تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام - ج ٢٦

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الطبقة السادسة والثلاثون

حوادث سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

فيها نقلت سنة خمسين وثلاثمائة من حيث المغلّات في سنة إحدى وخمسين الخراجية.

وكتب «الصّابي» (١) كتابا عن «المطيع» (٢) في المعنى ، فمنه : أنّ السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع بالتقريب ، وأنّ الهلالية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وكسر ، وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على اختلاف مذاهبها. وفي كتاب الله شهادة بذلك. قال الله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٣). فكانت هذه الزيادة بإزاء ذلك.

__________________

(١) هو : إبراهيم بن هلال أبو إسحاق الصابيء (٣١٣ ـ ٣٨٤ ه‍). كان نابغة كتّاب جيله غير مدافع ، وتقلّد في خلافة المطيع العبّاسي دواوين الرسائل والمظالم ، وقلّده معزّ الدولة البويهي ديوان رسائله عام ٣٤٩ ه‍. وخدم ولده عزّ الدولة بختيار. وحين ملك «عضد الدولة» بغداد سنة ٣٦٧ ه‍ ، قبض عليه وصادر أمواله ، وفي السجن وضع كتابه «التاجي» في تاريخ بني بويه ، وأطلق سراحه صمصام الدولة ابن عضد الدولة سنة ٣٧١ ه‍. وظل صابئيا حتى مات. (من مصادر ترجمته : الفهرست ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، الإمتاع والمؤانسة ١ / ٦٧ ، يتيمة الدهر ٢ / ٢٤٢ ـ ٣١٢ ، وفيات الأعيان ١ / ٥٢ ـ ٥٤ ، معجم الأدباء ٢ / ٢٠ ـ ٩٤ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٣٢٤ و ٥ / ١٢٦ ، البداية والنهاية ١١ / ٣١٣ ، شذرات الذهب ٣ / ١٠٦ ـ ١٠٩ ، العبر ٣ / ٢٤).

(٢) الخليفة العباسي أبو القاسم الفضل بن المقتدر. بويع بالخلافة يوم الخميس ١٢ جمادى الآخرة سنة ٣٣٤ ه‍. ولقّب «المطيع لله».

(٣) قرآن كريم ـ سورة الكهف ـ الآية ٢٥.

٥

فأمّا الفرس فإنّهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثني عشر شهرا ، وأيامها ثلاثمائة وستون يوما ، ولقّبوا الشهور اثني عشر لقبا ، وسمّوا الأيام بأسامي ، وأفردوا الأيام الخمسة الزائدة وسمّوا المشرقة ، وكسبوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهرا ، فلما انقرض ملكهم بطل ذلك. وذكر كلاما طويلا حاصله تعجيل الخراج وحساب أيام الكسر.

* * *

قال «ثابت بن سنان» (١) : ودخلت الروم عين زربه (٢) مع الدّمستق في مائة وستين ألفا ، وهي في سفح جبل مطلّ عليها ، فصعد بعض جيشه الجبل ، ونزل هو على بابها ، وأخذوا في نقب الصّور ، فطلبوا الأمان ، فأمّنهم ، وفتحوا له ، فدخلها وقدّم جيشا منهم ، ونادى بأن يخرج جميع من في البلد إلى الجامع. فلما أصبح بثّ رجاله ـ وكانوا ستين ألفا ـ فكلّ من وجدوه في منزله قتلوه ، فقتلوا عالما لا يحصى ، وأخذوا جميع ما كان فيها. وكان من جملة ما أخذوا أربعون ألف رمح. وقطع ـ لعنة الله ـ من حوالي البلد أربعين ألف نخلة (٣) ، وهدم البيوت وأحرقها. ونادى : من كان في الجامع فليذهب حيث شاء ، ومن أمسى فيه قتل ، فازدحم الناس في أبوابه ، ومات جماعة ومرّوا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون أين يذهبون ، فماتوا في الطّرقات جوعا وعطشا ، وأخرب السّور والجامع ، وهدم حولها أربعة وخمسين حصنا ، أخذ منها بالأمان جملة ومنها بالسيف. انتهى قول «ثابت» (٤).

