تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله وعدني إسلام أبي الدّرداء» قال : فأسلم (١).

وقال ابن إسحاق : كان الصّحابة يقولون : أتبعنا للعلم والعمل أبو الدّرداء (٢).

وقال أبو جحيفة السّوائيّ : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين سلمان وأبي الدّرداء ، فجاءه سلمان يعوده ، فإذا أمّ الدّرداء مبتذّلة ، فقال : ما شأنك؟ قالت : إنّ أخاك أبا الدّرداء يقوم اللّيل ويصوم النهار ، وليس له في شيء من الدنيا حاجة ، فجاء أبو الدّرداء فرحب بسلمان وقرّب إليه طعاما ، فقال سلمان : كل ، قال : إنّي صائم ، قال : أقسمت عليك لتفطرنّ ، فأفطر ، ثمّ بات سلمان عنده ، فلمّا كان من اللّيل أراد أبو الدّرداء أن يقوم ، فمنعه سلمان وقال : إنّ لجسدك عليك حقّا ، ولربّك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقّا ، صم وأفطر وصلّ (٣) وأت أهلك وأعط كلّ ذي حقّ حقّه ، فلمّا كان وجه الصّبح قال : قم الآن إن شئت ، فقاما وتوضّئا ثمّ ركعا ثمّ خرجا ، فدنا أبو الدّرداء ليخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذي أمره (٤) سلمان ، فقال «له يا أبا الدّرداء إنّ لجسدك عليك حقا مثل ما قال لك سلمان» (٥).

وقال سالم بن أبي الجعد : قال أبو الدّرداء : سلوني فو الله لئن فقدتموني لتفقدنّ رجلا عظيما (٦).

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٦٩ ب ، وانظر المستدرك ٣ / ٣٣٦ ، ٣٣٧.

(٢) التاريخ الكبير للبخاريّ ٧ / ٧٧ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧١ ب.

(٣) (وصل) سقطت من ح.

(٤) في منتقى الأحمدية (أخبره) بدل (أمره) والمثبت في نسخة الدار وسير النبلاء وغيرهما.

(٥) أخرجه البخاري في الصوم ٤ / ١٨٢ ، ١٨٤ باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوّع ، وفي الأدب ، باب صنع الطعام والتكلّف للضيف ، من طريق محمد بن بشار ، عن جعفر بن عون ، عن أبي العميس عتبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، وأخرجه الترمذي (٢٤١٥) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧١ ب.

(٦) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٢ ب.

٤٠١

وقال يزيد بن عميرة : لمّا احتضر معاذ قالوا : أوصنا ، قال : التمسوا العلم عند أربعة : أبي الدّرداء ، وسلمان ، وابن مسعود ، وعبد الله بن سلام (١).

وعن أبي ذرّ أنّه قال : ما أظلّت خضراء أعلم منك يا أبا الدّرداء (٢).

قال أبو عمرو الدّانيّ : عرض على أبي الدّرداء القرآن : عبد الله بن عامر ، وخليد بن سعد القارئ ، وراشد بن سعد ، وخالد بن معدان (٣).

قلت : في عرض هؤلاء عليه نظر.

قال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همّام بن الحارث قال : كان أبو الدّرداء يقرئ رجلا أعجميا فقرأ : (طعام الأثيم) (٤) طعام اليتيم ، فقال أبو الدّرداء : (طعام الأثيم) ، فلم يقدر يقولها ، فقال أبو الدّرداء : «طعام الفاجر» فأقرأه «طعام الفاجر» (٥).

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٣ أ.

(٢) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٣ ب.

(٣) ذكر المؤلّف في معرفة القراء الكبار ١ / ٤١ أن سويد بن عبد العزيز قال : كان أبو الدرداء إذا صلّى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه ، فكان يجعلهم عشرة عشرة ، وعلى كل عشرة عريفا ، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره ، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه ، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك. وكان ابن عامر عريفا على عشرة ، كذا قال سويد ، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر.

وقال المؤلّف في سير أعلام النبلاء ١ / ٣٤٦ بعد أن ساق خبر مجلس العلم لأبي الدرداء : «وهو الّذي سنّ هذه الحلق للقراءة».

(٤) سورة الدخان ـ الآية ٤٣.

(٥) يقول الكوثري : إقامة المرادف مقام اللّفظ المنزل كانت لضرورة وقتيّة نسخت في عهد المصطفى عليه صلوات الله وسلامه بالعرضة الأخيرة المشهورة. قال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» : إنّما كانت السّعة للنّاس في الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم ، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متّفقا ، فكانوا كذلك حتى كثر منهم من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقدروا بذلك على تحفّظ ألفاظه ، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها. وفي «مشكل الآثار» (ج ٤) تمحيص هذا البحث بما لا تجد مثله في كتاب سواه.

٤٠٢

وقال خالد بن معدان : كان ابن عمر يقول : حدّثونا عن العاقلين ، فيقال : من العاقلان؟ فيقول : معاذ ، وأبو الدّرداء (١).

