تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي

ألف ، جلّلت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه ، فسمّيت جلولاء. وقال غيره : كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال : سمّيت جلولاء لما تجلّلها من الشّرّ.

وقال سيف : كانت سنة سبع عشرة.

وقال خليفة بن خيّاط (١) : هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان ، فكتب إلى الجبال ، فجمع العساكر ووجّههم إلى جلولاء ، فاجتمع له جمع عظيم ، عليهم خرّزاذ بن خرهرمز (٢) ، فكتب سعد إلى عمر يخبره ، فكتب إليه : أقم مكانك ووجّه إليهم جيشا ، فإنّ الله ناصرك ومتمّم وعده ، فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص ، فالتقوا ، فجال المسلمون جولة ، ثمّ هزم الله المشركين ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالا عظيمة وسبايا ، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف.

وجاء عن الشّعبيّ أنّ فيء جلولاء قسّم على ثلاثين ألف ألف (٣).

وقال أبو وائل : سمّيت جلولاء «فتح الفتوح» (٤).

وقال ابن جرير (٥) : أقام هاشم بن عتبة بجلولاء ، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين ، فقتل من أدرك منهم ، وقتل مهران ، وأفلت الفيرزان (٦) ، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الرّيّ.

* * *

__________________

(١) في التاريخ ـ ص ١٣٦.

(٢) في الأصل «خرزاد بن جرمهر» ، والتصويب من تاريخ خليفة ١٣٦ وتاريخ الطبري ٤ / ٢٧.

(٣) تاريخ خليفة ١٣٧.

(٤) تاريخ خليفة ١٣٧.

(٥) في التاريخ ٤ / ٣٤.

(٦) في نسخة دار الكتب (القيروان) وهو خطأ.

١٦١

وفيها جهّز سعد جندا فافتتحوا تكريت واقتسموها ، وخمّسوا الغنائم ، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم (١).

* * *

وفيها سار عمر إلى الشام وافتتح بيت المقدس ، وقدم إلى الجابية ـ وهي قصبة حوران ـ فخطب بها خطبة مشهورة متواترة عنه (٢).

قال زهير بن محمد المروزي : حدّثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنّه سمع أبا الغادية المزني قال : قدم علينا عمر الجابية ، وهو على جمل أورق (٣) ، تلوح صلعته للشمس ، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة ، بين عودين ، ووطاؤه فرو كبش نجدي ، وهو فراشه إذا نزل ، وحقيبته شملة أو نمرة محشوّة ليفا وهي وسادته ، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه.

رواه أبو إسماعيل المؤدّب ، عن ابن هرمز فقال : عن أبي العالية الشّاميّ.

قنّسرين

وفيها بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص ـ بعد فراغه من اليرموك ـ إلى قنّسرين ، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية ، وفتح سائر بلاد قنّسرين عنوة (٤).

وفيها افتتحت سروج والرّها على يدي عياض بن غنم (٥).

وفيها قال ابن الكلبيّ : سار أبو عبيدة وعلى مقدّمته خالد بن الوليد ، فحاصر أهل إيلياء (٦) ، فسألوه الصّلح على أن يكون عمر هو الّذي يعطيهم

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥ ، ٣٦.

(٢) انظر الخطبة في تاريخ الطبري ٣ / ٦٠٩ ، وفتوح الشام للأزدي ٢٥١.

(٣) أي أسمر.

(٤) تاريخ خليفة ١٣٥.

(٥) فتوح البلدان ١ / ٢٠٨.

(٦) بكسر أوله وكسر اللام : اسم مدينة بيت المقدس.

١٦٢

ذلك ويكتب لهم أمانا ، فكتب أبو عبيدة إلى عمر ، فقدم عمر إلى الأرض المقدّسة فصالحهم وأقام أيّاما ثم شخص إلى المدينة (١).

وفيها كانت وقعة قرقيسياء (٢) ، وحاصرها الحارث بن يزيد العامريّ ، وفتحت صلحا (٣).

* * *

وفيها كتب التاريخ في شهر ربيع الأول ، فعن ابن المسيّب قال : أوّل من كتب التاريخ عمر بن الخطّاب لسنتين ونصف من خلافته ، فكتب لستّ عشرة من الهجرة بمشورة عليّ رضي‌الله‌عنهما (٤).

وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعيّ بن الأفكل.

* * *

(من توفّي فيها):

مارية أمّ إبراهيم القبطية(٥) ، وكانت أهداها المقوقس إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ثمان ، وعاش ابنها إبراهيم عليه‌السلام عشرين شهرا ، وصلّى عليها عمر ، ودفنت بالبقيع في المحرّم.