__________________

(١) هو : ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابيء الحرّاني. كان مختصّا بخدمة الخليفة الراضي (٣٢٢ ـ ٣٢٩ ه‍ ـ. ٩٣٤ ـ ٩٤٠ م). بارعا بالطبّ ، تولّى تدبير المارستان في بغداد ، وخدم عددا من الخلفاء بعد الراضي ، وتوفي سنة ٣٦٥ ه‍. وضع عدّة كتب في التاريخ ، نقل عنها ابن العديم الحلبي في بغية الطلب.

(٢) عين زربه : عين زربى : بفتح الزاي ، وسكون الراء ، وباء موحّدة ، وألف مقصورة. بلد بالثغر من نواحي المصّيصة. (معجم البلدان ٤ / ١٧٧) وضبطها اليافعي بضم الزاي وسكون الراء وفتح الموحّدة. (مرآة الجنان ٢ / ٣٤٦).

(٣) في «تجارب الأمم» لمسكويه ـ ج ٢ / ١٩٠ : (نحو خمسين ألف نخلة).

(٤) قارن مع : تجارب الأمم لمسكويه ـ ج ٢ / ١٩٠ و ١٩١ ، تكملة تاريخ الطبري للهمداني ـ ص=

٦

ولما عاد إلى بلاده أعاد «سيف الدولة» عين زربه (١) إلى بعض ما كانت ، وظنّ أنّ الدمستق لا يعود إلى البلاد في العام فلم يستعدّ (٢) ، فبينا هو غافل وإذا بالدّمستق قد دهمه ونازل حلب ومعه ابن أخت الملك ، فخرج إليه وحاربه ، والدمستق في مائتي ألف بالرّجّالة وأهل إحصار ، فلم يقو به سيف الدولة وانهزم في نفر يسير.

وكانت داره بظاهر حلب ، فنزلها الدمستق وأخذ منها ثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم ، وألفا وأربع مائة بغل ، ومن السلاح ما لا يحصى ، فنهبها ثم أحرقها ، وملك ربض حلب. وقاتله (٣) أهل حلب من وراء السور ، فقتلوا جماعة من الروم ، فسقطت ثلمة من السور على جماعة من أهل حلب فقتلتهم ، فأكبّت الروم على تلك الثلمة ، فدافع المسلمون عنها ، فلما كان الليل بنوها ، ولما أصبحوا صعدوا عليها وكبّروا ، فعدل الروم عنها إلى جبل جوشن (٤) فنزلوا به ، ومضى رجّالة الشّرط بحلب إلى بيوت الناس فنهبوها ، فقيل لمن على السّور : الحقوا منازلكم ، فنزلوا وأخلوا السّور ، فسوّرته الروم ونزلوا ففتحوا الأبواب ودخلوها ، فوضعوا السيف في الناس حتى كلّوا وملّوا ، وسبوا أهلها وأخذوا ما لا يحصى ، وأخربوا الجامع ، وأحرقوا ما عجزوا عن حمله ، ولم ينج إلّا من صعد القلعة.

ثم ألحّ ابن أخت الملك في أخذ القلعة ، حتى أنه أخذ سيفا وترسا وأتى إلى القلعة ، ومسلكها ضيّق لا يحمل أكثر من واحد ، فصعد وصعدوا خلفه. وكان في القلعة جماعة من الدّيلم ، فتركوه حتى قرب من الباب

__________________

= ١٨٠ ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ـ ج ٨ / ٥٣٨ و ٥٣٩ ، العيون والحدائق في أخبار الحقائق لمؤرخ مجهول ـ ج ٤ ق ٢ / ٢١٨ تحقيق نبيلة عبد المنعم داود ـ بغداد ١٩٧٣ (حوادث سنة ٣٥٠ ه‍.) ، مرآة الجنان لليافعي ٢ / ٣٤٦ ، البداية والنهاية لابن كثير ١١ / ٢٣٩.

(١) في الأصل «رزنه».

(٢) في الأصل «يستبعد».

(٣) في الأصل «وقافلة».

(٤) بالفتح ثم السكون وشين معجمة ونون : جبل مطلّ على حلب في غربيّها. (معجم البلدان ٢ / ١٨٦).