روى الأعمش. عن عمرو بن مرّة ، عن خيثمة قال : كان أبو الدّرداء يصلح قدرا له ، فوقعت على وجهها فجعلت تسبّح ، فقال : يا سلمان تعال إلى ما لم يسمع أبوك مثله قطّ ، فجاء سلمان وسكن الصّوت ، فأخبره ، فقال سلمان : لو لم تصح لرأيت أو لسمعت من آيات الله الكبرى (٢). حديث صحيح.

وقال مالك ، عن يحيى بن سعيد قال : كان أبو الدّرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما فقال : ارجعا إليّ أعيدا عليّ قضيّتكما (٣).

وقال أبو وائل ، عن أبي الدّرداء قال : إنّي لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعلّ الله أن يأجرني فيه.

وقال ميمون بن مهران : قال أبو الدّرداء : ويل للذي لا يعلم مرّة ، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرّات (٤).

وقال عون بن عبد الله قلت لأمّ الدّرداء : أيّ عبادة أبي الدّرداء كانت أكثر؟ قالت : التّفكّر والاعتبار (٥).

وعن أبي الدّرداء أنّه قيل له : كم تسبّح في كلّ يوم ، وكان لا يفتر من

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٢ / ٣٥٠ من طريق قبيصة بن عقبة ، أخبرنا سفيان ، عن ثور بن يزيد الكلاعي ، عن خالد بن معدان. ورجاله ثقات. وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٣ / ٣٨٤ أ.

(٢) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٨ ب و ٣٧٩ أ.

(٣) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٨٥ ب. وفي النسخة (ح) : «قصّتكما» ، وهو تصحيف.

(٤) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٧ أ.

(٥) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٩ أ.

٤٠٣

الذّكر؟ قال : مائة ألف ، إلّا أن تخطئ الأصابع (١).

وقال معاوية بن قرّة : قال أبو الدّرداء : ثلاثة أحبّهن ويكرههنّ النّاس : الفقر والمرض والموت.

وعنه قال : أحبّ الموت اشتياقا لربي ، وأحبّ الفقر تواضعا لربّي ، وأحبّ المرض تكفيرا لخطيئتي (٢).

وقال عكرمة بن عمّار ، عن أبي قدامة محمد بن عبيد الحنفي ، عن أمّ الدّرداء قالت : كان لأبي الدّرداء ستّون وثلاثمائة خليل في الله يدعو لهم في الصّلاة ، قالت : فقلت له في ذلك ، فقال : إنّه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلّا وكّل الله به ملكين يقولان : ولك بمثل. [أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة (٣)] (٤).

قال الواقديّ وأبو مسهر : مات أبو الدّرداء سنة اثنتين وثلاثين.

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٧٧ ب.

(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٧ / ٣٩٢ من طريق عمرو بن مرّة قال : سمعت شيخا يحدّث ، عن أبي الدرداء ، وإسناده ضعيف لجهالة الشيخ ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ١٣ / ٣٨٠ ، ٣٨١ أ.

(٣) تاريخ دمشق ١٣ / ٣٨٩ ب.

(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من النسخة (ح).

٤٠٤

أبو ذرّ الغفاريّ (١) ع (٢)

