تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

أسامة في جيشك للوجه الّذي أمرت به ، ثم أغز حيث أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ناحية فلسطين ، وعلى أهل مؤتة ، فإنّ الله سيكفي ما تركت ، ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل ، ففعل أسامة. ورجع عامّة العرب عن دينهم وعامّة أهل المشرق وغطفان وأسد وعامّة أشجع ، وتمسّكت طيِّئ بالإسلام.

شأن أبي بكر وفاطمة رضي‌الله‌عنهما

قال الزّهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممّا أفاء الله عليه ، فقال لها : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت وهجرت أبا بكر حتّى توفّيت (١).

وأرسل أزواج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عثمان بن عفّان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنّ مما أفاء الله على رسوله ، حتّى كنت أنا رددتهنّ فقلت لهنّ : ألّا تتّقين الله ألم تسمعن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال» (٢).

__________________

(١) أخرجه البخاري في الفرائض ٨ / ٣ باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة ، وفي الوصايا ٣ / ١٩٧ باب نفقة القيّم للوقف ، وفي فضائل الصحابة ٤ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، باب مناقب قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنقبة فاطمة عليها‌السلام ، وفي المغازي ٥ / ٢٣ باب حديث بني النضير ، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٥٨) باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، ورقم (١٧٥٩) و (١٧٦١) ، وأبو داود في الخراج والإمارة (٢٩٧٥) باب في صفايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأموال ، والترمذي في السير ٣ / ٨١ (١٦٥٨) باب ما جاء في تركة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والنسائي في الفيء ٧ / ١٣٢ في كتاب قسم الفيء ، ومالك في الموطأ ٧٠٢ رقم ١٧٢٣ ، باب ما جاء في تركة النبيّ ، وأحمد في المسند ١ / ٤ و ٦ و ٩ و ١٠ و ٢٥ و ٤٧ و ٤٨ و ٤٩ و ٦٠ و ١٦٤ و ١٧٩ و ١٩١ و ٦ / ١٤٥ و ٢٦٢ ، وابن سعد في الطبقات ٢ / ٣١٥ ، وابن جميع الصيداوي (بتحقيقنا) ص ٣٧٤ رقم ٣٦٥.

(٢) انظر تخريج الحديث قبله.

٢١

وقال أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي (١) فهو صدقة (٢)».

وقال محمد بن السّائب ـ وهو متروك ـ (٣) عن أبي صالح مولى أمّ

__________________

(١) في الأصل (عمالي) ، وفي الحاشية (عيالي ، خ) رمزا لنسخة فيها ذلك وهو الموافق لما في (ع) وبعض المراجع ، وفي (ح) (عاملي) ، وفي الحاشية (عيالي). وما أثبتناه هو الموافق لما في الصّحاح.

(٢) أخرجه البخاري في الوصايا ٣ / ١٩٧ باب نفقة القيّم للوقف ، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٥٩) باب قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا نورث ما تركنا فهو صدقة ، وأبو داود في الخراج والإمارة (٢٩٧٤) باب في صفايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأموال ، ومالك في الموطّأ ٧٠٢ رقم ١٧٢٣ ، باب ما جاء في تركة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٤٢ و ٣٧٦ و ٤٦٤.

(٣) هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي ، العلّامة الأخباريّ المفسّر. كان رأسا في الأنساب إلّا أنه شيعيّ. توفي سنة ١٤٦ ه‍ ـ. قال معتمر بن سليمان عن أبيه : كان بالكوفة كذّابان أحدهما الكلبي ، وقال الدوري عن يحيى بن معين. ليس بشيء ، وقال أبو حاتم : الناس مجمعون على ترك حديثه هو ذاهب الحديث لا يشتغل به ، وقال النسائيّ : ليس بثقة ولا يكتب حديثه ، وقال ابن عديّ : له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخاصّة عن أبي صالح ، وهو معروف بالتفسير وليس لأحد أطول من تفسيره ، وحدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير ، وأما في الحديث ففيه مناكير ، ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه ، وقال عليّ بن الجنيد ، والحاكم أبو أحمد ، والدار الدّارقطنيّ : متروك ، وقال الجوزجاني : ساقط ، وقال ابن حبّان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، وقال الساجي : متروك الحديث ، وكان ضعيفا جدا لفرطه في التشيّع ، وقد اتّفق ثقات أهل النقل على ذمّة وترك الرواية عنه في الأحكام والفروع.

انظر عنه :

طبقات ابن سعد ٦ / ٢٤٩ ، تاريخ خليفة ٤٢٣ ، طبقات خليفة ١٦٧ ، المعارف لابن قتيبة ٥٣٣ ، التاريخ الكبير للبخاريّ ١ / ١٠١ رقم ٢٨٣ ، التاريخ الصغير له ٢ / ٥١ ، أحوال الرجال للجوزجانيّ ٥٤ رقم ٣٧ ، الضعفاء الصغير للبخاريّ ٣٢٢ ، الضعفاء والمتروكين للنسائي ٤١٤ ، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٧ / ٢٧٠ ، ٢٧١ رقم ١٤٧٨ ، الضعفاء الكبير للعقيليّ ٤ / ٧٦ رقم ١٦٣٢ ، كتاب المجروحين لابن حبّان ٢ / ٢٥٣ ، الضعفاء والمتروكين للدار للدّارقطنيّ ١٥١ رقم ٤٦٨ ، الفهرست لابن النديم ٩٥ ، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ ٦ / ٢١٢٧ ـ ٢١٣٢ ، اللباب لابن الأثير ٣ / ١٠٥ ، وفيات الأعيان لابن خلكان ٤ / ٣٠٩ ـ ٣١١ ، تهذيب الكمال للمزّي ٣ / ١١٩٩ ، ميزان الاعتدال للذهبي ٣ / ٥٥٦ ـ ٥٥٩ رقم =

٢٢

هانئ إنّ فاطمة دخلت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر أرأيت لو متّ اليوم من كان يرثك؟ قال : أهلي وولدي ، فقالت : مالك ترث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من دون أهله وولده! فقال : ما فعلت يا بنت رسول الله. قالت : بلى قد عمدت إلى فدك (١) وكانت صافية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته منّا ، فقال : لم أفعل ، حدّثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ يطعم النّبيّ الطّعمة ما كان حيا فإذا قبضة رفعها ، فقالت : أنت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم ، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا (٢).

