دير الجماجم في شعبان سنة

__________________

(١) انظر عن وقعة الزاوية في : تاريخ خليفة ٢٨١ ، وتاريخ الطبري ٦ / ٣٤٢ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٨ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٧ ، ٤٦٨ ، ونهاية الأرب ٢١ / ٢٣٧.

(٢) دير الجماجم : بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة. (معجم البلدان ٢ / ٥٠٣).

(٣) في تاريخه ٤ / ٣٤٦.

٨

اثنتين ، قال ابن جرير : وفي قول بعضهم هي في سنة ثلاث وثمانين.

فذكر هشام بن الكلبيّ ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال : حدّثني أبو الزّبير الهمدانيّ قال : خرجت مع ابن الأشعث ، وخرج أهل الكوفة يستقبلونه ، فقال لي : اعدل عن الطّريق لا يرى الناس جراحتكم ، فإنّي لا أحبّ أن يستقبلهم الجرحى ، فلمّا دخل الكوفة مالوا إليه كلّهم ، وحفّت به همدان ، إلّا أنّ طائفة من تميم أتوا مطر بن ناجية ، وقد كان وثب على قصر الكوفة ، فلم يطق قتال الناس ، فنصب ابن الأشعث السّلالم على القصر فأخذوه ، وأتوا بمطر بن ناجية ، فقال لابن الأشعث : استبقني فإنّي أفضل فرسانك وأعظمهم غناء عنك ، فحبسه ، ثمّ عفا عنه ، فبايعه وبايعه الناس بالكوفة ، ثمّ أتاه أهل البصرة ، وتفوّضت إليه المسالح والثّغور ، وجاءه عبد الرحمن بن العبّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب بعد أن قاتل الحجّاج بالبصرة ثلاثة أيام.

وأقبل الحجّاج من البصرة يسير من بين القادسيّة والعذيب ، فنزل دير قرّة ، وكان أراد نزول القادسيّة ، فجهّز له ابن الأشعث عبد الرحمن بن العبّاس ، فمنعه من نزولها ، ونزل عبد الرحمن الهاشميّ دير الجماجم ، فكان الحجّاج بعد يقول : أما كان عبد الرحمن يزجر الطّير حيث رآني نزلت بدير قرّة ، ونزل بدير الجماجم.

واجتمع جلّ النّاس على قتال الحجّاج لظلمه وسفكه الدّماء ، فكانوا مائة ألف مقاتل فجاءته أمداد الشام ، فنزل وخندق عليه ، وكذا خندق ابن الأشعث على الناس ، ثمّ كان الجمعان يلتقون كلّ يوم ، واشتدّ الحرب ، وثبت الفريقان.

وأشار بنو أميّة على عبد الملك بن مروان ، وقالوا : إن كان إنّما يرضى أهل العراق أن تنزع عنهم الحجّاج فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم ، فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك ، وكتب إلى أخيه محمد بن مروان بالموصل ، فسار إليه ، وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجّاج عنهم ، وأن يجري عليهم العطاء وأن ينزل ابن الأشعث أيّ بلد شاء من العراق ، يكون

٩

عليه واليا ، فإن قبلوا فاعزلا عنهم (١) الحجّاج ، ومحمد أخي مكانه ، وإن أبوا فالحجّاج أميركم كلّكم وولّي القتال ، قال : فقدموا على الحجّاج ، فاشتدّ عليه ذلك ، وشقّ عليه العزل ، فراسلوا أهل العراق ، فجمع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الناس وخطبهم ، وأشار عليهم بالمصالحة ، فوثب الناس من كلّ جانب وقالوا : إنّ الله قد أهلكهم ، وأصبحوا في الأزل (٢) والضّنك والمجاعة والقلّة فلا نقبل.

وأعادوا خلع عبد الملك ثانية ، وتعبّئوا للقتال ، فكان على ميمنة ابن الأشعث حجّاج بن جارية الخثعميّ ، وعلى ميسرته الأبرد بن قرّة التميميّ ، وعلى الخيل عبد الرحمن بن العبّاس الهاشميّ ، وعلى الرّجّالة محمد بن سعد بن أبي وقّاص ، وعلى المجنّبة (٣) عبد الله بن رزام الحارثيّ ، وعلى المطّوّعة والصّلحاء (٤) جبلة بن زحر الجعفيّ.