اسمه جندب بن جنادة [على الصّحيح ، وقيل : جندب بن سكن ،

__________________

(١) السير والمغازي لابن إسحاق ١٣٨ و ١٤١ ، المغازي للواقدي ٥٣٨ و ٥٣٩ و ٥٤٨ و ٥٧١ و ٦٣٧ و ٨١٩ و ٨٤٩ و ٨٥٠ و ٨٩٦ و ١٠٠١ ، تهذيب سيرة ابن هشام ١٢٧ و ١٨٤ و ٢٩١ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٧٠٤ ، طبقات خليفة ٣١ ، تاريخ خليفة ١٦٦ ، مسند أحمد ٥ / ١٤٤ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٢١٩ ـ ٢٣٧ ، التاريخ الكبير ٢ / ٢٢١ رقم ٢٢٦٥ ، الزهد لابن حنبل ١٨٢ ـ ١٨٥ ، البرصان والعرجان للجاحظ ٦٥ ، الأخبار الموفقيّات ٤١ ، المحبّر لابن حبيب ١٣٩ و ٢٣٧ ، المعارف ٢ و ٦٧ و ١٥٢ و ١٩٥ و ٢٥٢ و ٢٥٣ ، عيون الأخبار ١ / ١٥٤ و ٢١١ و ٢ / ٣٥٦ و ٣ / ١٥٨ و ١٨٠ ، أنساب الأشراف ١ / ٢٧٢ و ٣٥٣ و ٣٦٢ وق ٤ ج ١ / ٥١٢ و ٥١٣ و ٥٤١ ـ ٥٤٦ و ٥٥٧ ، و ٥ / ٢٦ و ٥٢ ـ ٥٦ و ٥٧ و ٦٨ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٨٣ ، المنتخب من ذيل المذيّل ٥٣٣ ، الجرح والتعديل ٢ / ٥١٠ رقم ٢١٠١ ، الزاهر للأنباري ١ / ٤٤٥ ، ثمار القلوب ٤ و ٨٥ و ٨٧ و ١٤٥ ، الخراج وصناعة الكتابة ٢٣٥ ، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام ٣ / ٥٢٤) ، حلية الأولياء ١ / ١٥٦ ـ ١٧٠ رقم ٢٦ ، أمالي المرتضى ٢ / ٣٩٦ ، الكنى والأسماء للدولابي ١ / ٢٨ ، العقد الفريد ١ / ٢٢٨ و ٢ / ٢٧٦ و ٤ / ١٥٧ و ٢٨٣ و ٢٨٧ و ٢٨٩ و ٣٠٦ ، المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٤٧ ـ ١٥٨ رقم ١٨٢ ، ربيع الأبرار للزمخشري ٧ و ١٢٤ و ١٣٥ و ١٧٩ و ٢٢٦ و ٣٧٠ و ٣٨١ ، مشاهير علماء الأمصار ١١ ، ١٢ رقم ٢٨ ، الزهد لابن المبارك ١٥ و ٢١ و ٨٨ و ١٠٨ و ١٩٥ و ٢٠٨ و ٢٢٨ و ٤٢٦ و ٤٤٠ ، جمهرة أنساب العرب ١٨٦ ، مقدمة مسند بقيّ بن مخلد ٨١ رقم ١٥ ، المستدرك ٣ / ٣٣٧ ـ ٣٤٦ ، الاستبصار ١٢٥ ، الاستيعاب ١ / ٢١٣ ـ ٢١٧ ، أسد الغابة ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٣ و ٥ / ١٨٦ ـ ١٨٨ ، جامع الأصول ٩ / ٥٠ ـ ٥٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ١١٣ ـ ١١٦ ، البدء والتاريخ ٥ / ٩٣ ـ ٩٥ ، لباب الآداب ٢٦٠ و ٢٧١ و ٣٠٥ ، الزيارات للهروي ٩ و ٨٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ٢٢٩ ، ٢٣٠ رقم ٣٤١ ، صفة الصفوة ١ / ٥٨٤ ـ ٦٠٠ رقم ٦٤ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٦٠٢ ، تحفة الأشراف ٩ / ١٥٤ ـ ١٩٨ رقم ٦١٦ ، الكاشف ٣ / ٢٩٣ رقم ١٤٦ ، المعين في طبقات المحدّثين ٢٠ رقم ٢٦ ، دول الإسلام ١ / ٢٧ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٧ ـ ١٩ رقم ٧ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٤٦ ـ ٧٨ رقم ١٠ ، العبر ١ / ٣٣ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٣٣٧ ـ ٣٤٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٢٧ ، الوفيات لابن قنفذ ٥١ رقم ٣١ ، الوافي بالوفيات ١١ / ١٩٣ رقم ٢٨٥ ، الإكمال ٣ / ٣٣٣ ، الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٧٥ ، طبقات المعتزلة ٩ ، مرآة الجنان ١ / ٨٨ ، الأسامي والكنى للحاكم ج ١ / (ورقة ١٨٨) ، تهذيب التهذيب ١٢ / ٩٠ ، ٩١ رقم ٤٠١ ، تقريب التهذيب ٢ / ٤٢٠ رقم ٢ ، الإصابة ٤ / ٦٢ ـ ٦٤ رقم ٣٨٤ ، النكت الظراف ٩ / ١٥٥ ـ ١٩٧ ، خلاصة تذهيب التهذيب ٤٤٩ ، كنز العمال ١٣ / ٣١١ ، النجوم الزاهرة ١ / ٨٩ ، حسن المحاضرة ١ / ٢٤٥ و ٣٤٥ ، شذرات الذهب ١ / ٢٤ و ٥٦ و ٦٣ ، البداية والنهاية ١ / ١٦٤ ، ١٦٥.

(٢) الرمز ساقط من النسخ ، وهو في منتقى الأحمدية فقط.

٤٠٥

وقيل : برير بن عبد الله ، أو ابن جنادة] (١).

أحد السّابقين الأوّلين ، يقال ، كان خامسا في الإسلام ، ثمّ انصرف إلى بلاد قومه ، وأقام بها بأمر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثمّ لمّا هاجر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاجر أبو ذرّ إلى المدينة.

وروي أنّه كان آدم جسيما ، كثّ اللّحية.

قال أبو داود : لم يشهد أبو ذرّ بدرا ، وإنما ألحقه عمر مع القرّاء.

وكان يوازي ابن مسعود في العلم والفضل ، وكان زاهدا أمّارا بالمعروف ، لا تأخذه في الله لومة لائم.

وعن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذرّ». حسّنه التّرمذيّ (٢) من حديث عبد الله بن عمرو.

وعن عليّ رضي‌الله‌عنه ، وسئل عن أبي ذرّ فقال : وعى علما عجز النّاس عنه ، ثمّ أوكى عليه ، فلم يخرج منه شيئا (٣).

وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يا أبا ذرّ إنّي أراك ضعيفا ، وإني أحبّ لك ما أحبّ لنفسي لا تأمرنّ على اثنين ، ولا تولّينّ مال يتيم» (٤).

وقال أبو غسّان النّهدي : ثنا مسعود بن سعد ، عن الحسن بن

__________________

(١) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب ، والاستدراك من النسخة (ح) ومنتقى الأحمدية.

(٢) رقم (٣٨٠١) ، وابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٢٨ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٣٤٢ ، وفي الأسامي والكنى ١ (ورقة ١٨٥) في ترجمة أبي الدرداء ، وابن ماجة (١٥٦) في المقدّمة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣٢٩ ونسبه إلى البزّار والطبراني ، وأحمد في الزهد ١٨٤.