* * *

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٣٥.

(٢) قرقيسياء : بالفتح ثم السكون. بلد على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق على ستة فراسخ وعندها مصبّ الخابور في الفرات. (معجم البلدان ٤ / ٣٢٨).

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٣٨.

(٤) الطبري ٤ / ٣٨.

(٥) طبقات ابن سعد ٨ / ٢١٢ ـ ٢١٦ ، الاستيعاب ٤ / ٤١٠ ـ ٤١٣ ، أسد الغابة ٥ / ٥٤٣ ،

١٦٣

ويقال توفّي فيها سعد بن عبادة (١). وأبو زيد سعد بن عبيد القارئ (٢).

__________________

= [(٥٤٤ ،)] الإصابة ٤ / ٤٠٤ ، ٤٠٥ رقم ٩٨٤ ، تاريخ خليفة ١٣٥ ، تسمية أزواج النبيّ وأولاده لأبي عبيدة ٧٥ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٠٥.

(١) تاريخ خليفة ١٣٥.

(٢) في حاشية الأصل : «بلغت قراءة خليل بن أيبك على مؤلّفه ، فسح الله في مدّته ، في الميعاد الخامس عشر ، وسمعه المولى أمين الدين محمد بن الأنفي المالكي ، والمولى الإمام المحدّث شمس الدين بن أبي بكر ابن الشيخ محبّ الدين».

١٦٤

سنة سبع عشرة

يقال كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة.

وفيها خرج عمر إلى سرغ (١) ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت ، فوجد الطّاعون بالشام ، فرجع لمّا حدّثه عبد الرحمن بن عوف عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمر الطّاعون (٢).

وفيها زاد عمر في مسجد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمله كما كان في زمان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وفيها كان القحط بالحجاز ، وسمّي عام الرّمادة (٤) ، واستسقى عمر للنّاس بالعبّاس عمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥).

__________________

(١) سرغ : بفتح أوّله وسكون ثانيه. أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاجّ الشام. قال أنس بن مالك : هي قرية بوادي تبوك. (معجم البلدان ٣ / ٢١١ ، ٢١٢).

(٢) تاريخ خليفة ١٣٥.

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٦٨ ، ابن الأثير ٢ / ٥٣٧.

(٤) الرماد : الهلكة ، وسمّي عام الرّمادة لأنّه هلكت فيه النّاس والأموال. (تاج العروس). وفي طبقات ابن سعد ٣ / ٣١٠ أنّ الأرض كلها صارت سوداء فشبّهت بالرماد.

(٥) تاريخ خليفة ١٣٨ (حوادث سنة ١٨ ه‍ ـ.) وكذلك في تاريخ الطبري ٤ / ٩٦ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٥٥٥ ، ابن سعد ٣ / ٣٢١.

١٦٥

وفيها كتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ بإمرة البصرة. وبأن يسير إلى كور الأهواز ، فسار واستخلف على البصرة عمران بن حصين ، فافتتح أبو موسى الأهواز صلحا وعنوة ، فوظّف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف ، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصّلح فما قدر (١).

قال خليفة (٢) : وفيها شهد أبو بكرة ، ونافع ابنا الحارث ، وشبل بن معبد ، وزياد على المغيرة بالزّنى ثم نكل بعضهم ، فعزله عمر عن البصرة وولّاها أبا موسى الأشعريّ (٣).

وقال خليفة (٤) : ثنا ريحان بن عصمة ، ثنا عمر بن مرزوق ، عن أبي فرقد قال : كنّا مع أبي موسى الأشعريّ بالأهواز وعلى خيله تجافيف (٥) الدّيباج.

وفيها تزوّج عمر بأمّ كلثوم بنت فاطمة الزّهراء ، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل (٦).

* * *

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٣٥ ، ١٣٦ ، الطبري ٤ / ٦٩ ، ابن الأثير ٢ / ٥٤٠.

(٢) في التاريخ ١٣٥.

(٣) «الأشعريّ» ساقطة من الأصل ، والاستدراك من تاريخ خليفة ١٣٥.

(٤) في التاريخ ١٣٦.

(٥) التجفاف : بالكسر ، آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان كالدرع.

(٦) الإصابة ٤ / ٤٩٢ رقم ١٤٨١ ، السير والمغازي لابن إسحاق ٢٤٨.