وكان على ميمنة الحجّاج عبد الرحمن بن سليم الكلبيّ ، وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخميّ ، وعلى الخيّالة سفيان بن الأبرد الكلبيّ ، فاقتتلوا أياما ، وأهل العراق تأتيهم الأمداد والخيمات من البصرة ، وجيش الحجّاج في ضيق وغلاء سعر (٥).

فيقال إنّ يوم دير الجماجم كان في ربيع الأول ، ولا شكّ أنّ نوبة دير الجماجم كانت أياما ، بل أشهرا ، اقتتلوا هناك مائة يوم ، فلعلّها كانت في آخر سنة اثنتين ، وأوائل سنة ثلاث.

فعن أبي الزّبير الهمدانيّ قال : كنت في خيل جبلة بن زحر ، وكان على القرّاء ، فحمل علينا عسكر الحجّاج مرّة بعد أخرى ، فنادانا عبد الرحمن بن أبي ليلى : يا معشر القرّاء ، ليس الفرار بأحد من الناس بأقبح منكم ، وبقي

__________________

(١) في طبعة القدسي ٣ / ٢٢٨ «عنهما» ، والتصويب من تاريخ الطبري.

(٢) الأزل الشدّة والضيق ، على ما في النهاية ، والقاموس المحيط.

(٣) في تاريخ الطبري ٤ / ٣٤٩ «وعلى مجفّفته».

(٤) في تاريخ الطبري «وجعل على القراء».

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٣٤٦ ـ ٣٥٠.

١٠

يحرّض على القتال (١).

وقال أبو البختريّ : أيّها النّاس ، قاتلوهم على دينكم ودنياكم (٢).

وقال سعيد بن جبير نحوا من ذلك ، وكذا الشّعبي (٣).

وقال بعضهم (٤) : قاتلوهم على جورهم واستذلالهم الضّعفاء ، وإماتتهم الصّلاة.

قال : ثمّ حملنا عليهم حملة صادقة ، فبدّعنا فيهم ، ثمّ رجعنا ، فمررنا بجبلة بن زحر صريعا فهدّنا ذلك ، فسلانا أبو البختريّ ، فنادونا : يا أعداء الله هلكتم ، قتل طاغوتكم (٥).

وقال خالد بن خداش : ثنا غسّان بن مضر قال : خرج القرّاء مع ابن الأشعث ، وفيهم أبو البختريّ ، وكان شعارهم يومئذ «يا ثارات الصلاة» (٦).

وقيل إنّ سفيان بن الأبرد حمل على ميسرة ابن الأشعث ، فلمّا دنا منها هرب الأبرد بن قرّة التميميّ ، ولم يقاتل كبير قتال ، فأنكرها منه الناس ، وكان شجاعا لا يفرّ ، وظنّ الناس أنّه خامر ، فلمّا انهزم تقوّضت الصّفوف ، وركب الناس وجوههم (٧).

وكان ابن الأشعث على منبر قد نصب له يحرّض على القتال ، فأشار عليه ذوو الرأي : انزل وإلّا أسرت ، فنزل وركب ، وخلّى أهل العراق ، وذهب ، فانهزم أهل العراق كلّهم ، ومضى ابن الأشعث مع ابن جعدة بن هبيرة في أناس من أهل بيته ، حتّى إذا حاذوا قرية بني جعدة عبر في معبر الفرات ، ثمّ جاء إلى بيته بالكوفة ، وهو على فرسه ، وعليه السلاح لم ينزل ،

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٥٧ و ٣٦٧.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣٥٧.

(٣) انظر قولهما في تاريخ الطبري ٦ / ٣٥٧ و ٣٥٨.

(٤) هو قول سعيد بن جبير كما في تاريخ الطبري ٦ / ٣٥٨.

(٥) تاريخ الطبري ٦ / ٣٥٨.

(٦) لأن الحجّاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها. كما في شذرات الذهب ١ / ٩٢.

(٧) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٣.

١١

فخرجت إليه بنته ، فالتزمها ، وخرج أهله يبكون ، فوصّاهم وقال : لا تبكوا ، أرأيتم إن لم أترككم ، كم عسيت أن أعيش معكم ، وإن أمت فإنّ الّذي يرزقكم حيّ لا يموت ، وودّعهم وذهب (١).