(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٣٢.

(٤) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٣١ من طريق سعيد بن أبي أيّوب ، عن عبد الله بن أبي جعفر القرشي ، عن سالم بن أبي سالم الجيشانيّ ، عن أبيه ، عن أبي ذرّ ، وأخرجه مسلم في الإمارة (١٨٢٦) باب كراهية الإمارة بغير ضرورة ، وأحمد في المسند ٥ / ١٨٠.

٤٠٦

عبيد الله ، عن رياح بن الحارث ، عن ثعلبة ، أنّ عليا قال : لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذرّ ولا نفسي ، ثمّ ضرب بيده على صدره (١).

وقال بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، عن ابن مسعود قال : لمّا سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلّف الرجل ، فيقولون : يا رسول الله تخلّف فلان ، فيقول : «دعوه فإن يكن فيه خير فسيخلفه الله بكم» حتّى قيل : يا رسول الله تخلّف أبو ذرّ ، فقال : ما كان يقوله ، فتلوّم عليه بعيره ، فلمّا أبطأ عليه أخذ أبو ذرّ متاعه فجعله على ظهره ، ثمّ خرج يتبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماشيا ، ونظر ناظر من المسلمين فقال : إنّ هذا الرجل يمشي على الطّريق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كن أبا ذرّ» ، فلمّا تأمّله القوم قالوا : يا رسول الله هو والله أبو ذرّ ، فقال : «يرحم الله أبا ذرّ يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويحشر وحده» فضرب الدّهر من ضربه ، وسيّر أبو ذرّ إلى الرّبذة فمات بها.

واتّفق مرور عبد الله بن مسعود به من الكوفة فصلّى عليه وشهده (٢).

ومناقب أبي ذر كثيرة.

* * *

روى عنه أنس ، وجبير بن نفير ، وزيد بن وهب ، وسعيد بن المسيّب ، وأبو سالم الجيشانيّ سفيان (٣) بن هانئ ، والأحنف بن قيس ، وعبد الرحمن بن غنم الأشعريّ ، وأبو مراوح ، وقيس بن عباد ، وسويد بن

__________________

(١) ابن سعد ٤ / ٢٣١ ، ٢٣٢.

(٢) الإصابة ٤ / ٦٤ وقال هو : «في السيرة النبويّة لابن إسحاق بسند ضعيف». وهو ضعيف لضعف بريدة بن سفيان حيث ضعّفه البخاري ، والنسائي ، وأبو داود ، وأحمد ، والدار الدّارقطنيّ ، والعقيلي ، والجوزجاني ، وابن عديّ.

(٣) في نسخة دار الكتب (وسفيان) والصّواب (سفيان) لأنّ أبا سالم الجيشانيّ هو سفيان بن هانئ ، كما في (تهذيب التهذيب).

٤٠٧

غفلة ، وأبو إدريس الخولانيّ ، وعبد الله بن الصّامت ، والمعرور بن سويد وأبو عثمان النّهدي ، وخلق سواهم.

وقد استوعب ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١) أخباره وأحواله.

قال حسين المعلّم ، عن ابن بريدة : كان أبو ذرّ رجلا أسود ، كثّ اللّحية ، كان أبو موسى يكرمه (٢) ويقول : مرحبا بأخي. فيقول : لست بأخيك إنّما كنت أخاك قبل أن تستعمل (٣).

ومن أخبار أبي ذرّ أنّه كان شجاعا مقداما.

قال محمد بن سعد (٤) : أنا محمد بن عمر ، ثنا ابن أبي سبرة ، عن يحيى بن شبل ، عن خفاف بن إيماء بن رحضة (٥) قال : كان أبو ذرّ رجلا يصيب ، وكان شجاعا ينفرد وحده ويقطع الطريق ويغير على الصّرم كأنّه السّبع ، ثمّ إنّ الله قذف في قلبه الإسلام (٦).

ثنا فضيل بن مرزوق ، حدّثتني جبلة بنت مصفّح (٧) ، عن حاطب قال : قال أبو ذرّ [ما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا مما صبّه جبريل وميكائيل في صدره إلّا وقد صبّه في صدري ، ولا] (٨) تركت شيئا ممّا صبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صدري إلّا وقد صببته في صدر مالك بن ضمرة (٩).

__________________

(١) مخطوط الظاهرية ـ ج ٤ / ٧ ب وما بعدها.

(٢) في نسختي (ع) و (ح) «يلزمه».

(٣) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٣٠ ورجاله ثقات.

(٤) في الطبقات ٤ / ٢٢٢.

(٥) رحضة : ورد مصحّفا في بعض النسخ ، والتصحيح من بقية النسخ ، وطبقات ابن سعد.

(٦) صفة الصفوة ١ / ٥٨٥.

(٧) في النسخ «مصفى» ، والتصويب من معجم الطبراني.

(٨) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب ، والاستدراك من النسخة (ح) ومنتقى الأحمدية ، ومعجم الطبراني.

(٩) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ١٤٩ رقم ١٦٢٤.