ابن فضيل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطّفيل قال : لما قبض النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت وريث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم أهله؟ فقال : لا بل أهله ، قالت : فأين سهمه؟ قال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ الله إذا أطعم نبيّا طعمة (٣) ثمّ قبضة جعلها للذي يقوم من بعده» ، فرأيت أن أردّه على المسلمين ، قالت : أنت وما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

رواه أحمد في مسندة» (٤) ، وهو منكر ، وأنكر ما فيه قوله : «لا ، بل أهله».

__________________

= [(٧٥٧٤ ،)] الكاشف ٣ / ٤٠ ، ٤١ رقم ٤٩٤١ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٥٨٤ رقم ٥٥٤٢ ، سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ رقم ١١١ ، الوافي بالوفيات للصفدي ٣ / ٨٣ رقم ١٠٠١ ، الكشف الحثيث لبرهان الدين الحلبي ٣٧٣ رقم ٦٦٧ ، الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٤٧ ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٩ / ١٧٨ ـ ١٨١ رقم ٢٦٦ ، تقريب التهذيب له ٢ / ١٦٣ رقم ٢٤٠ ، خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي ٣٣٧ ، طبقات المفسّرين ٢ / ١٤٤ ، شذرات الذهب ١ / ٢١٧.

(١) فدك ، قرية على مسافة يومين من المدينة المنوّرة ، وسمّيت بفدك بن حام لأنّه أوّل من نزلها.

(وفاء ألوفا للسمهودي ٢ / ٣٥٥).

(٢) الحديث ضعيف لضعف محمد بن السائب ، ولكن يقوّيه الحديث الآتي بعده.

(٣) يريد بالطعمة ، ما كان له من الفيء وغيره. (النهاية لابن الأثير).

(٤) ج ١ / ٤ ، وأخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (٢٩٧٣) باب في صفايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأموال.

٢٣

وقال الوليد بن مسلم ، وعمر بن عبد الواحد : ثنا صدقة أبو معاوية ، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصّديق ، عن يزيد الرقاشيّ ، عن أنس أنّ فاطمة أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الّذي خلّفنا عنه من الصّدقات أهل البيت. ثم قرأت عليه (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) (١) إلى آخر الآية ، فقال لها : بأبي وأمّي أنت ووالدك وولدك ، وعليّ السمع والبصر كتاب الله وحقّ رسوله وحقّ قرابته ، وأنا أقرأ من كتاب الله مثل الّذي تقرئين ، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا السّهم كلّه من الخمس يجري بجماعته عليهم ، قالت : أفلك هو ولقرابتك؟ قال : لا ، وأنت عندي أمينة مصدّقة ، فإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إليك في ذلك عهدا ووعدك موعدا أوجبه لك حقّا وسلّمته إليك ، قالت : لا ، إلّا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال : أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى.

فقال أبو بكر : صدقت فلك الغنى ، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلّم هذا السّهم كلّه كاملا ، ولكن لكم الغنى الّذي يغنيكم ، ويفضل عنكم ، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم ، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر ، فقال لها مثل الّذي راجعها به أبو بكر ، فعجبت وظنّت أنّهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.

وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله ـ من دون ذكر الوليد بن مسلم ـ قال : حدّثني الزّهريّ قال : حدّثني من سمع ابن عبّاس يقول : كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحقّ ما يرى أنّه لنا من الحقّ ، فرغبنا عن ذلك

__________________

(١) سورة الأنفال ـ الآية ٤١.

(٢) في نسخة (ح) «أن لذي قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

٢٤

وقلنا : لنا ما سمّى الله من حقّ ذي القربى ، وهو خمس (١) الخمس ، فقال عمر : ليس لكم ما تدّعون أنّه لكم حقّ ، إنّما جعل الله الخمس لأصناف سمّاهم ، فأسعدهم فيه حظا أشدّهم فاقة وأكثرهم عيالا ، قال : فكان عمر يعطي من قبل منّا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنّه لنا ، فأخذ ذلك منّا ناس وتركه ناس.

وذكر الزّهري أنّ مالك بن أوس بن الحدثان النّصريّ (٢) قال : كنت عند عمر ، فقال لي : يا مالك إنّه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم ، قلت : لو أمرت به غيري ، قال : أقبضه أيّها المرء ، قال : وأتاه حاجبه يرفأ (٣) فقال : هل لك في عثمان ، والزّبير ، وعبد الرحمن ، وسعد يستأذنون؟ قال : نعم ، فدخلوا وسلّموا وجلسوا ، ثم لبث يرفأ قليلا ، ثم قال لعمر : هل لك في عليّ والعبّاس؟ قال : نعم ، فلمّا دخلا سلّما فجلسا ، فقال عبّاس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظّالم الفاجر الغادر الخائن ، فاستبّا ، فقال عثمان وغيره : يا أمير المؤمنين أقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ، فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «: لا نورث ما تركنا صدقة»؟ قالا : قد قال ذلك ، قال : فإنّي أحدّثكم عن هذا الأمر : إنّ الله كان قد خصّ رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره ، فقال تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) (٤) ، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم والله ما احتازها (٥) دونكم ولا استأثر

__________________

(١) (خمس) ساقطة من أكثر النسخ.

(٢) في (ح) والمنتقى لابن الملّا (النضري) وهو تصحيف.

(٣) «يرفا» غير مهموز ، هكذا ذكره الجمهور ، ومنهم من همزة ، يرفأ ، وهو حاجب عمر بن الخطّاب.

(٤) سورة الحشر ، الآية ٦.

(٥) في طبعة القدسي ٣ / ١٩ «اختارها» وهو تصحيف ، والتصويب من صحيح البخاري.

٢٥

بها عليكم ، لقد أعطاكموها وبثّها فيكم حتّى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ، قالوا : نعم ، ثم توفّى الله نبيّه ، فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، وأنتما تزعمان أنّ أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر ، والله يعلم أنّه فيها لصادق بارّ راشد ، ثم توفّاه الله فقلت (١) : أنا وليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووليّ أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بعمله ، وأنتم حينئذ تشهدون (٢) ، وأقبل عليّ عليّ وعبّاس (٣) يزعمون أنّي فيها فاجر كاذب ، والله يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها ، فقلت لكما : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» ، فلمّا بدا لي أن أدفعها إليكما قلت : إن شئتما دفعتها إليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما عمل فيها أبو بكر ، وإلّا فلا تكلّماني ، فقلتما : ادفعها إلينا بذلك ، فدفعتها إليكما (٤) أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرّهط : نعم ، فأقبل على عليّ وعبّاس فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا : نعم ، قال أفتلتمسان منّي قضاء غير ذلك! فو الّذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتّى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ أكفيكماها (٥).