وقال الحجّاج : اتركوهم فليتبدّدوا ، ولا تتبعوهم ، ونادى مناديه : من رجع فهو آمن ، ثمّ جاء إلى الكوفة فدخلها ، وجعل لا يبايع أحدا منها إلّا قال له : اشهد على نفسك أنّك كفرت ، فإذا قال نعم بايعه ، وإلا قتله ، فقتل غير واحد ممّن تحرّج أن يشهد على نفسه بالكفر. وجيء برجل فقال الحجّاج : ما أظنّ هذا يشهد على نفسه بالكفر ، فقال الرجل : أخادعي عن نفسي ، أنا أكفر أهل الأرض ، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد ، فضحك وخلّاه (٢).

وأمّا محمد بن سعد بن أبي وقّاص فنزل بعد الواقعة بالمدائن ، فتجمّع إليه ناس كثير ، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة العبشميّ فأتى البصرة وبها ابن عمّ الحجّاج أيّوب بن الحكم ، فأخذ البصرة ، وقدم عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وجاء إليه الخلق ، وقال ابن سمرة له : إنّما أخذت البصرة لك ، ولحق محمد بن سعد بهم ، فسار الحجّاج لحربهم ، وخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل (٣).

وتلاوم أصحاب ابن الأشعث على الفرار ، وتبايعوا على الموت ، فخندق ابن الأشعث على أصحابه ، وسلّط الماء في الخندق ، وأتته النجدة من خراسان ، فاقتتلوا خمس عشرد ليلة أشدّ القتال ، وقتل من أمراء الحجّاج زياد بن غنيم القينيّ (٤).

ثم عبّأ الحجّاج جيشه وصرخ فيهم وحمل بهم ، فهزم أصحاب ابن الأشعث ، وقتل أبو البختريّ ، وابن أبي ليلى ، وكسر بسطام بن مصقلة في أربعة آلاف جفون سيوفهم وثبتوا ، وقاتلوا قتالا شديدا ، كشفوا فيه عسكر

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٤.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٥ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨٢.

(٣) في طبعة القدسي ٣ / ٢٣٠ «على دخل» ، والتصحيح من تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٦.

(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٦ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨٢.

١٢

الحجّاج مرارا ، فقال الحجّاج : عليّ بالرّماة ، قال : فأحاط بهم الرّماة ، فقتلوا خلقا منهم بالنّبل ، وانهزم ابن الأشعث في طائفة ، وطلب سجستان ، فأتبعهم جيش الحجّاج ، عليهم عمارة بن تميم ، فالتقوا بالسّوس ، فاقتتلوا ساعة ، ثم انهزم ابن الأشعث ، فأتى سابور ، واجتمعت إليه الأكراد ، ثم قاتلهم عمارة ، فقتل عمارة وانهزم عسكره ، ثمّ مضى ابن الأشعث إلى بست ، وعليها عامله ، فأنزله وتفرّق أصحاب ابن الأشعث ، فوثب عامل بست عليه فأوثقه ، وأراد أن يتّحد بالقبض عليه يدا عند الحجّاج (١).

وقد كان رتبيل سمع بمقدم ابن الأشعث ، فسار في جيوشه حتّى أحاط ببست ، فراسل عاملها يقول له : والله لئن آذيت ابن الأشعث لا أبرح حتى أستنزلك ، وأقتل جميع من معك ، فخافه ، ودفع إليه ابن الأشعث ، فأكرمه رتبيل ، فقال ابن الأشعث : إنّ هذا كان عاملي فغدر بي وفعل ما رأيت ، فأذن لي في قتله ، قال : قد أمّنته ، ثم مضى ابن الأشعث مع رتبيل إلى بلاده ، فأكرمه وعظّمه.

وكان مع ابن الأشعث عدد كثير من الأشراف والكبار ، ممّن لم يثق بأمان الحجّاج ، ثم تبع أثر ابن الأشعث خلق من هذه البابة حتّى قدموا سجستان ، ونزلوا على عبد الله بن عامر البعّار (٢) ، فحصروه ، وكتبوا إلى ابن الأشعث بعددهم وجماعتهم ، وعليهم كلّهم عبد الرحمن بن العبّاس الهاشميّ ، فقدم عليهم ابن الأشعث بمن معه ، ثمّ غلبوا على مدينة سجستان ، وعذّبوا ابن عامر وحبسوه ، ثمّ لم يشعر ابن الأشعث إلّا وقد فارقه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة ، وسار في ألفين ، فغضب ابن الأشعث ورجع إلى رتبيل ، وقيل غير ذلك (٣).