٤٠٨

أبو إسحاق السّبيعيّ ، عن هانئ ، سمع عليّا يقول : أبو ذرّ وعاء مليء علما ، ثمّ وكى عليه ، فلم يخرج منه شيء حتّى قبض. أخرجه أبو داود (١).

شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أمرت بحبّ أربعة لأنّ الله يحبّهم : عليّ ، وأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد» (٢). أبو ربيعة هذا خرّج له أبو داود وغيره ، قال أبو حاتم : منكر الحديث.

عبد الحميد بن بهرام : ثنا شهر ، حدّثتني أسماء (٣) أنّ أبا ذرّ كان يخدم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد ، وكان هو بيته [يضطجع فيه] (٤) ، فدخل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد ليلة فوجده نائما ، فنكته (٥) برجله ، فجلس فقال له : «ألا أراك نائما» ، قال : فأين أنام؟ [هل لي من بيت غيره] (٦) فجلس إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «كيف أنت إذا أخرجوك منه»؟ قال : الحق بالشّام [فإنّ الشّام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء ، فأكون رجلا من أهلها] (٧) قال : «كيف أنت إذا أخرجوك منها»؟ قال : إذا أرجع إلى المسجد فيكون بيتي ومنزلي ، قال : فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال : إذا آخذ سيفي فأقاتل [عني] (٨) حتى أموت ، قال : فكشر إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «أدلّك على خير من ذلك : تنقاد لهم حيث قادوك [وتنساق لهم حيث

__________________

(١) ونحوه ما أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٣٢.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣٥١.

(٣) هي أسماء بنت يزيد. (مسند أحمد ٦ / ٤٥٧).

(٤) ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.

(٥) في نسخة دار الكتب (فنكبه» ، والتصحيح من المسند.

(٦) ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.

(٧) ما بين الحاصرتين مستدرك من المسند.

(٨) مستدركة من المسند.

٤٠٩

ساقوك] (١) حتّى تلقاني وأنت على ذلك». أخرجه الإمام أحمد (٢).

الأوزاعيّ ، حدّثني أبو كثير ، عن أبيه قال : أتيت أبا ذرّ ، وقد اجتمعوا عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه ، فأتاه رجل فقال : ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه وقال : أرقيب أنت عليّ! لو وضعتم الصّمصامة على هذه (٣) ثمّ ظننت أنّي أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن تجيزوا (٤) عليّ لأنفذتها (٥). رواه غير واحد عن الأوزاعيّ. واسم أبي كثير مرثد ، صدوق.

عن ثعلبة بن الحكم (٦) عن عليّ قال : لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذرّ ولا نفسي. ثمّ ضرب بيده على صدره (٧).

الجريريّ ، عن أبي العلاء بن الشّخّير ، عن الأحنف قال : رأيت أبا ذرّ قام بالمدينة على ملأ من قريش فقال : بشّر الكنّازين برضف (٨) يحمى عليه فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتّى يخرج من نغض (٩) كتفه ، فما رأيت أحدا ردّ عليه شيئا ، وذكر الحديث (١٠) وهو حديث صحيح.

__________________

(١) مستدرك من المسند.

(٢) في المسند ٦ / ٤٥٧ وإسناده ضعيف لضعف شهر ، وهو ابن حوشب. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢ / ١٤٨ رقم (١٦٢٣) وهو مختصر.

(٣) وأشار بيده إلى قفاه. كما في حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء ، وتذكرة الحفّاظ.

(٤) اي تقتلوني وتنفذون فيّ أمركم ، كما في «النهاية لابن الأثير».

(٥) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٦٠.

(٦) في نسختي (ع) و (ح) «عن ثعلبة عن الحكم» ، والتصحيح من نسخة دار الكتب ، وطبقات ابن سعد.

(٧) طبقات ابن سعد ٤ / ٢٣١ ، ٢٣٢.

(٨) الرّضف : الحجارة المحمّاة على النار.

(٩) النغض : أعلى الكتف.

(١٠) الحديث بكاملة أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٧٦ ، وانظر الفتح الباري لابن حجر ٣ / ٢١٨.

٤١٠

ابن لهيعة : ثنا أبو قبيل : سمعت مالك بن عبد الله الزّياديّ يحدّث عن أبي ذرّ أنّه دخل على عثمان ، فقال عثمان ، يا كعب إنّ عبد الرحمن توفّي وترك مالا فما ترى؟ قال : إن كان ـ يعني زكّى ـ فلا بأس ، فرفع أبو ذرّ عصاه فضرب كعبا وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما أحبّ أنّ لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبّل (١) منّي أذر خلفي منه ستّ أواق (٢). أنشدك الله يا عثمان أسمعته مرارا؟ قال : نعم (٣).

جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجّاج ، عن عبد الله بن سيدان قال : تناجي عثمان وأبو ذرّ حتّى ارتفعت أصواتهما ، ثمّ انصرف أبو ذرّ مبتسما وقال : سامع مطيع ولو أمرني أن آتي عدن (٤). وأمره أن يخرج إلى الرّبذة (٥).

الأعمش ، عن ميمون بن مهران ، عن عبد الله بن سيدان ، عن أبي ذرّ قال : لو أمرني عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت (٦).