__________________

(١) في صحيح الإمام البخاري (فكنت) بدل (فقلت) التي في الأصل وغيره.

(٢) «تشهدون» ساقطة من (ح) والمنتقى نسخة أحمد الثالث ، وليست في صحيح البخاري.

(٣) لعلّ في الأصل وغيره هنا كلمات مقحمة لا تفسد المعنى. فانظر صحيح الإمام البخاري حيث يختلف النصّ عمّا هنا.

(٤) في (صحيح الامام البخاري) : ادفعها إلينا. فبذلك دفعتها إليكما.

(٥) رواه البخاري في الخمس ٤ / ٤٣ ، ٤٤ باب فرض الخمس ، ومسلم في الجهاد والسير

٢٦

وقال الزّهري : حدّثني الأعرج أنّه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «والّذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتي شيئا ممّا تركت ، ما تركنا صدقة» (١) فكانت هذه الصّدقة بيد عليّ غلب عليها العبّاس ، وكانت فيها خصومتهما ، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عبّاس فغلبه عليها عليّ ، ثمّ كانت على يدي الحسن (٢) ، ثم كانت بيد الحسين ، ثم بيد عليّ ابن الحسين والحسن بن الحسن ، كلاهما يتداولانها ، ثم بيد زيد ، وهي صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقا.

خبر الرّدّة

لما اشتهرت وفاة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنّواحي ، ارتدّت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزّكاة ، فنهض أبو بكر الصّديق رضي‌الله‌عنه لقتالهم ، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال : والله لو منعوني عقالا أو عناقا (٣) كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلتهم على منعها ، فقال عمر : كيف تقاتل النّاس وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله فمن قالها عصم منّي ماله ودمه إلّا بحقّها وحسابه على الله» ، فقال أبو بكر : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة ، فإنّ الزّكاة حقّ المال وقد قال : إلا بحقها فقال عمر : فو الله ما هو إلّا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنّه الحق (٤) ، فعن

__________________

= (١٧٥٧ / ٤٩) باب حكم الفيء.

(١) رواه مسلم في الجهاد والسير (١٧٦٠) باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نورث ما تركنا صدقة».

(٢) في المنتقى لابن الملا «بيد الحسن» وهو الأصوب.

(٣) بالفتح ، وهي الأنثى من ولد المعز. (مختار الصحاح).

(٤) أخرجه البخاري في الاعتصام ٨ / ١٤٠ ، ١٤١ باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومسلم في الإيمان (٢٠) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، وأبو داود في الزكاة (١٥٥٦) أول الباب ، والترمذي في الإيمان (٢٧٣٣) أول الباب ، والنسائي في الزكاة ٥ / ١٤ ، ١٥ باب جامع الزكاة. والمطهّر المقدسي في البدء والتاريخ ٥ / ١٥٣ ، والبلاذري في فتوح البلدان ١ / ١١٣.

٢٧

عروة وغيره قال : فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتّى بلغ نقعا حذاء نجد ، وهربت الأعراب بذراريهم ، فكلّم النّاس أبا بكر وقالوا : ارجع إلى المدينة وإلى الذّرّية والنّساء وأمّر رجلا على الجيش ، ولم يزالوا به حتى رجع وأمّر خالد بن الوليد ، وقال له : إذا أسلموا وأعطوا الصّدقة فمن شاء منكم فليرجع ، ورجع أبو بكر إلى المدينة.

وقال غيره : كان مسيره في جمادى الآخرة فبلغ ذا القصّة (١) ، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق ، واستخلف على المدينة سنانا الضّمري ، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود (٢).

وقال ابن لهيعة : أنا أسامة بن زيد عن الزّهريّ ، عن حنظلة بن عليّ اللّيثي ، أنّ أبا بكر بعث خالدا ، وأمره أن يقاتل النّاس على خمس ، من ترك واحدة منهنّ قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا. على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت.

وقال عروة ، عن عائشة : لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها (٣) ، اشرأب النّفاق بالمدينة وارتدّت العرب ، فو الله ما اختلفوا في نقطة إلّا طار أبي بحظّها من الإسلام (٤).

وعن يزيد بن رومان أنّ النّاس قالوا له : إنّك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئا ، ولا تدري لمن تقصد ، فأمر من تثق به وارجع الى المدينة ، فإنّك

__________________

(١) ذو القصّة : بالفتح وتشديد الصاد. على بريد من المدينة تلقاء نجد. (معجم البلدان ٤ / ٣٦٦).

(٢) تاريخ خليفة بن خيّاط ـ ص ١٠١.

(٣) هاضها : كسرها.

(٤) تاريخ خليفة ـ ص ١٠٢ وفيه : «إلّا طار أبي إلى أعظمها في الإسلام».

٢٨

تركت بها النّفاق يغلي ، فعقد لخالد على النّاس ، وأمّر على الأنصار خاصّة ثابت بن قيس بن شماس ، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة الأسدي (١).

وعن الزّهري قال : سار خالد بن الوليد من ذي القصّة في ألفين وسبعمائة إلى ثلاثة آلاف ، يريد طليحة ، ووجّه عكّاشة بن محصن الأسديّ حليف بني عبد شمس ، وثابت بن أقرم الأنصاري رضي‌الله‌عنهما (٢) فانتهوا إلى قطن (٣) فصادفوا فيها حبالا متوجّها إلى طليحة بثقله ، فقتلوه وأخذوا ما معه ، فسار وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكّاشة وثابتا (٤).

وقال الوليد الموقّري ، عن الزّهريّ قال : فسار خالد لقتال طليحة الكذّاب فهزمه الله ، وكان قد بايع عيينة بن حصن ، فلمّا رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال : ما يهزمكم؟ فقال رجل : أنا أحدّثك ، ليس منّا رجل إلّا وهو يحبّ أن يموت صاحبه قبله ، وإنّا نلقى قوما كلهم يحبّ أن يموت قبل صاحبه ، وكان طليحة رجلا شديد البأس في القتال ، فقتل طليحة يومئذ عكّاشة بن محصن وثابت بن أقرم ، وقال طليحة :

عشيّة غادرت ابن أقرم ثاويا

وعكّاشة الغنميّ تحت (٥) مجالي

 أقمت (٦) لهم صدر الحمالة إنّها

معاودة (٧) قبل الكماة نزالي

 فيوما تراها في الجلال مصونة

ويوما تراها في ظلال عوال (٨)

__________________

(١) تاريخ خليفة ـ ص ١٠٢.