٧

وأرسلوا عليه حجرا أهلكه ، فانصرف به خواصّه إلى الدّمستق ، وكان قد أسر من أعيان حلب ألفا ومائتين فضرب أعناقهم بأسرهم ، وردّ إلى أرض الروم ولم يردّ أهل القرى ، وقال لهم : ازرعوا فهذا بلدنا ، وبعد قليل نعود إليكم (١).

* * *

وفيها كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقّها من فدك (٢) ، ومن منع الحسن أن يدفن مع جدّه ، ولعنة من نفى أبا ذرّ. ثم إنّ ذلك محي في الليل ، فأراد معزّ الدولة إعادته ، فأشار عليه الوزير المهلّبيّ أن يكتب مكان ما محي : لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصرّحوا بلعنة معاوية فقط (٣).

* * *

وفيها أسرت الروم أبا فراس بن سعيد بن حمدان من منبج (٤) وكان واليها (٥).

* * *

__________________

(١) قارن ذلك مع : تجارب الأمم ـ ج ٢ / ١٩٢ ـ ١٩٤ ، تكملة تاريخ الطبري ١٨١ و ١٨٢ ، الكامل في التاريخ ـ ج ٨ / ٥٤٠ ـ ٥٤٢ ، مرآة الجنان ٢ / ٣٤٦ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٣٩ و ٢٤٠ ، وتاريخ يحيي بن سعيد الأنطاكي (بتحقيقنا) ، وزيدة الحلب ١ / ٨٣٤ ـ ١٣٩.

(٢) فدك : بالتحريك ، قرية بالحجاز ، أفاءها الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سنة ٧ صلحا ، ثم نحلها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنته فاطمة ، وفي هذا رواية طويلة. (انظر : فتوح البلدان للبلاذري ـ ق ١ / ٣٢ ـ ٣٨ ، معجم البلدان ـ ج ٤ / ٢٣٨ و ٢٣٩). وانظر : سيرة ابن هشام ـ ج ٣ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ (بتحقيقنا) والجزء الأول من تاريخ الإسلام الخاص بالمغازي ـ ص ٤٢٢ (بتحقيقنا أيضا).

(٣) المنتظم ٧ / ٨ ، الكامل في التاريخ ٨ / ٥٤٢ ، ٥٤٣.

(٤) منبج : بالفتح ثم السكون وباء موحّدة مكسورة وجيم. مدينة كبيرة واسعة قريبة من حلب.

(معجم البلدان ٥ / ٢٠٥ و ٢٠٦).

(٥) تكملة تاريخ الطبري ١٨٠.

٨

[الوفيات]

وفيها توفّي الوزير أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلّبيّ (١) من بني المهلّب بن أبي صفرة. [أقام] (٢) في وزارة معزّ الدولة ثلاث عشرة سنة.

وكان فاضلا شاعرا فصيحا نبيلا سمحا جوادا حليما ذا مروءة وأناة (٣).

عاش أربعا وستّين سنة ، وصادر معزّ الدولة أولاده من بعده ، ثم استوزر أبا الفضل العبّاس ابن الحسن الشيرازي.

وفيها توفّي المحدّث أبو محمد دعلج (٤) بن أحمد بن دعلج السّجستانيّ (٥) المعدّل نزيل بغداد.

والشيخ أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقّاش (٦) المقرئ صاحب التفسير.

وشيخ وقته أبو بكر محمد بن داود الدّقّي (٧) الدّينوري الزاهد نزيل الشام.

__________________

(١) ترجمته في : معجم الأدباء ٩ / ١١٨ ، يتيمة الدهر ٢ / ٢٠٢ ، وفيات الأعيان ٢ / ١٢٤ ـ ١٢٧ ، المنتظم لابن الجوزي ٧ / ٩ ، فوات الوفيات ١ / ٢٥٦ ، شذرات الذهب ٣ / ٩ ، مرآة الجنان ٢ / ٣٤٧ ـ ٣٤٩ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٤١ ، وأخباره مبثوثة في كتب التواريخ العامّة.

(٢) زيادة على الأصل للتوضيح.