وعن أبي جويرية ، عن زيد بن خالد الجهنيّ أنّ أبا ذرّ قال لعثمان : والله لو أمرتني أن أحبو لحبوت ما استطعت.

__________________

(١) في النسخة (ع) «وينفتل» ، وفي النسخة (ح) «ويتقلل» وكلاهما خطأ ، والتصويب من نسخة دار الكتب وسير أعلام النبلاء.

(٢) قال المؤلف في سير أعلام النبلاء ٢ / ٦٧ «هذا دالّ على فضل إنفاقه وكراهية جمعه ، لا يدلّ على تحريم».

(٣) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٦٣ وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، وجهالة مالك بن عبد الله ، وأخرجه ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» ص ٢٨٦ من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار ، عن ابن لهيعة.

(٤) في طبقات ابن سعد : «أن آتي صنعاء أو عدن ، ثم استطعت أن أفعل ، لفعلت».

(٥) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٢٧ وعبد الله بن سيدان هو المطرودي السلمي الرَّبَذيّ. قال البخاري : لا يتابع في حديثه ، له حديث واحد وهو شبه المجهول. وانظر الكامل لابن عديّ ٤ / ١٥٣٧.

(٦) إسناده ضعيف كسابقه ، لضعف عبد الله بن سيدان.

٤١١

أبو عمران الجونيّ ، عن عبد الله بن الصّامت قال : قال أبو ذرّ لعثمان : يا أمير المؤمنين افتح الباب لا تحسبني من قوم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ، يعني الخوارج.

العوّام بن حوشب : حدّثني رجل عن شيخ وامرأته (١) من بني ثعلبة قالا : نزلنا بالرّبذة ، فمرّ بنا شيخ أشعث فقالوا : هذا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاستأذنّاه أن نغسل رأسه ، فأذن لنا واستأنس بنا ، فبينا نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق فقالوا : يا أبا ذرّ فعل بك هذا الرجل وفعل ، فهل أنت ناصب لك راية ، فقال : لا تذلّوا السّلطان فإنّه من أذلّ السّلطان فلا توبة له ، والله لو أنّ عثمان صلبني على أطول خشبة لسمعت وصبرت ورأيت أنّ ذلك خير لي (٢).

حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصّامت ، قالت أمّ ذرّ : والله ما سيّر عثمان أبا ذرّ ـ تعني إلى الرّبذة ـ ولكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها».

ابن شوذب (٣) ، عن غالب القطّان قال : يا أبا سعيد أعثمان أخرج أبا ذرّ؟ قال : معاذ الله.

أبو سعيد هو الحسن.

أبو هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، أن أبا ذرّ كان عطاؤه أربعة آلاف ، فإذا أخذه دعا خادمه فسأله ما يكفيه للسنة فاشتراه ، ثمّ اشترى فلوسا بما بقي ، وقال : إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضّة يوكأ عليه إلّا

__________________

(١) في سير أعلام النبلاء ٢ / ٧١ «عن شيخين من بني ثعلبة».

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٦٥ ، وابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٢٧ ، وفيه جهالة الرجل وابنته ، وباقي رجاله ثقات.

(٣) في النسخة (ع) «أبو شوذب» وهو تحريف.

٤١٢

وهو يتلظّى على صاحبه (١).

الأوزاعي ، عن يحيى قال : كان لأبي ذرّ ثلاثون فرسا يحمل عليها ، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويريح بقيتها ، فإذا رجعت حمل على الخمسة عشر الأخرى.

ثابت البنانيّ قال : بنى أبو الدّرداء مسكنا فمرّ عليه أبو ذرّ فقال : ما هذا تعمر دارا أمر الله بخرابها (٢)

حسين المعلّم ، عن ابن بريدة (٣) قال : كان أبو موسى يكرم أبا ذر ، وكان أبو موسى خفيف اللّحم ، قصيرا ، وكان أبو ذرّ رجلا أسود ، كثّ الشّعر ، فكان أبو موسى ، يقول : مرحبا بأخي ، فيقول : لست بأخيك ، إنّما كنت أخاك قبل أن تستعمل (٤).

قيل : لم يعش بعده ابن مسعود إلّا نحو عشرة أيام.

وقال الجريريّ : ثنا أبو العلاء (٥) بن عبد الله ، عن نعيم بن قعنب قال : أتيت أبا ذرّ فجاءت امرأته بثريدة ، فقال : كل فإنّي صائم ، ثمّ قام يصلّي ، ثمّ انفتل فأكل ، فقلت : إنّا لله ما كنت أخاف أن تكذبني! قال : ما كذبت ، إني صمت من هذا الشّهر ثلاثة أيّام ، فكتب لي أجره وحلّ لي الطّعام.

__________________

(١) رجاله ثقات ، أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٣٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٩٥ وكلاهما عن :

عفّان بن مسلم ، عن همّام بن يحيى ، عن قتادة.

(٢) في سير أعلام النبلاء ٢ / ٧٤ زيادة.

(٣) في نسختي (ع) و (ح) «أبي بردة» وهو وهم.

(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٤ / ٢٣٠ ورجاله ثقات. وقد مرّ قبل الآن.