(٢) انظر عنهما طبقات ابن سعد ٣ / ٤٦٧ في ترجمة ثابت بن أقرم.

(٣) قطن : بالتحريك. جبل لبني عبس كثير النخل والمياه بين الرمّة وبين أرض بني أسد. (معجم البلدان ٤ / ٣٧٥).

(٤) تاريخ خليفة ـ ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٥) في تهذيب تاريخ دمشق ٧ / ١٠٣ «عند» بدل «تحت».

(٦) في التهذيب «نصبت».

(٧) في التهذيب ، والبداية والنهاية لابن كثير ٦ / ٣١٧ «معودة».

(٨) انظر تهذيب تاريخ دمشق فقد ورد هذا الشطر عجزا لصدر بيت آخر.

٢٩

فما ظنّكم بالقوم إذ تقتلونهم

أليسوا وإن لم يسلموا برجال

 فإن تك أذواد (١) أصبن ونسوة

فلم ترهبوا فرغا بقتل حبال (٢)

 فلمّا غلب الحقّ طليحة ترجّل. ثم أسلم وأهلّ بعمرة ، فركب يسير في النّاس آمنا ، حتّى مرّ بأبي بكر بالمدينة ، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته ، ثم حسن إسلامه (٣).

وفي غير هذه الرواية أنّ خالدا لقي طليحة ببزاخة (٤) ، ومع طليحة عيينة بن حصن ، وقرّة بن هبيرة القشيريّ ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم هرب طليحة وأسر عيينة وقرّة ، وبعث بهما إلى أبي بكر فحقن دماءهما (٥).

وذكر أنّ قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسيّ ارتدّ. وتابعه (٦) جماعة من أصحاب الأسود ، وخافه أهل صنعاء ، وأتى قيس إلى فيروز الدّيلميّ وداذويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه ، فاطمأنّا إليه ، وصنع لهما من الغد طعاما ، فأتاه داذويه فقتله. ثم أتاه فيروز ففطن بالأمر فهرب ، ولقيه جشيش بن شهر ومضى معه الى جبال خولان ، وملك

__________________

(١) في نسخة (ح) والأصل ، والمنتقى : «ذاود» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب ، ولسان العرب ، وتهذيب تاريخ دمشق. وفي البداية والنهاية «وإن يك أولاد» وهو تصحيف.

والأذواد : الإبل.

(٢) حبال : بكسر الحاء وفتح الباء ، وهو أخو طليحة.

وراجع الأبيات في تاريخ دمشق ـ الجزء العاشر ـ تحقيق محمد أحمد دهمان ـ ص ٥٠٦ ، وتهذيب تاريخ دمشق ٧ / ١٠٣ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٦ / ٣١٧.

(٣) وردت العبارة التالية في حاشية النسخة (ح) : «مررت على هذه الكرّاسة وحرّرتها وقابلتها على نسخة بخط البدر البشتكي. صحّت ولله الحمد. قاله سبط ابن حجر العسقلاني».

(٤) قال الطبري في تاريخه ٣ / ٢٥٤ بزاخة : ماء من مياه بني أسد. وفي معجم البلدان لياقوت : ماء لطيّئ بأرض نجد.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٢٦٠ ، وتاريخ خليفة ـ ص ١٠٣.

(٦) في المنتقى لابن الملّا ، نسخة أحمد الثالث : «بايعه».

٣٠

قيس صنعاء ، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمدّه ، فأمدّه ، فلقوا قيسا فهزموه ثمّ أسروه وحملوه إلى أبي بكر فوبّخه : فأنكر الرّدّة : فعفا عنه أبو بكر (١).

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : فسار خالد ـ وكان سيفا من سيوف الله تعالى ـ فأسرع السير حتى نزل ببزاخة ، وبعثت إليه طيِّئ : إن شئت أن تقدم علينا فإنّا سامعون مطيعون ، وإن شئت ، نسير إليك؟ قال خالد : بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله ، فلم يزل ببزاخة ، وجمع له هناك العدوّ بنو أسد وغطفان فاقتتلوا ، حتّى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى ، فأمر خالد بالحظر (٢) أن تبنى ثمّ أوقد فيها النّيران وألقى الأسارى فيها ، ثم ظعن يريد طيِّئا ، فأقبلت بنو عامر وغطفان والنّاس مسلمين مقرّين بأداء الحقّ ، فقبل منهم خالد.

وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم ، فقالت الأنصار : نحن راجعون ، قد أقرّت العرب بالذي كان عليها ، فقال خالد ومن معه من المهاجرين : قد لعمري آذن لكم ، وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذّاب ، ولا نرى أن تفرّقوا على هذه الحال ، فإنّ ذلك غير حسن ، وإنّه لا حجّة لأحد منكم فارق أميره وهو أشدّ ما كان إليه حاجة ، فأبت الأنصار إلا الرجوع ، وعزم خالد ومن معه ، وتخلّفت الأنصار يوما أو يومين ينظرون في أمرهم ، وندموا وقالوا : ما لكم والله عذر عند الله ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطّرف وقد خذلناهم ، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا به ، فسار الى اليمامة (٣) ، وكان مجّاعة بن مرارة (٤) سيّد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارسا يطلب دماء في بني عامر ، فأحاط بهم المسلمون ، فقتل

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٠.

(٢) في تاريخ خليفة ـ ص ١٠٣ وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٧٢ «حظائر».

(٣) في نجد.

(٤) في المنتقى لابن الملّا «فزارة» وهو وهم.

٣١

أصحاب مجّاعة وأوثقه (١).

وقال العطاف بن خالد : حدّثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي ، عن وحشيّ قال : خرجنا حتّى أتينا طليحة فهزمهم الله ، فقال خالد : لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتّى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال له ثابت بن قيس : إنّما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم ، فلم يقبل منهم ، وسار ، ثمّ تبعه ثابت بعد يوم في الأنصار.