١٦٦

الوفيّات

وفيها توفّي جماعة ، الأصحّ أنّهم توفّوا قبل هذه السّنة وبعدها ، فتوفّي عتبة بن غزوان في قول سعيد بن عفير ورواية الواقديّ. وتوفّي فيها الحارث بن هشام ، وإسماعيل بن عمرو في قول ابن عفير. وفي قوله أيضا شرحبيل بن حسنة. ويزيد بن أبي سفيان بن حرب ، وفي قول هشام بن الكلبيّ وابن عفير توفّي أبو عبيدة بن الجرّاح.

وقال أبو مسهر : قرأت في كتاب يزيد بن عبيدة : توفّي أبو عبيدة ، ومعاذ بن جبل سنة سبع عشرة.

١٦٧
١٦٨

سنة ثماني عشرة

فيها قال ابن إسحاق : استسقى عمر للنّاس وخرج ومعه العبّاس فقال : «اللهمّ إنّا نستسقيك بعمّ نبيّك» (١).

وفيها افتتح أبو موسى جنديسابور والسّوس (٢) صلحا ، ثم رجع إلى الأهواز (٣).

وفيها وجّه سعد بن أبي وقّاص جرير بن عبد الله البجليّ إلى حلوان بعد جلولاء ، فافتتحها عنوة (٤).

ويقال بل وجّه هاشم بن عتبة ، ثم انتقضوا حتّى ساروا إلى نهاوند ، ثمّ سار هاشم إلى ماه (٥) فأجلاهم إلى أذربيجان ، ثم صالحوا (٦).

ويقال فيها افتتح أبو موسى رامهرمز (٧) ، ثمّ سار إلى تستر (٨)

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٣٨ وفي طبقات ابن سعد ٣ / ٣٢١ «إنّا نتشفّع إليك».

(٢) السّوس : بلدة بخوزستان فيها قبر دانيال النبيّ. (معجم البلدان ٣ / ٢٨٠).

(٣) تاريخ خليفة ١٤٠.

(٤) تاريخ خليفة ١٣٩.

(٥) في تاريخ خليفة ١٤٠ «ماه دينار». وهي مدينة نهاوند. (معجم البلدان ٥ / ٤٩).

(٦) تاريخ خليفة ١٤٠.

(٧) مدينة مشهورة بنواحي خوزستان. (معجم البلدان ٣ / ١٧).

(٨) تستر ، بالضمّ ثم السكون ، وفتح التاء الأخرى. أعظم مدينة بخوزستان. (معجم البلدان ٢ / ٢٩).

١٦٩

فنازلها (١).

وقال أبو عبيدة بن المثنّى : فيها حاضر هرم بن حيّان أهل دست هرّ (٢) ، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع فقال : الآن أصالح العرب ، فصالح هرما على أن يخلي لهم المدينة (٣).

وفيها نزل النّاس الكوفة (٤) ، وبناها سعد باللّبن ، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل.

وفيها كان طاعون عمواس (٥) بناحية الأردنّ ، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال : إنّه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.

__________________

(١) تاريخ خليفة ١٤٠.

(٢) هكذا في الأصل ، وفي تاريخ خليفة «ريشهر» ، وفي معجم البلدان ٣ / ١١٢ هي ناحية من كورة أرّجان.

(٣) تاريخ خليفة ١٤١.

(٤) تاريخ خليفة ١٤١.

(٥) انظر : تاريخ خليفة ١٣٨ ، تاريخ الطبري ٤ / ٩٦ وما بعدها ، والمعرفة والتاريخ ٣ / ٣٠٦ ، تهذيب تاريخ دمشق ١ / ١٧٦ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٥٥٥.

١٧٠

ذكر من توفّي بهذا الطّاعون

بخ (١) أبو عبيدة (٢)

عامر بن عبد الله بن الجرّاح بن هلال بن أهيب (٣) بن ضبّة بن الحارث بن فهر القرشيّ الفهريّ ، أمين هذه الأمّة وأحد العشرة وأحد الرجلين اللذين عيّنهما أبو بكر للخلافة يوم السّقيفة.

__________________

(١) في ح : (ع) بدل (بخ) والتحقيق من (خلاصة الخزرجي).