(٣) في الأصل : «أناوة».

(٤) دعلج : مفتوحة فساكنة مهملتين وفتح لام ، وفي موضع آخر بكسر دال. (المغني في أسماء الرجال ، للهندي ١٠١).

(٥) ترجمته في : تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٧ ، العبر للذهبي ٢ / ٢٩١ ، طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢٢٢ ، الرسالة المستطرفة ٧٣ ، وفيات الأعيان ٢ / ٢٧١ و ٢٧٢ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٤١ و ٢٤٢ ، تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٤٢ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٨١ رقم ٨٥٠ ، المنتظم ٧ / ١٠ رقم ١٠ ، الوافي بالوفيات ١٤ / ١٧ رقم ١٣ ، معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي ٢٧٤ ، رقم ٢٣٤ (بتحقيقنا).

(٦) ترجمته في : تاريخ بغداد ٢ / ٢٠١ ، الفهرست ٣٣ ، معجم الأدباء ١٨ / ١٤٦ ، الوافي بالوفيات ٢ / ٣٤٥ ، تذكرة الحفّاظ ٩٠٨ ، غاية النهاية ٢ / ١١٩ ، طبقات السبكي ٢ / ١٤٨ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٥٢١ ، الرسالة المستطرفة ٧٧ ، وفيات الأعيان ٤ / ٢٩٨.

(٧) الدّقّي : بضمّ الدال المهملة والقاف المشدّدة المكسورة. (تاريخ بغداد ٥ / ٢٦٦ ، الوافي بالوفيات ٦٣ رقم ٩٥٥).

٩
١٠

[حوادث]

سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة

يوم عاشورا. قال ثابت : ألزم معزّ الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الهرّاسين والطبّاخين من الطبيخ ، ونصبوا القباب في الأسواق وعلّقوا عليها المسوح ، وأخرجوا نساء منشّرات الشعور مضجّات (١) يلطمن في الشوارع ويقمن المآتم على الحسين عليه‌السلام ، وهذا أول يوم نيح عليه ببغداد (٢).

وفيها قلّد القضاء بالعراق أبو البشر عمر بن أكثم على أن لا يأخذ رزقا ، وصرف ابن (٣) أبي الشوارب (٤).

وفيها قتل ملك الروم ، وصار الدمستق هو الملك واسمه نقفور (٥).

وفيها أصاب سيف الدولة فالج في يده ورجله ، وكان دخل الروم ووصل إلى قريب ، ثم عاد ، وكان هبة الله ابن (٦) أخيه ناصر الدولة عنده بحلب ، ثم إنه قتل رجلا من أعيان النصارى ، وساق إلى أبيه إلى الموصل.

__________________

(١) في الأصل «مصحمات» والتصحيح من «تجارب الأمم ـ حاشية ص ٢٠٠).

(٢) المنتظم ٧ / ١٥.

(٣) في الأصل «بن».

(٤) المنتظم ٧ / ١٦ ، الكامل ٨ / ٥٤٩ ، تكملة الطبري ١٨٤.

(٥) في الأصل «بقفور». وهو «نقفور فوكاس» تولّى العرش في ١٦ آب ٩٦٣ م.

(٦) في الأصل «بن».

١١

وفي ثامن عشر ذي الحجّة عمل عيد غدير خمّ (١) وضربت الدبادب ، وأصبح الناس إلى مقابر (٢) قريش للصلاة هناك ، وإلى مشهد الشيعة.

* * *

قال ثابت بن سنان : وأنفذ بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة بن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما خمس وعشرون سنة ومعهما أبوهما ، والالتصاق كان في معدة الجنب ، ولهما بطنان وسرّتان ومعدتان ، ويختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما ، ولكلّ واحد كتفان وذراعان ويدان وفخذان وساقان وإحليل (٣) وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر إلى المرد.

قال القاضي التنوخي : ومات أحدهما وبقي أياما فأنتن ، وأخوه حيّ ، وجمع ناصر الدولة الأطبّاء على أن يقدروا على فصلهما فلم يمكن ، ثم مرض الحيّ من رائحة الميت فمات (٤).