وقيل : ساروا مع الهاشميّ فقاتلهم يزيد بن المهلّب ، فأسر منهم

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٩.

(٢) في الأصل «النعار» ، والتحرير من تاريخ الطبري ٦ / ٣٧٠.

(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٣٧٠.

١٣

وهزمهم ، وفي تفصيل ذلك اختلاف (١)

ومن بقيّة سنة اثنتين وثمانين : قال عوانة بن الحكم : كان بينهم إحدى وثمانون وقعة ، كلّها على الحجّاج ، إلّا آخر وقعة كانت على ابن الأشعث ، وقتل من القراء بدير الجماجم خلق (٢).

وقال شعبة ، عن عمرو بن مرّة قال : أتى القرّاء يوم دير الجماجم أبا البختريّ (٣) الطائيّ يؤمّرونه عليهم ، فقال : إنّي رجل من الموالي ، فأمّروا رجلا من العرب ، فأمروا جهم بن زحر الخثعميّ عليهم (٤).

وقال سلمة بن كهيل : رأيت أبا البختريّ بدير الجماجم ، وشدّ عليه رجل بالرّمح فطعنه ، وانكشف ابن الأشعث فأتى البصرة ، وتبعه الحجّاج ، فخرج منها إلى أرض دجيل (٥) الأهواز ، واتبعه الحجّاج ، فالتقوا بمسكن ، فانهزم ابن الأشعث ، وقتل من أصحابه ناس كثير ، وغرق منهم ناس كثير (٦).

وقال عمرو بن مرّة : افتقد بمسكن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الله بن شدّاد ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود (٧).

وقال ابن عيينة : حدّثني أبو فروة قال : افتقد ابن أبي ليلى بسوراء (٨) ، وأسر الحجّاج ناسا كثيرا منهم : عمران بن عصام ، وعبد الرحمن بن مروان ، وأعشى همدان ، قال أبو اليقظان : قتلهم جميعا (٩).

__________________

(١) انظر تاريخ الطبري ٦ / ٣٧١ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨٦ ، نهاية الأرب ٢١ / ٢٥٠.

(٢) تاريخ خليفة ٢٨٢ وانظر مروج الذهب ٣ / ١٣٩.

(٣) في الأصل «أبا البحتري» والتحرير من تاريخ خليفة والطبري وغيرهما.

(٤) تاريخ خليفة ٢٨٢ ، ٢٨٣.

(٥) في الأصل «دحيل» ، والتصويب من معجم البلدان وغيره.

(٦) تاريخ خليفة ٢٨٣.

(٧) تاريخ خليفة ٢٨٣.

(٨) رسمها القدسي ـ رحمه‌الله ـ في طبعته ٣ / ٢٣١ «سوبرا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تاريخ خليفة : وسوراء : موضع إلى جنب بغداد ، بنتها سوراء بنت أردوان بن باطي فسميت باسمها. (معجم البلدان).

(٩) تاريخ خليفة ٢٨٣.

١٤

وقال خليفة (١) : أوّل وقعة كانت في يوم النّحر سنة إحدى وثمانين ، والوقعة الثانية في المحرّم سنة اثنتين بالزاوية ، والوقعة الثالثة بظهر المربد في صفر ، والوقعة الرابعة بدير الجماجم في جمادى ، والوقعة الخامسة ليلة دجيل في شعبان سنة اثنتين. قال : ثمّ سار ابن الأشعث يريد خراسان ، وتبعه طائفة قليلة ، فتركهم وصار إلى خراسان ، فقام بأمر الحرب عبد الرحمن بن العبّاس بن ربيعة الهاشميّ ، ومعه القرّاء ، فالتقى هو ومتولّي هراة مفضّل بن المهلّب بن أبي صفرة ، فهزمه المفضّل ، ثم قتل عبد الرحمن ، وأسر عدّة منهم : محمد بن سعد بن أبي وقّاص ، والهلقام (٢) بن نعيم (٣).

وكان عبد الرحمن قد ولي بلاد فارس وغزا التّرك ، ثمّ خلع عبد الملك وفعل الأفاعيل ، ودعا إلى نفسه.

قال خليفة (٤) : تسمية القرّاء الذين خرجوا مع ابن الأشعث.