(٥) في نسختي (ع) و (ح) «العلاء» وهو وهم. فهو يزيد بن عبد الله بن الشّخّير.

٤١٣
٤١٤

سنة ثلاث وثلاثين

فيها كانت غزوة قبرس. قال ابن إسحاق وغيره (١).

وغزوة إفريقية ، وأمير النّاس عبد الله بن سعد بن أبي سرح. قاله اللّيث (٢).

وفيها قال خليفة (٣) : جمع قارن جميعا عظيما بباذغيس وهراة ، وأقبل في أربعين ألفا فترك قيس بن الهيثم البلاد وهرب ، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم (٤) السّلميّ ، وجمع أربعة آلاف مقاتل ، والتقى هو وقارن ، ونصره الله وقتل وسبى ، وكتب إلى ابن عامر بالفتح ، فاستعمله ابن عامر على خراسان ، ثمّ وجّه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان ، فصالحه صاحب زرنج (٥) وبقي بها حتّى حوصر عثمان.

قال خليفة (٦) : وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرة من أرض الرّوم.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٧ ، الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٣.

(٢) الطبري ٤ / ٣١٧.

(٣) في تاريخه ١٦٧.

(٤) في بعض النسخ «حازم» بالحاء المهملة ، وهو تصحيف ، والتصويب من تاريخ خليفة.

(٥) هي قصبة سجستان ، على ما في (معجم البلدان).

(٦) في تاريخه ١٦٧

٤١٥

قال : وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة ، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج (١).

__________________

(١) ورد محرّفا في النسخة (ع) ، والمثبت هو الصواب.

٤١٦

الوفيّات

وفيها توفّي عبد الله بن كعب الأنصاري المازنيّ أحد البدريين ، ورّخه المدائنيّ ، وقد تقدّم ذكره في سنة ثلاثين.

وعبد الله بن مسعود في قول ، وقد تقدّم.

المقداد بن الأسود (١) ع (٢)

الكندي البهراني (٣). كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزّهري ،

__________________

(١) السير والمغازي لابن إسحاق ١٧٦ و ٢٢٥ ، المغازي للواقدي ٥٣٨ ـ ٥٤٩ ، تاريخ خليفة ١٦٨ ، أنساب الأشراف ١ / ١٤٣ و ٢٠٥ وق ٤ ج ١ / ٣٤٣ ، المحبّر لابن حبيب ٦٤ و ٧٣ ، الأخبار الموفقيّات ٣٢١ ، المعارف ١٢٠ و ٢٦٢ و ٣٤١ ، المنتخب من ذيل المذيل ٥٠٦ ، مسند أحمد ٤ / ٧٩ و ٦ / ٢ و ٨ ، المعرفة والتاريخ ٢ / ١٦١ ، و ٤٠١ و ٣ / ١٦٧ و ٣٦٨ ، مشاهير علماء الأمصار ٢٤ رقم ١٠٥ ، العقد الفريد ٤ / ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٢٧٩ و ٤ / ٢٨٠ و ٥ / ٢٧٤ و ٦ / ١٣٠ و ١٣٦ ، المستدرك ٣ / ٣٤٨ ـ ٣٥١ ، الاستيعاب ٣ / ٤٧٢ ـ ٤٧٦ ، حلية الأولياء ١ / ١٧٢ ـ ١٧٦ رقم ٢٨ ، التاريخ الكبير ٨ / ٥٤ رقم ٢١٢٦ ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام ١٠ / ٤٢٣ ، ٤٢٤) ترتيب الثقات للعجلي ٤٣٨ رقم ١٦٢٦ ، الجرح والتعديل ٨ / ٤٢٦ رقم ١٩٤٢ ، طبقات ابن سعد ٣ / ١٦١ ـ ١٦٣ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ٨٦ رقم ٧٦ ، جمهرة أنساب العرب ٤٤١ ، التاريخ الصغير ٦٠ ، ٦١ ، أسد الغابة ٤ / ٤٠٩ ، ٤١٠ ، الكامل

(٢) الرمز ساقط من أكثر النسخ ، والاستدراك من النسخة (ح) ، والخلاصة ٣٩٨.

(٣) في نسخة دار الكتب «النهراني» وهو تصحيف.

٤١٧

فيقال تبنّاه ، وقيل : كان عبدا حبشيّا له فتبنّاه ، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك من ولد الحاف بن قضاعة وقيل : إنّه أصاب دما في كندة ، فهرب إلى مكة ، وحالف الأسود بن عبد يغوث.

كان من السّابقين الأوّلين ، شهد بدرا ، ولم يصحّ أنّه كان في المسلمين فارس يومئذ غيره ، واختلفوا في الزّبير.

روى عنه : عليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عبّاس ، وجبير بن نفير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهمّام بن الحارث ، وعبيد الله بن عديّ بن الخيار ، وآخرون.

عاش سبعين سنة ، وصلّى عليه عثمان.

وكان رجلا آدم طوالا ، ذا بطن كبير ، أشعر الرأس ، أعين ، مقرون الحاجبين (١). وكان يوم فتح مكة على ميمنة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن المقداد : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثه مبعثا ، فلما رجع قال : كيف وجدت الإمارة؟ قلت : يا رسول الله ما ظننت إلّا أنّ النّاس كلّهم لي خول ، والله لا ألي على عمل ما عشت (٢).