[الوفيات]

وفيها توفّيت خولة أخت سيف الدولة بحلب ، وهي التي رثاها المتنبّي بقوله :

يا أخت خير أخ يا بنت خير أب

كناية بهما عن أشرف النّسب

__________________

(١) موضع آخى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعليّ بن أبي طالب. (انظر : كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات للهروي ـ ص ٨٩).

(٢) في الأصل «معابر» والتصحيح من تكملة تاريخ الطبري للهمداني ـ ص ١٨٧.

(٣) كلمة غير واضحة في الأصل «ولطيل».

(٤) انظر : المنتظم لابن الجوزي ٧ / ١٦ و ١٧ ودول الإسلام للذهبي ١ / ٢١٨ في الهامش ، رقم (١).

١٢

[حوادث]

سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة

عمل ببغداد يوم عاشورا كعام أوّل إلى الضّحى ، فوقعت فتنة عظيمة بين السّنّة والرافضة ، وجرح جماعة ونهب الناس (١).

* * *

وفيها نزل الدّمستق على المصّيصة في جيش ضخم ، فأقام أسبوعا ونقب السّور في أماكن ، وقاتله أهلها فضاقت بهم الأسعار ، ثمّ رحل عنها بعد أن أهلك الضياع ، وإنّما رحل لشدّة الغلاء فإنّ القحط كان بالشام والثغور (٢).

وفيها بعثت القرامطة إلى سيف الدولة يستهدونه حديدا ، فاشترى (٣) لهم شيئا كثيرا منه أبواب الرّقّة ، وحمل إليهم في الفرات ، ثم في البرّيّة إلى هجر (٤).

* * *

وفيها خرج معزّ الدولة إلى الموصل غضبانا على ناصر الدولة ، فلما

__________________

(١) انظر : تكملة تاريخ الطبري ١٨٩ ، تجارب الأمم ٢ / ٢٠٢ ، العبر ٢ / ٢٩٦ ، دول الإسلام ١ / ٢١٩ ، المنتظم ٧ / ١٩ ، ابن الأثير ٨ / ٥٥٢.

(٢) انظر : المنتظم ٧ / ١٩ و ٢٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٤ ، تكملة تاريخ الطبري ١٨٧ ، تجارب الأمم ٢ / ٢٠٣.

(٣) في الأصل «فيشتريهم».

(٤) «هجر» بالتحريك ، مدينة وقاعدة البحرين. (معجم البلدان ٥ / ٣٩٣).

١٣

وصل في الماء إلى بلد (١) كان قد لحقه برد (٢) شديد ، فخلّف بالموصل جماعة من الأتراك لحفّظ (٣) البلد ، وقصد نصيبين (٤) ، فسار ناصر الدولة إلى ميّافارقين (٥) ، فساق وراءه طائفة فخرج عن ميّافارقين ولا يدرى أين ذهب ، فرجعت الطائفة إلى معزّ الدولة.

ثم جاء ناصر الدولة إلى الموصل واقتتل مع من فيها ، فظهر وانتصر ، فاستأمن إليه الدّيلم ، واستأسر جميع الترك ، وأخذ حواصل معزّ الدولة ونقله ، فسار معزّ الدولة يريد الموصل ، وجرت لهم فصول. ثم اصطلحوا ، وعاد معزّ الدولة إلى بغداد خائبا (٦).

* * *

وفيها جاء الدّمستق إلى طرسوس وأهدى هدايا إلى سيف الدولة ، فاحتفل وجلس على سرير وعلى رأسه تاج (٧).

وفيها عمل لسيف الدولة خيمة عظيمة ، ارتفاع عمودها خمسون ذراعا.

* * *

[الوفيات]

وفيها توفي بندار بن الحسين الشيرازي الزاهد العارف بأرّجان (٨).

__________________

(١) مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل. (معجم ١ / ٤٨١).

(٢) في الأصل «درب».

(٣) في الأصل «بحفظ».

(٤) نصيبين : بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح. مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادّة القوافل من الموصل إلى الشام. (معجم البلدان ٥ / ٢٨٨).