(٢) مسند أحمد ١ / ١٩٥ ، ١٩٦ ، الزهد له ٢٣٠ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٤٠٩ ـ ٤١٥ ، نسب قريش ٤٤٥ ، طبقات خليفة ٢٧ و ٣٠٠ ، تاريخ خليفة ١٣٨ ، التاريخ الكبير ٦ / ٤٤٤ ، ٤٤٥ رقم ٢٩٤٢ ، التاريخ الصغير ١ / ٤٨ ، المعارف ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، عيون الأخبار ١ / ١٤٢ و ٣ / ٢٣ ، تاريخ أبي زرعة ١ / ١٧٧ ، المحبّر ٧١ و ٧٥ و ١١٨ و ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٢ و ١٧٠ و ٤٧٤ ، التاريخ لابن معين ٢ / ٧١٥ ، التاريخ الطبري ٣ / ٢٠٢ ، الكنى والأسماء ١ / ١٢ ، الجرح والتعديل ٦ / ٣٢٥ رقم ١٨٠٧ ، مشاهير علماء الأمصار ٨ ، ٩ رقم ١٣ ، البدء والتاريخ ٥ / ٨٧ ، فتوح البلدان ١ / ٢٠٤ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ٩٣ رقم ١٥١ ، فتوح الشام للأزدي ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، المعجم الكبير للطبراني ١ / ١٥٤ ـ ١٥٧ رقم ١٠ ، المستدرك ٣ / ٢٦٢ ـ ٢٦٨ ، حلية الأولياء ١ / ١٠٠ ـ ١٠٢ رقم ١٠ ، ثمار القلوب ١١٢ ، المعرفة والتاريخ ٣ / ٣٠٦ ، الاستيعاب ٣ / ٢ ـ ٤ ، تهذيب تاريخ دمشق ٧ / ١٦٠ ـ ١٦٨ ، صفة الصفوة ١ / ٣٦٥ ـ ٣٦٩ رقم ١١ ، جامع الأصول ٩ / ٥ ـ ١٨ ، أسد الغابة ٣ / ١٢٨ ـ ١٣٠ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٣٢ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ٢٥٩ رقم ٣٨٦ ، الرياض النضرة ٢ / ٣٠٧ ، تهذيب الكمال ٢ / ٦٤٥ ، دول الإسلام ١ / ١٥ ، العبر ١ / ١٥ ، و ٢٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥ ـ ٢٣ رقم ١ ، الكاشف ٢ / ٥٠ رقم ٢٥٦٢ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٢٦٢ ـ ٢٦٨ ، الوفيات لابن قنفذ ٣٠ رقم ١٨ ، جمهرة أنساب العرب ١٧٧ ، مرآة الجنان ١ / ٢١٥ ، البداية والنهاية ٧ / ٩٤ ، الوافي بالوفيات ١٦ / ٥٧٥ ، ٥٧٦ رقم ٦١٤ ، العقد الثمين ٥ / ٨٤ ، شفاء الغرام ١ / ٥٨ ، ٥٩ ، الإصابة ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٤ رقم ٤٤٠٠ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٧٣ رقم ١١٦ ، تقريب التهذيب ١ / ٣٨٨ رقم ٥٢ ، تلقيح فهوم الأثر ٣٦٨ ، طبقات الشعراني ١ / ٢٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٤٤ ، كنز العمال ١٣ / ٢١٤ ـ ٢١٩ ، شذرات الذهب ١ / ٢٩ ، أمراء دمشق في الإسلام ٤٧ ، القاموس الإسلامي ٥ / ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ، أشهر مشاهير الإسلام ٥٠٤ ، السّير والمغازي لابن إسحاق ٢٢٦ ، مروج الذهب ٢ / ٣١٥ ، نهاية الأرب ١٩ / ٣٥٤ ، ٣٥٥.

(٣) وقيل : «وهيب». انظر : المعجم الكبير للطبراني ١ / ١٥٤ ، وتهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ٢٥٩.

١٧١

روى عنه جابر ، وأبو أمامة ، وأسلم مولى عمر ، وجماعة.

ولي إمرة أمراء الأجناد بالشّام ، وكان من السّابقين الأوّلين ، شهد بدرا ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد بأسنانه رفقا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانتزعت ثنيتاه ، فحسّن ذهابهما فاه ، حتّى قيل : ما رئي أحسن من هتم أبي عبيدة (١).

وقد انقرض عقبه (٢).

وقيل : آخى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينه وبين محمد بن مسلمة.

وعن مالك بن يخامر (٣) أنّه وصف أبا عبيدة فقال : كان نحيفا معروق الوجه خفيف اللّحية طوالا أجنى أثرم (٤) الثّنيتين (٥).

وقال موسى بن عقبة في غزوة ذات السّلاسل : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمدّ عمرو ابن العاص بجيش فيهم أبو بكر وعمر ، وأمّر عليهم أبا عبيدة (٦).