[وقال الثّوريّ ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : لمّا قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصّلح ، خيّرهم أبو بكر بين حرب مجلّية أو حطّة مخزية ، فقالوا : يا خليفة رسول الله أمّا الحرب فقد عرفناها ، فما الحطّة المخزية؟ قال : تؤخذ منكم الحلقة والكراع (٢) وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتّى يري الله خليفة نبيّه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به ، وتؤدّون ما أصبتم منّا ولا نؤدّي ما أصبنا منكم ، وتشهدون أنّ قتلانا في الجنّة وأن قتلاكم في النّار ، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال عمر : أمّا قولك «تدون قتلانا» فإنّ قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم. فاتبع عمر ، وقال عمر في الباقي : نعم ما رأيت] (٣).

مقتل مالك بن نويرة

التميميّ الحنظليّ اليربوعيّ

قال ابن إسحاق (٤) : أتي خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من

__________________

(١) انظر : تاريخ خليفة ـ ص ١٠٧ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٩.

(٢) الكراع : بضم الكاف ، اسم لجميع الخيل. (النهاية لابن الأثير).

(٣) ما بين الحاصرتين في حاشية الأصل ، ونسخة (ح).

(٤) الخبر في تاريخ خليفة ـ ص ١٠٥ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٨٠ ، والأغاني لأبي الفرج ١٥ / ٣٠٣ ، ٣٠٤.

٣٢

قومه بني حنظلة ، فضرب أعناقهم ، وسار في أرض تميم ، فلمّا غشوا قوما منهم أخذوا السّلاح وقالوا : نحن مسلمون ، فقيل لهم : ضعوا السّلاح ، فوضعوه ، ثمّ صلّى المسلمون وصلّوا.

فروى سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قدم أبو قتادة الأنصاريّ على أبي بكر رضي‌الله‌عنه فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع لذلك ، ثم ودى مالكا وردّ السّبي والمال (١).

وروي أنّ مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء ، كان يقال له الجفول (٢) ، قدم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسلم فولّاه صدقة قومه ، ثمّ ارتدّ ، فلمّا نازلة خالد قال : أنا آتي بالصّلاة دون الزّكاة ، فقال : أما علمت أنّ الصّلاة والزّكاة معا؟ لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال : قد كان صاحبك يقول ذلك ، قال خالد : وما تراه لك صاحبا! والله لقد هممت أن أضرب

__________________

(١) تاريخ خليفة ـ ص ١٠٥ ، الأغاني ١٤ / ٦٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٧٦ ، ٣٧٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٥٩.

(٢) قال المرزباني في «معجم الشعراء» ـ ص ٤٣٢ : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم استعمله على صدقات قومه ، فلما بلغه وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمسك الصدقة وفرّقها في قومه ، وجفّل إبل الصدقة فسمّي الجفول.

وانظر عنه :

الشعر والشعراء ١ / ٢٥٤ ، الأغاني ١٥ / ٢٩٨ وما بعدها ، المؤتلف والمختلف ٢٩٧ ، معجم الشعراء ٤٣٢ ، جمهرة أنساب العرب ٢٢٤ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٥٦٨ ، الاستيعاب ٣ / ١٣٦٢ ، سمط اللآلئ ١ / ٨٧ ، خزانة الأدب ١ / ٢٣٦ ، طبقات فحول الشعراء ١٧٠ ، الكامل في الأدب ٣ / ١٢٤٢ ـ ١٢٤٤ ، سمط النجوم ٢ / ٣٥١ ، سرح العيون ٨٦ ، النقائض ٢ / ٧٨٢ ، الخيل لأبي عبيدة ١١ / ١٢ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٨ ، حلية الفرسان ١٦٢ ، البيان والتبيين ٣ / ٢٤ ، المعمّرون ١٥ ، العقد الفريد ٢ / ١١٤ ، فصل المقال ١٧١ ، مجمع الأمثال ٢ / ٢٤ ، عيون الأخيار ٤ / ٣١ ، ٣٢ ، الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ثمار القلوب ٢٤ ، والمحبّر ١٢٦ ، المعارف ٢٦٧ ، الأخبار الموفّقيّات ٦٢٩ رقم ٤٢١ و ٦٣٠ رقم ٤٢٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٨ ، أسماء المغتالين ٢٤٤ ، حور العين ١٣١ ، ومالك ومتمّم ابنا نويرة اليربوعي ـ تأليف د. ابتسام مرهون الصفار ـ طبعة بغداد ١٩٦٨ ، فوات الوفيات ٣ / ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، معجم الشعراء في لسان العرب ٣٦٦ ، البدء والتاريخ للمطهر المقدسي ٥ / ١٥٩.

٣٣

عنقك ، ثم تحاورا طويلا (١) فصمّم على قتله : فكلّمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : اضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا على الإسلام ، فقال : اضرب عنقه ، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوّج خالد بالمرأة ، فقال أبو زهير السّعديّ من أبيات :

قضي خالد بغيا عليه لعرسه

وكان له فيها هوى قبل ذلكا (٢)

__________________

(١) كذا في الأصل ، ونسخة (ع) ، والمنتقى لابن الملّا. وفي نسخة دار الكتب «قليلا».

(٢) قال الأستاذ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه‌الله في كتابه (نقد علميّ لكتاب الإسلام وأصول الحكم ص ٣٣).

أما محاورة مالك بن نويرة لخالد بن الوليد فهي نفس ما قام به الفريق الثاني من أهل حروب الرّدّة ، وكان مالك بن نويرة من زعمائهم ، ولعلّ ذلك سبب قتل خالد بن الوليد له ، لأنّه رآه مثوّرا للعامّة ومغريا لهم ـ كما هو الشأن في حمل التّبعات على القادة والرؤساء ـ إذ العامّة أتباع كلّ ناعق ، ومجرّد النّطق بالشهادتين مانع من القتل لأجل الكفر ، وبقي القتل لأجل حقوق الإسلام ، وقد ثبت القتل على الصلاة ، وثبتت مقارنة الزّكاة للصلاة في آيات القرآن ... وكلمة الشهادة قد يسهل النّطق بها على من لم يعتقد الإسلام ، فجعلت الصلاة والزكاة دليلا على صدق المسلم فيما نطق به ...

وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه‌الله :

كان مالك بن نويرة قدم المدينة وأسلم ، فاستعمله النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على جباية زكاة قومه ، ولذلك ذكره من ذكره في عداد الصّحابة ، وبعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم خان العهد والتحقق بسجاح المتنبّئة ، وأبي دفع الزكاة مرارا وتكرارا عند مناقشته في ذلك ، واجترأ أن يقول : صاحبكم يقول كذا ، فمثل خالد رضوان الله عليه في صرامته وحزمه ضدّ أهل الرّدّة ـ وهو شاهد يرى ما لا يراه الغائب ـ إذا قسا على مثل مالك هذا ، لا يعدّ أنه اقترف ذنبا ، والقتل والسبي من أحكام الرّدّة.