مسلم بن يسار المزنيّ ، وأبو مرانة (٥) العجليّ ، وقد قتل ، وعقبة بن عبد الغافر العوذيّ فقتل ، وعقبة بن وساج البرساني ، وقتل ، وعبد الله بن غالب الجهضميّ ، فقتل ، وأبو الجوزاء الرّبعيّ ، وقتل ، والنّضر بن أنس بن مالك ، وعمران والد أبي جمرة الضّبعيّ ، وأبو المنهال سيار بن سلامة الرياحيّ ، ومالك بن دينار ، ومرّة بن دبّاب (٦) الهداوي (٧) وأبو نجيد الجهضميّ ، وأبو شيخ الهنائيّ ، وسعيد بن أبي الحسن البصريّ (٨) ، وأخوه الحسن ، وقال : أكرهت على الخروج.

__________________

(١) في تاريخه ٢٨٥.

(٢) مهمل في الأصل ، والتحرير من تاريخ خليفة والطبري.

(٣) تاريخ خليفة ٢٨٤.

(٤) في تاريخه ٢٨٦ ، ٢٨٧.

(٥) في الأصل «أبو مراية» والتحرير من الكنى والأسماء للدولابي ٢ / ١٠٩ وهو «أبو مرانة بن عمر العجليّ» ، ولم يذكره خليفة بين القرّاء.

(٦) في الأصل «دياب» ، والتحرير من : المشتبه للذهبي ١ / ٢٨٢ وهو مرّة بن دبّاب البصري.

(٧) في طبعة القدسي ٣ / ٢٣٢ «الهدادي» بالدال ، وهو تحريف ، والتصحيح عن تاريخ خليفة ، فقد جاء في حاشيته : «هو منسوب إلى مراد بن زيد مناة .. بن عمران من الأزد».

(٨) سعيد بن أبي الحسن البصري ليس في تاريخ خليفة.

١٥

وقال أيّوب السّختيانيّ : قيل لابن الأشعث إن أحببت أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول الجمل مع عائشة فأخرج الحسن (١)

ومن أهل الكوفة : سعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الله بن شدّاد ، والشّعبيّ ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، والمعرور بن سويد ، ومحمد بن سعد بن أبي وقّاص ، وأبو البختريّ ، وطلحة بن مصرّف ، وزبيد بن الحارث الياميان (٢) ، وعطاء بن السّائب (٣).

قال أيّوب السّختيانيّ : ما صرع أحد مع ابن الأشعث إلّا رغب له عن مصرعه ، ولا نجا منهم أحد إلّا حمد الله الّذي سلّمه (٤).

وقال عوانة بن الحكم : قتل الحجّاج بمسكن خمسة آلاف أو أربعة آلاف أسير (٥).

وقال خليفة (٦) : فيها ـ يعنى سنة اثنتين ـ قتل قتيبة بن مسلم : عمر بن أبي الصّلت (٧) ، وأخاه (٨) ، وموسى بن كثير الحارثيّ ، وبكير بن هارون البجليّ.

* * *

وفيها كانت غزوة محمد بن مروان بأرمينية ، فهزم العدوّ ، ثمّ صالحوه ، فولّى عليهم أبا شيخ بن عبد الله ، فغدروا به وقتلوه (٩).

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٨٧.

(٢) أو الإياميّان ، أو الباميان.

(٣) تاريخ خليفة ٢٨٧.

(٤) العبارة في الأصل : «ولا نجا منهم أحد إلّا ندم على ما كان منه» ، وما أثبتناه عن تاريخ خليفة ٢٨٧.

(٥) تاريخ خليفة ٢٨٧.

(٦) في تاريخه ٢٨٨.

(٧) في تاريخ خليفة «عمرو بن أبي الصلب» بالباء الموحّدة ، والصحيح ما أثبتناه حيث ورد فيه «الصلت» ـ ص ٢٨٥.

(٨) في تاريخ خليفة «وأبا الصلت ، والصلت بن أبي الصلت».

(٩) تاريخ خليفة ٢٨٨.

١٦

وفيها فتح عبد الملك بن مروان حصن سنان من ناحية المصيصة.

* * *

وفيها كانت غزوة صنهاجة بالمغرب (١).

وأسر يوم الجماجم محمد بن سعد ، فضربت عنقه صبرا (٢) ، وقتل ماهان الأعور القاصّ ، والفضيل بن بزوان يومئذ.