(٥) ميّافارقين : بفتح أوله وتشديد ثانيه ، ثم فاء ، وبعد الألف راء ، وقاف مكسورة ، وياء ، ونون.

أشهر مدينة بديار بكر. (معجم البلدان ٥ / ٢٣٥).

(٦) راجع تكملة تاريخ الطبري ١٨٧ و ١٨٨ ، تجارب الأمم ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٧ ، العبر ٢ / ٢٩٦ ، دول الإسلام ٢ / ٢١٩ ، مرآة الجنان ٢ / ٣٥٠ ، ابن الأثير ٨ / ٥٥٣ و ٥٥٤ ، تاريخ الأنطاكي.

(٧) راجع ابن الأثير ٨ / ٥٥٥ ، العبر ٢ / ٢٩٦ ، تجارب الأمم ٢ / ٢٠٨.

(٨) أرجان : بفتح أوّله وتشديد الراء ، وجيم وألف ونون. مدينة كبيرة بين حدّ فارس والأهواز.

(معجم البلدان ١ / ١٤٣).

١٤

وأبو بكر محمد بن أحمد بن خروف المحدّث بمصر.

والحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهانيّ بها.

والحافظ أبو عليّ سعيد بن عثمان بن السكن البغداديّ بمصر.

والمحدّث أبو القاسم عليّ بن يعقوب بن أبي الغوث الدمشقيّ بها.

وأبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بدمشق.

وأبو عيسى بكار بن أحمد ، أحد القرّاء المتقنين ببغداد.

١٥
١٦

[حوادث]

سنة أربع وخمسين وثلاثمائة

فيها عمل يوم عاشوراء ببغداد مأتم الحسين كالعام الماضي (١).

وفيها وثبت غلمان سيف الدولة على غلامه نجا الكبير وضربوه بالسيوف ، وكان أكبر غلمانه ومقدّم جيشه (٢).

وسار سيف الدولة إلى خلاط فملكها وكانت لنجا (٣).

وفيها توفّيت أخت معزّ الدولة ببغداد ، فنزل المطيع في طيّارة إلى دار معزّ الدولة يعزّيه ، فخرج إليه معزّ الدولة ولم يكلّفه الصعود من الطيّارة ، وقبّل الأرض مرّات ، ورجع الخليفة إلى داره (٤).

* * *

وفيها بنى نقفور (٥) ملك الروم قيساريّة ، بناها قريبا من بلاد المسلمين

__________________

(١) المنتظم ٧ / ٢٣.

(٢) انظر : تكملة تاريخ الطبري ـ ص ١٨٩ ، النجوم الزاهرة ٣ / ٣٣٩ ، الأعلاق الخطيرة ـ ج ٣ ق ١ / ٣٠٧ و ٣٠٨.

(٣) خلاط : بكسر أوّله ، وآخره طاء مهملة ، قصبة أرمينية الوسطى. (معجم البلدان ٢ / ٣٨٠ و ٣٨١).

(٤) انظر : البداية والنهاية ١١ / ٢٥٥ ، المنتظم ٧ / ٢٣ و ٢٤ ، النجوم ٣ / ٣٣٩.

(٥) في الأصل «يقفور».

١٧

وسكنها ليغير كلّ وقت ، وترك أبناءه بالقسطنطينية ، فبعث أهل طرسوس والمصّيصة إليه يسألونه أن يقبل منهم حملا كل سنة ، وينفذ إليهم نائبا له يقيم عندهم ، فأجابهم ، ثم رأى أنّ أهل البلاد قد ضعفوا جدّا وأنّهم لا ناصر لهم ، وأنّهم من القحط قد أكلوا الميتة والكلاب ، وأنّه يخرج كل يوم من طرسوس ثلاثمائة جنازة ، فبدا له في الإجابة ، ثم أحضر رسولهم وقال : مثلكم مثل الحيّة في الشتاء إذا لحقها البرد ضعفت وذبلت حتى يظنّ الظانّ أنّها ميّتة ، فإذا أخذها إنسان وأحسن إليها ودفّاها انتعشت ولدغته قتلته ، وأنا إن أترككم حتى تستقيم أحوالكم تأذّيت بكم ، ثم أحرق الكتاب على رأس الرسول فاحترقت لحيته ، وقال : قم ، ما لهم عندي إلّا السيف. ثم سار بنفسه إلى المصّيصة ففتحها بالسيف في رجب ، وقتل وسبى وأسر ما لا يحصى ، ثم سار إلى طرسوس فحاصرها ، فطلب أهلها أمانا ، فأعطاهم ، ففتحوا له ، فدخلها ، ولقي أهلها بالجميل ، وأمرهم بالخروج منها وأن يحمل كل واحد من ماله وسلاحه ما أطاق ، ففعلوا ، وبعث من يخفرهم إلى أنطاكية ، وجعل الجامع إصطبلا لدوابّه ، وعمل فيها وفي المصّيصة جيشا يحفظونهما وأمر بتحصينهما. وقيل رجع جماعة من أهل المصّيصة إليها وتنصّروا (١).