وأمّا ما يحاك حول زواج خالد بامرأة مالك من الخيالات الشائنة فليس إلّا صنع يد الكذّابين ، ولم يذكر منه شيء بسند متّصل فضلا عن أن يكون مرويا برجال ثقات. وتزوّج خالد المسبيّة بعد انقضاء عدّتها هو الواقع في الروايات عند ابن جرير وابن كثير وغيرهما ، ولا غبار على ذلك ، لأنّ مالكا إن قتل خطأ فقد انقضت عدّة امرأته ثمّ تزوّجت ، وإن قتل عمدا على الرّدّة فقد انقضت عدّة امرأته أيضا فتزوّجت ، فما ذا في هذا؟!! ولو صحّت رواية قتله لمسلم بغير حقّ ونزوه على امرأته بدون نكاح لاستحال أن يبقيه أبو بكر رضوان الله عليه في قيادة الجيش لبعده رضي‌الله‌عنه عن الاعتضاد بفاجر سفّاك ، ولسان سيرته يقول في كلّ موقف : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) ولما يعود من ذلك على الإسلام من سوء القالة في أخطر الأيام ـ أيام حرب الرّدّة ـ وقد =

٣٤

__________________

= لقّب الوحي خالدا بلقب «سيف الله» تشريفا له ، أفلا يكون من المحال أن يصف الوحي بهذا اللّقب سفّاكا فاجرا؟! وأمّا أداء الصّدّيق ديته من بيت المال فاقتداء بالمصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما فعله في وقعة بني جذيمة تهدئة للخواطر وتسكينا للنفوس في أثناء ثورانها ، مراعاة للأبعد في باب السياسة ، وإنّما عابه على النّكاح في أثناء الحرب على خلاف تقاليد العرب. وأمّا ما يعزى إلى عمر رضي‌الله‌عنه من الكلمات القاسية في خالد ، فيكفي في إثبات عدم صحّتها قول عمر عند عزله خالدا : (ما عزلتك عن ريبة) بل لو صحّ ذلك عنه لرماه بالجنادل وقتله رجما بالحجارة ، لأنّ الإسلام لا يعرف المحاباة ...

ولا شكّ أنّ خالدا من أعاظم المجتهدين في علم تعبئة الجيوش وتدبير الحروب فلو تنزّلنا غاية التنزّل وقلنا إنّه أخطأ في قتله ـ وهو شاهد ـ وأصاب من استنكر عمله ـ وهو غائب ـ وجب الاعتراف بأنّ الإثم مرفوع عنه ، وإليه يشير ما يروى عن أبي بكر أنّه قال : هبه يا عمر تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد. على أنّ خالدا أخذ في عمله بالظاهر الراجح فيكون غير متأوّل في الحقيقة ، وليس في استطاعة أحد أن يسوق سندا واحدا صحيحا يصم خالدا بمخالفة الشرع في هذه المسألة ، مع أنّ خبر الآحاد لا يفيد علما في مثل هذا الموضوع ، وهذا المطلب علميّ يحتاج إلى دليل يفيد العلم.

وأمّا أسطورة التأثيف فغير ثابتة لأنّها من مقطوعات ابن شهاب الزّهريّ ، ومراسيله شبه الريح عند يحيى بن سعيد القطّان وغيره ، وسماع ابن عقبة منه ينفيه الحافظ الإسماعيل كما في (أحكام المراسيل) و (تهذيب التهذيب). ويقول ابن معين في محمد بن فليح الراويّ عن ابن عقبة : ليس بثقة ، والزّبير بن بكّار الراويّ عنه كثير المناكير.

وخالد بطل عظيم من أبطال الإسلام ، وقائد عبقريّ له مواقف عظيمة في سبيل الإسلام في مؤتة وبلاد اليمن والشام والعراق ، وبه زال أهل الرّدّة من الوجود ، فتصوير مثله بصورة رجل شهوانيّ سفّاح ممّا ينادى على مصوّرة بالويل والثبور.

ولا يخفى على القارئ الكريم مبلغ سعي أعداء الإسلام في كل دور ، ووجوه تجدّد مكرهم في كلّ طبقة ، فمن ألوان مكرهم في عهد تدوين الروايات اندساس أناس منهم بين نقلة الأخبار متلفعين بغير أزيائهم لترويج أكاذيب بينهم لتشويه سمعة الإسلام وسمعة القائمين بالدعوة إلى الإسلام ، فراجت تلك الأخبار على نقلة لم يؤتوا بصيرة نافذة فخلّدوها في الكتب ، لكنّ الله سبحانه أقام ببالغ فضله جهابذة تضع الموازين القسط لتعرف الأنباء الصّافية العيار من بهرج الأخبار ، فأصبحت شئون الإسلام وأنباء الإسلام في حرز أمين من دسّ الدّساسين عند من يحذق وزنها بتلك الموازين.

ومن رجال كتب السّير محمد بن إسحاق ، وقد كذّبه كثير من أهل النقد ، ومن قوّاه اشترط في رواياته شروطا لا تتوفّر في مواضع الريبة من مروياته ، وروايته زياد البكائي مختلف فيه ، ضعّفه النّسائيّ ، وتركه ابن المديني ، وقال أبو حاتم : لا يحتجّ به ، ومنهم هشام بن محمد الكلبيّ وأبوه ، وهما معروفان بالكذب. ومنهم محمد بن عمر الواقديّ وقد كذّبه أناس ، والذين وثّقوه لا ينكرون أنّ في رواياته كثيرا من الأخبار الكاذبة ، لأنّه كان يروي عمّن هبّ ودبّ ، والخبر لا يسلم ما لم يسلم سنده. ومنهم سيف بن عمر التميميّ ، يقول عنه أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقديّ ، وقال الحاكم : اتهم بالزّندقة وهو في الرواية ساقط ، وقال ابن =

٣٥

وذكر ابن الأثير في (كامله) (١) وفي (معرفة الصحابة) (٢) قال : لما توفّي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وارتدّت العرب ، وظهرت سجاح وادّعت النّبوّة صالحها مالك ، ولم تظهر منه ردّة ، وأقام بالبطاح ، فلمّا فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبثّ سراياه فأتى بمالك. فذكر الحديث ، وفيه : فلمّا قدم خالد قال عمر : يا عدوّ الله قتلت امرأ مسلما ثمّ نزوت على امرأته ، لأرجمنّك ، وفيه أنّ أبا قتادة شهد أنّهم أذّنوا وصلّوا.