__________________

= في التاريخ (انظر فهرس الأعلام ١٣ / ٣٥٤ ، ٣٥٥) ، لباب الآداب لابن منقذ ٢٦٣ و ٢٨٤ ، الزيارات للهروي ٤٧ و ٦٣ و ٩٤ ، صفة الصفوة ١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٦ رقم ٢٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ١١١ ، ١١٢ رقم ١٦٣ ، تحفة الأشراف ٨ / ٤٩٩ ـ ٥٠٥ رقم ٥٣٩ ، نهاية الأرب للنويري ١٩ / ٤٦١ ، الكاشف ٣ / ١٥٢ رقم ٥٧١٤ ، المعين في طبقات المحدّثين ٢٧ رقم ١٢٥ ، دول الإسلام ١ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٩ رقم ٨١ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠ ، معالم الإيمان ١ / ٧١ ـ ٧٦ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٣٦٧ ، العقد الثمين ٧ / ٢٦٨ ـ ٢٧٢ ، شفاء الغرام (بتحقيقنا) ٢ / ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، النكت الظراف ٨ / ٥٠٠ ـ ٥٠٥ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٨٥ ، تقريب التهذيب ٢ / ٢٧٢ رقم ١٣٤٨ ، الإصابة ٣ / ٤٥٤ ، ٤٥٥ رقم ٨١٨٣ ، مرآة الجنان ١ / ٨٩ ، شذرات الذهب ١ / ٣٩.

(١) انظر : طبقات ابن سعد ٣ / ١٦٣ ، والمستدرك للحاكم ٣ / ٣٤٨ ، وصفة الصفوة ١ / ٤٢٣.

(٢) حلية الأولياء ١ / ١٧٤ ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٤٩ ، ٣٥٠ وصحّحه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

٤١٨

وقال ثابت البناني : كان عبد الرحمن والمقداد يتحدّثان ، فقال له ابن عوف : مالك لا تزوّج؟ قال زوّجني بنتك ، قال : فأغلظ له وجبهه ، فشكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرف الغمّ في وجهه فقال : «لكنّي أزوّجك ولا فخر» ، فزوّجه بابنة عمّه ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطلب (١). وكان بها من الجمال والعقل التّام (٢) مع قرابتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرني الله بحبّ أربعة : عليّ ، وأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد». رواه أحمد في «مسندة» (٣).

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الجنّة تشتاق إلى أربعة» فذكرهم. إسناده ضعيف.

وعن كريمة بنت المقداد أنّ المقداد وصّى للحسن والحسين لكلّ واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم ، وأوصى لأمّهات المؤمنين لكلّ واحدة بسبعة آلاف درهم.

وعن أبي فائد ، أنّ المقداد بن عمرو شرب دهن الخروج فمات (٤).

وقيل : إنّه مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة. ودفن بالبقيع.

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ٣ / ١٦٢.

(٢) في النسخ «والتمام» ، والمثبت عن المنتقى لابن الملّا.

(٣) ٥ / ٣٥١ ، وذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (١٣٧٣) بلفظ : «أمرت بحبّ أربعة من أصحابي ، وأخبرني الله أنه يحبّهم : عليّ ، وأبو ذرّ ، وسلمان ، والمقداد».

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ١٦٣ ، صفة الصفوة ١ / ٤٢٦.

والخروع : نبت لا يرعى.

٤١٩

سنة أربع وثلاثين

فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه ، ورضوا بأبي موسى الأشعريّ ، وكتبوا فيه إلى عثمان فولّاه عليهم ، ثمّ إنّه بعد قليل ردّ إليهم على الإمرة سعيد بن العاص فخرجوا ومنعوه (١)

وفيها كانت غزوة ذات الصّواري (٢) في البحر من ناحية الإسكندرية ، وأميرها ابن أبي سرح.

* * *

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٦٨.

(٢) اشتهرت هذه الموقعة باسم «ذات الصواري» بالصاد ، و «ذات السواري» بالسين ، وقيل إنّها سمّيت كذلك لكثرة صواري السفن التي ظهرت فيها وهي الأدقال. (التنبيه والإشراف ـ للمسعوديّ ـ ص ١٣٥ ـ طبعة بيروت ١٩٦٨) كما سمّيت «ذا الصواري» بحذف التاء ، واستدلّ بعضهم من هذه التسمية أنها نسبة إلى المكان الّذي جرت الموقعة عنده لأنّه كان مكتظّا بأشجار السرو. ومما تجدر الإشارة إليه أن المصادر لم تحدّد المكان الّذي دارت الموقعة عنده ، مع أن «ابن عبد الحكم» انفرد بالقول بأن جيش المسلمين انقسم إلى قسمين حيث نزل قسم منه إلى البرّ ، وبقي قسم آخر في السفن. (فتوح مصر وأخبارها ـ ص ١٩٢ ـ طبعة نيويورك ١٩٣٢) وانظر : ولاة مصر ـ للكندي ـ ص ٣٦ و ٣٧ ـ طبعة بيروت ١٩٥٩ ، ونهاية الأرب للنويري ١ / ٨٠ ـ طبعة دار الكتب بمصر.

٤٢٠