وكان السبب في فتح المصّيصة أنهم هدموا سورها بالثقوب ، فأشار عليهم رجل بحيث أن يخرجوا الأسارى ليعطف عليهم الملك نقفور (٢) ، فأخرجوهم ، فعرّفه الأسارى بعدم الأقوات ، وأطمعوه في فتحها ، فزحف عليها. ولقد قاتل أهلها في الشوارع حتى أبادوا من الروم أربعة آلاف ، ثم غلبوهم بالكثرة وقتلوهم وأخذوا من أعيانهم مائة ضربوا رقابهم بإزاء طرسوس ، فأخرج أهل طرسوس من عندهم من الأسرى فضربوا أعناقهم على باب البلد ، وكانوا ثلاثة آلاف (٣).

__________________

(١) في الأصل «تبصّروا». والتصويب عن المنتظم ٧ / ٢٤. وانظر : تكملة تاريخ الطبري ١٩٠ ، زبدة الحلب ١ / ١٤٢ ، ١٤٣ ، الكامل ٨ / ٥٦٠ ، ٥٦١ ، تجارب الأمم ٢ / ٢١١ ، تاريخ الأنطاكي.

(٢) في الأصل «يقفور».

(٣) راجع في هذا : تكملة تاريخ الطبري ١٩٠ ، تجارب الأمم ٢ / ٢١٠ ـ ٢١٢ ، المنتظم ٧ / ٢٤ ،=

١٨

وفيها حجّ الركب (١) من بغداد.

* * *

وفيها توفّي شاعر زمانه أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المتنبّي عن نيّف وخمسين سنة ، قتل بين شيراز وبغداد وأخذ ما معه من الذهب (٢).

* * *

ومن بقايا سنة أربع اشتدّ الحصار كما ذكرنا على مدينة طرسوس ، وتكاثرت عليهم جموع الروم ، وضعفت عزائمهم بأخذ المصّيصة وبما هم عليه من القلّة والغلاء ، وعجز سيف الدولة عن نجدتهم ، وانقطعت الموادّ عنهم. وطال الحصار وخذلوا ، فراسلوا نقفور (٣) ملك الروم في أن يسلّموا إليه البلد بالأمان على أنفسهم وأموالهم ، واستوثقوا منه بأيمان وشرائط.

ودخل طائفة من وكلاء الروم فاشتروا منهم من البزّ الفاخر والأواني المخروطة ، واشتروا من الروم دوابّ كثيرة تحملهم ، لأنه لم يبق عندهم دابّة إلا أكلوها (٤) ، وخرجوا بحريمهم وسلاحهم وأموالهم ، فوافى فتح (٥) الثمليّ من مصر في البحر في مراكب ، واتّصل بملك الروم خبره ، فقال لأهل طرسوس : غدرتم! فقالوا : لا والله لو جاءت جيوش الإسلام كلها ، فبعث إلى الثمليّ : يا

__________________

= ابن الأثير ٨ / ٥٦٠ و ٥٦١ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٤ و ٢٥٥ ، العبر ٢ / ٢٩٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٢٠.

(١) وقد تقلّد إمارة الحاج ونقابة الطالبيين الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى الموسوي ، والد الرّضى والمرتضى. (انظر : ابن الأثير ٨ / ٥٦٥ و ٥٦٦ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٥). وفي الأصل وردت العبارة «حجّ الراكب».