وقال الموقّريّ (٣) ، عن الزّهريّ قال : وبعث خالد إلى مالك بن نويرة

__________________

= حبّان : قالوا إنّه كان يضع الحديث ويروي الموضوعات عن الأثبات. ومنهم موسى بن عقبة ، وقد أثنوا عليه خيرا إلّا أنّ رواياته هي عن ابن شهاب الزهريّ ، ويدّعي الحافظ الإسماعيلي أنّه لم يسمع منه شيئا ، وابن شهاب الزهري تغلب عليه المراسيل في المغازي والسير ، ومراسيله شبه الريح عند أهل النقد كما سبق. ومنهم محمد بن عائذ الدمشقيّ ، يقول عنه أبو داود : هو كما شاء الله. وهذه نماذج من حملة الروايات في السير والمغازي ، والتهم الموجّهة إلى بعضهم في باب الرواية تدعو الحريص على العلم الصحيح إلى إمعان النّظر فيما يكتب في السير. أه ـ.

وقال الدكتور عزّت علي عطيّة في مؤلّفه : (البدعة ـ تحديدها وموقف الإسلام منها ـ ص ٦٧) : من المعلوم أنّ الأخبار التاريخية يتسامح فيها بما لا يتسامح فيه فيما يتّصل بنقل السّنّة. انتهى ـ.

لذلك نرى الذهبيّ وغيره من المؤرّخين ينقلون في كتبهم التاريخية نصوصا غير محقّقة اعتمادا على ذكر السّند.

وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كلّ خبر بالبحث عن حال رواية. وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنّها هي تاريخنا ، بل على أنّها مادّة غزيرة للدرس والبحث ، يستخرج منها تاريخنا ، وهذا ممكن وميسور إذ تولّاه من يلاحظ مواطن القوّة والضّعف في هذه المراجع ، وله من الا لمعيّة ما يستخلص به حقيقة ما وقع ، ويجرّدها عمّا لم يقع مكتفيا بأصول الأخبار الصحيحة ، مجرّدة عن الزّيادات الطارئة عليها ، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب. من حواشي الأستاذ محبّ الدين الخطيب على (العواصم من القواصم).

وفي «لسان الميزان للحافظ ابن حجر» وغيره تفصيل سبب إيراد بعضهم كلّ ما ورد في الموضوع الّذي يدوّنونه ، وذلك أنّهم يوردون السّند فيتركون للمطّلع معرفة الصّحيح من الملفّق للدخيل (انظر مقالات الكوثري ص ٣١٢ الطبعة الأولى).

وانظر حول هذا الموضوع أيضا كتاب «أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ» ، للدكتور إبراهيم شعوط ، وكتاب «مالك ومتمّم بن نويرة اليربوعي» للدكتورة ابتسام مرهون الصفّار.

(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٣٥٨.

(٢) أسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٢٩٥.

(٣) في (تهذيب التهذيب ١١ / ١٤٨) : يروي عن الزّهريّ عدّة أحاديث ليس لها أصول ، روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يروها الزهريّ قطّ. ونسب كلّ جرح إلى مصدره.

٣٦

سريّة فيهم أبو قتادة ، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلّة الحيّ ، فخرج مالك في رهطه فقال : من أنتم؟ قالوا : نحن المسلمون ، فزعم أبو قتادة أنّه قال : وأنا عبد الله المسلم ، قال : فضع السلاح ، فوضعه في اثني عشر رجلا ، فلمّا وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السّريّة وانطلق بهم أسارى ، وسار معهم السّبي حتى أتوا بهم خالدا ، فحدّث أبو قتادة خالدا أنّ لهم أمانا وأنّهم قد ادّعوا إسلاما ، وخالف أبا قتادة جماعة السّريّة فأخبروا خالدا أنّه لم يكن لهم أمان ، وإنّما أسروا قسرا (١) ، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم ، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر. فلمّا قدم عليه قال : تعلم أنّه كان لمالك بن نويرة عهد وأنّه ادّعى إسلاما ، وإنّي نهيت خالدا فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم ، فقام عمر فقال : يا أبا بكر إنّ في سيف خالد رهقا ، وإنّ هذا لم يكن حقّا فإنّ حقا عليك أن تقيّده ، فسكت أبو بكر (٢).

ومضى خالد قبل اليمامة ، وقدم متمّم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه ، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم ، فردّ إليه أبو بكر السّبي ، وقال لعمر وهو يناشد في القود : ليس على خالد ما تقول ، هبه تأوّل فأخطأ.

قلت ومن المندبة :

وكنّا كندماني جذيمنة (٣) حقبة

من الدّهر حتّى قيل لن يتصدّعا

 فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع (٤) لم نبت ليلة معا (٥)

__________________

(١) في (ع) (قهرا) بدل (قسرا) وكذلك في (ح).

(٢) انظر : تاريخ خليفة ـ ص ١٠٤ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٧٨ ، والأغاني ١٥ / ٣٠١ ، والكامل في التاريخ ٢ / ٣٥٨ ، وسير أعلام النبلاء ١ / ٣٧٧.

(٣) ندمانا جذيمة : هما مالك وعقيل ابنا فارح بن كعب ، نادما جذيمة ، وكانا قد ردّا على ابن أخته عمرو بن عديّ فسألهما حاجتهما فسألاه منادمته ، فكانا نديميه ثم قتلهما. (انظر حاشية رقم (٤) من تاريخ خليفة ـ ص ١٠٥).

(٤) هكذا في الأصل والمصادر المختلفة ، وفي المنتقى لابن الملّا «افتراق» وهو وهم.

(٥) البيتان من جملة أبيات في : الطبقات الكبرى ج ٣ ق ٢ / ٢٧٥ ، الكامل للمبرّد ٣ / ٢٤٢ ،

٣٧

قتال مسيلمة الكذّاب

ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : سار بنا خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة ، وخرج مسيلمة بمجموعة فنزلوا بعقرباء (١) فحلّ بها خالد عليهم ، وهي طرف اليمامة ، وجعلوا الأموال خلفها كلّها وريف اليمامة وراء ظهورهم.