وقال مالك بن دينار : لما كان يوم الزاوية قال (عبد الله بن غالب) (٣) أبو قريش الجهضميّ : إنّي لأرى أمرا ما بي صبر ، روحوا بنا إلى الجنّة ، فقاتل حتّى قتل ، فكان يوجد من ريح قبره المسك. وكان عابدا له أوراد ، سمعته يقول : رحم الله بنيّ ماتوا ولم أتمتّع من النظر إليهم.

روى ابن غالب عن : أبي سعيد الخدريّ.

وروى عنه : عطاء السّليميّ ، وغيره.

__________________

(١) تاريخ خليفة ٢٨٨.

(٢) تاريخ خليفة ٢٨٤ ، ٢٨٥.

(٣) ستأتي ترجمته في هذه الطبقة.

١٧

سنة ثلاث وثمانين

كانت فيها غزوة عطاء بن رافع صقلّيّة ، وخرج عمران بن شرحبيل على البحر ، وجعل على الإسكندرية عبد الملك بن أبي الكنود.

* * *

وفيها عزل أبان بن عثمان عن المدينة ، وولّي هشام بن إسماعيل المخزوميّ (١).

* * *

وفي سنة ثلاث بنى الحجّاج مدينة واسط (٢).

واستعمل على فارس محمد بن القاسم الثقفي وأمره بقتل الأكراد (٣).

وفيها بعث الحجّاج عمارة بن تميم القينيّ إلى رتبيل في أمر ابن الأشعث ، فقيّد هو وجماعة في الحديد ، وقرن به في القيد أبو العنز ، وساروا بهم إلى الحجّاج ، فلمّا كانوا بالرّخّج (٤) طرح ابن الأشعث نفسه من فوق بنيان فهلك هو وقرينه ، فقطع رأسه وحمل إلى الحجّاج ، فرأسه مدفون بمصر (٥) وجثّته بالرّخّج.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٨٤ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٩٦.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣٨٣ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٩٥ ، نهاية الأرب ٢١ / ٢٦٢.

(٣) تاريخ خليفة ٢٨٨.

(٤) الرّخّج : بتشديد الخاء المفتوحة. كورة ومدينة من نواحي كابل. (معجم البلدان ٣ / ٣٨).

(٥) بعث الحجّاج رأسه إلى عبد الملك ، فبعث به عبد الملك إلى عبد العزيز بن مروان بمصر. (تاريخ خليفة ٢٨٩).

١٨

وكان قد أمّره مصعب بن الزّبير عند قتل أبيه محمد بن الأشعث بن قيس الكنديّ.

* * *

وفي سنة ثلاث ضمّ عبد الملك بن مروان إلى أخيه محمد بن مروان إمرة أذربيجان وأرمينية مع إمرة الجزيرة ، وبقي على ذلك إلى آخر أيام الوليد. وله غزوات وفتوحات كثيرة.

١٩

سنة أربع وثمانين

فيها توفّي :

عتبة بن النّدر (١) السّلميّ ، صحابيّ شاميّ.

والأسود بن هلال المحاربيّ.

وزيد بن وهب الجهنيّ.

وعبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشميّ.

وعمران بن حطّان السّدوسيّ.

وروح بن زنباع الجذاميّ (٢).

* * *

وقيل فيها ظفروا بابن الأشعث وطيف برأسه في الأقاليم.

وفيها قتل الحجّاج أيّوب بن القرّيّة ، وكان من فصحاء العرب وبلغائهم ، خرج مع ابن الأشعث ، واسمه أيّوب بن زيد بن قيس أبو سليمان الهلاليّ ، ثمّ ندم الحجّاج على قتله (٣).

__________________

(١) بضمّ النون وفتح الدّال المشدّدة.

(٢) في الأصل «الحذامي» ، والتصحيح مما يستقبلنا في ترجمته ومن (اللباب في الأنساب لابن الأثير ج ١ ص ٢١٥) حيث جاء فيه : الجذامي بضمّ الجيم وفتح الذال المعجمة ... نسبة إلى جذام قبيلة من اليمن ...

(٣) ستأتي ترجمة ابن القريّة في تراجم هذه الطبقة ، وهو بتشديد الراء المكسورة. والخبر في تاريخ الطبري ٦ / ٣٨٥ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٩٨ ، ونهاية الأرب ٢١ / ٢٦٣ ، والأخبار الطوال ٣٢٣.

٢٠