(٢) ستأتي ترجمته.

(٣) في الأصل «يقفور».

(٤) في الأصل «أكلوه».

(٥) في الأصل «ثج» ، وفي حاشية تجارب الأمم ٢ / ٢٢٢ نقلا عن الذهبي «تبح» ، وما أثبتناه عن : ماريوس كانار في : نخب تاريخية وأديبة جامعة لأخبار الأمير سيف الدولة الحمداني ـ ص ١٨٦ ـ طبعة الجزائر ١٩٢١ ، وتاريخ الأنطاكي (بتحقيقنا) ، وجاء في زبدة الحلب ١ / ١٤٨ «تنج».

١٩

هذا لا تفسد (١) على القوم أمرهم ، فانصرف ، ثم عمل نقفور (٢) دعوة لكبار أهل البلد وخلع عليهم ، وأعطاهم جملة وخفرهم بجيشه حتى حصّلوا ببغراس (٣) ، وحصل منهم خمسة آلاف بأنطاكيّة ، فأكرمهم أهلها. ثم دخلت الروم مدينة طرسوس فأحرقوا المنبر وجعلوا المسجد إصطبلا (٤).

وأما سيف الدولة فإنه سار إلى أرزن (٥) وأرمينية ، وحاصر بدليس (٦) وخلاط ، وبها أخوا نجا غلامه عصيا عليه ، فتملّك المواضع وردّ إلى ميّافارقين (٧). وعمد (٨) أهل أنطاكية وطردوا نائب سيف الدولة عنهم ، وقالوا نداري ببيت المال ملك الروم أو ننزح (٩) عن أنطاكية فلا مقام لنا بعد طرسوس ، ثمّ إنّهم أمّروا عليهم رشيق النّسيميّ (١٠) الّذي كان على طرسوس ، فكاتب ملك الروم على حمل الخراج إليه عن أنطاكية ، فتقرّر الأمر على حمل أربعمائة ألف درهم في السنة ، وجعل على كل رأس من المسلمين والنصارى ثلاثين درهما (١١). والأمر لله.

__________________

(١) في الأصل «يفسد».

(٢) في الأصل «يقفور».

(٣) بفتح الباء الموحّدة وسكون الغين المعجمة وفي آخرها سين مكان الزاي ـ مدينة في لحف جبل اللّكام ، مطلّة على نواحي طرسوس. (معجم البلدان ١ / ٤٦٧) وقد وردت في الأصل «سغراش».

(٤) راجع في ذلك : تكملة تاريخ الطبري ١٩٠ ، تجارب الأمم ٢ / ٢١١ ، ابن الأثير ٨ / ٥٦١ ، المنتظم ٧ / ٢٤ ، العبر ٢ / ٢٩٩ ، دول الإسلام ١ / ٢٢٠ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٥.

(٥) في الأصل «أررن» والتصويب من تجارب الأمم ـ الحاشية ـ ص ٢١٢ ، نخب تاريخية ١٨٦.

و «أرزن» : بالفتح ثم السكون وفتح الزاي ونون. مدينة مشهورة قرب خلاط ، كانت من أعمر نواحي أرمينية. (معجم البلدان ١ / ١٥٠).

(٦) الأعلاق الخطيرة ـ ج ٣ ق ١ / ٣٠٩.

(٧) بدليس : بالفتح ثم السكون وكسر اللام وياء ساكنة وسين مهملة. بلدة من نواحي أرمينية قرب خلاط ذات بساتين كثيرة. (معجم البلدان ١ / ٣٥٨).

(٨) في الأصل «عمل» ، والتصويب عن تجارب الأمم ، ونخب تاريخية.

(٩) في الأصل «ينزح».

(١٠) انظر عنه : ابن الأثير ٨ / ٥٦١ و ٥٦٢ ، البداية والنهاية ١١ / ٢٥٥ ، معجم البلدان ٤ / ٢٨ ، تجارب الأمم ٢١٤.

(١١) ينفرد الذهبي بين المصادر المتوافرة لدينا بهذا النص.

٢٠