وقال شرحبيل بن مسيلمة (٢) : يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة ، اليوم إن هزمتم ستردف النّساء سبيّات وينكحن غير حظيات (٣) ، فقاتلوا عن أحسابكم ، فاقتتلوا بعقرباء قتالا شديدا ، فجال المسلمون جولة ، ودخل ناس من بني حنيفة فسطاط خالد وفيه مجّاعة أسير ، وأمّ تميم امرأة خالد ، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجّاعة : أنا لها جار ، ودفع عنها ، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين : أف لكم ولما تعملون ، وكرّ المسلمون فهزم الله العدوّ ، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجّاعة ، فقالت أمّ تميم : والله لا يقتل وأجارته. وانهزم أعداء الله حتى إذا كانوا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها ، أشدّ القتال. وقال محكّم بن الطّفيل : يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة (٤)

__________________

= الشعر والشعراء ٢٥٥ ، طبقات فحول الشعراء ١٧٣ ، أمالي اليزيدي ٢٥ ، تاريخ خليفة ١٠٥ ، ١٠٦ ، الأغاني ١٥ / ٣٠٨ ، حور العين للحميري ١٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٦٠ ، البداية والنهاية ٦ / ٣٢٢.

وورد في حاشية الأصل ، وفي متن النسخة (ح) بعد البيتين : «ومن الروايات ما يزعم أن مالك بن نويرة قاتل المسلمين برجاله ، فقتل».

(١) في النسخ كلها والمنتقى لابن الملا (بعفرا) فصححتها من تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ومعجم البلدان ٤ / ١٣٥.

(٢) في طبعة القدسي ٣ / ٣٢ «سلمة» ، والتصحيح من تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٨ و ٢٩٩ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦٢.

(٣) في تاريخ الطبري : «قبل أن تستردف النساء غير رضيّات ، وينكحن غير خطيبات» (٣ / ٢٩٩) وانظر (٣ / ٢٨٨) والكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦٢.

(٤) محرّفة في الأصل. والتصحيح من جميع النسخ الأخرى ، وتاريخ خليفة ـ ص ١٠٩.

والحديقة هي الحائط (الطبري ٣ / ٣٠٠) أو البستان المسوّر بالجدران. والبساتين كثيرة في قرى اليمامة.

٣٨

فإنّي سأمنع أدباركم ، فقاتل دونهم ساعة وقتل ، وقال مسيلمة : يا قوم قاتلوا عن أحسابكم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، حتى قتل مسيلمة.

وحدّثني مولى بني نوفل (١).

وقال الموقّريّ ، عن الزّهري : قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة ، وهم يومئذ أكثر العرب عددا وأشدّه شوكة ، فاستشهد خلق كثير ، وهزم الله بني حنيفة ، وقتل مسيلمة ، قتله وحشيّ بحربة (٢).

وكان يقال : قتل وحشيّ خير أهل الأرض بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شرّ أهل الأرض (٣).

وعن وحشيّ قال : لم أر قطّ أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة ، ثمّ ذكر أنّه شارك في قتل مسيلمة.

وقال ابن عون ، عن موسى بن أنس ، عن أبيه قال : لمّا كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنّط ، ثم قام فأتى الصّفّ والنّاس منهزمون فقال : هكذا عن وجوهنا ، فضارب القوم ثم قال : بئسما عوّدتم أقرانكم ، ما هكذا كنّا نقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستشهد رضي‌الله‌عنه (٤).

وقال الموقّريّ ، عن الزّهريّ قال : ثمّ تحصّن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلاف مقاتل في حصنهم ، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم.

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها ، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب ، فلم

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٠٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢٨٨ و ٢٩٩ ، والكامل لابن الأثير ٢ / ٣٦٢.

(٢) عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رجلا يومئذ يصرح يقول : قتله العبد الأسود. (تاريخ خليفة ١٠٩ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩١).

(٣) كان وحشيّ يقول : «قتلت خير الناس في الجاهلية وشرّ الناس في الإسلام». (أسد الغابة لابن الأثير ٥ / ٨٣).

(٤) في الحديث أنه كان مع سالم مولى أبي حذيفة فقالا : ما هكذا كنّا نقاتل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها ، فقاتلا حتى قتلا. (مجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ٣٢٢).

٣٩

يزل مجّاعة حتّى صالحه على الصّفراء والبيضاء والحلقة والكراع ، وعلى نصف الرقيق ، وعلى حائط من كلّ قرية ، فتقاضوا على ذلك (١).

وقال سلامة بن عمير الحنفيّ : يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالدا على شيء ، فإنّ الحصن حصين ، والطعام كثير ، وقد حضر النّساء ، فقال مجّاعة : لا تطيعوه فإنّه مشئوم. فأطاعوا مجّاعة. ثمّ إنّ خالدا دعاهم إلى الإسلام والبراءة ممّا كانوا عليه ، فأسلم سائرهم (٢).

وقال ابن إسحاق ، إنّ خالدا قال : يا بني حنيفة ما تقولون؟ قالوا : منّا نبيّ ومنكم نبيّ ، فعرضهم على السيف ، يعني العشرين الذين كانوا مع مجّاعة بن مرارة ، وأوثقه هو في الحديد ، ثم التقى الجمعان فقال زيد بن الخطّاب حين كشف النّاس : لا نجوت بعد الرجال ، ثم قاتل حتى قتل (٣).

وقال ابن سيرين : كانوا يرون أنّ أبا مريم الحنفي (٤) قتل زيدا.

وقال ابن إسحاق : رمى عبد الرحمن بن أبي بكر محكّم اليمامة بن طفيل بسهم فقتله (٥).

قلت : واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت : فقال خليفة بن خياط (٦) ، ومحمد بن جرير الطبري (٧) : كانت في سنة إحدى عشرة.

قال عبد الباقي بن قانع : كانت في آخر سنة إحدى عشرة.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٨.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٩.

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٠.

(٤) هو القاضي. انظر الطبري ٤ / ٩٥ ، وتاريخ خليفة ـ ص ١٠٨.

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٢٨٨ ، تاريخ خليفة ـ ص ١٠٩.

(٦) لم يقل خليفة ما ذكره الذهبي ، وإنّما ذكر حوادث الوقعة في السنة الحادية عشرة. (تاريخ خليفة ١٠٧ وما بعدها).

(٧) انظر تاريخه ـ ج ٣ / ٢٨١ وما بعدها.

٤٠