وقال راشد بن سعد (٧) وغيره إنّ عمر قال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حيّ استخلفته ، فإن سألني الله لم استخلفته قلت : إنّي سمعت نبيّك يقول :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٤١٠ ، الاستيعاب ٣ / ٣ ، المستدرك ٣ / ٢٦٦ ، سيرة ابن هشام ١ / ٢٥٢ ، الإصابة ٢ / ٢٥٢ ، السيرة لابن كثير ٣ / ٥٨ ، ٥٩.

(٢) السير والمغازي ٢٢٦ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٤٠٩ وغيرهما.

(٣) في النسخة (ع) «يخابر» ، وفي نسخة دار الكتب «يحامر» ، وكلاهما غلط. والتصويب من الأصل وابن سعد.

(٤) هكذا في الأصل ، وفي طبقات ابن سعد ٣ / ١٤٤ «أجنأ» ، وفي سير أعلام النبلاء ١ / ٧ «أحنى» بمعنى انعطاف الكاهل نحو الصدر مع انحناء من الكبر. وانظر : المستدرك ٣ / ٢٦٤.

(٥) الأثرم : مكسور الأسنان.

(٦) طبقات ابن سعد ٣ / ٤١٤ ، المستدرك ٣ / ٢٦٤.

(٧) انظر : المغازي لعروة ٢٠٧ ، وسيرة ابن هشام ٣ / ٢٣٩ ، والمغازي للواقدي ٢ / ٧٦٩ ، وتاريخ الطبري ٣ / ٢١ ـ ٣٢ ، والكامل في التاريخ ٢ / ٢٣٢ ، وعيون الأثر ٢ / ١٥٧ ، والإصابة ٢ / ٢٥٣.

١٧٢

«إنّ لكلّ أمّة أمينا وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح (١)».

وقال عبد الله بن شقيق : سألت عائشة : أيّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أحبّ إليه؟ فقالت : أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ أبو عبيدة (٢).

وقال عروة بن الزّبير : قدم عمر الشام فتلقوه ، فقال : أين أخي أبو عبيدة؟ قالوا : يأتيك الآن ، فجاء على ناقة مخطوطة بحبل ، فسلّم عليه ثمّ قال للناس : انصرفوا عنّا ، فسار معه حتّى أتى منزله فنزل عليه ، فلم ير في بيته إلّا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : لو اتّخذت متاعا ـ أو قال شيئا ـ قال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا سيبلّغنا المقيل (٣).

ومناقب أبي عبيدة كثيرة ذكرها الحافظ أبو القاسم في «تاريخ

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ١٨ من طريق صفوان عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما قالوا : لما بلغ عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه سرغ حدّث أنّ بالشام وباء شديدا قال : بلغني أنّ شدّة الوباء في الشام ، فقلت : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة بن الجراح حيّ استخلفته فإن سألني الله لم استخلفته على أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قلت إني سمعت رسولك صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ لكل نبيّ أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح» فأنكر القوم ذلك وقالوا : ما بال عليا قريش يعنون بني فهر ثم قال : فإن أدركني أجلي ، وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فإن سألني ربّي عزوجل لم استخلفته؟ قلت : سمعت رسولك صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنّه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة.

وشريح بن عبيدة ، وراشد بن سعد لم يدركا عمر ، وأخرجه ابن سعد مختصرا في الطبقات ٣ / ٤١٢ من طريق شعبة ووهيب بن خالد ، عن خالد الحذّاء ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٦٨ بنحوه مختصرا من طريق : كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجّاج ، قال : بلغني أنّ عمر بن الخطاب قال : لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح لاستخلفته وما شاورت فإن سئلت عنه قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٢) أخرجه الترمذي في المناقب (٣٦٥٧) ، وابن ماجة في المقدّمة (١٠٢) باب فضل عمر.

ورجاله ثقات. وانظر الإصابة ٢ / ٢٥٣.

(٣) رجاله ثقات ، لكنه منقطع ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف ، رقم (٢٠٦٢٨) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٠١ ، ١٠٢ ، وأحمد بن حنبل في الزهد ١٨٤ باب أخبار أبي عبيدة بن الجراح ، وابن حجر في الإصابة ٢ / ٢٥٣ ، ٢٥٤.

١٧٣

دمشق» (١).

وقال أبو الموجّه المروزيّ : زعموا أنّ أبا عبيدة كان في ستّة وثلاثين ألفا من الجند : فلم يبق من الطّاعون ، يعني إلّا ستّة آلاف (٢).

وقال عروة : إنّ وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله فقال : «اللهمّ نصيبك في آل أبي عبيدة» فخرجت به بثرة : فجعل ينظر إليها فقيل : إنها ليست بشيء ، فقال : إنّي لأرجو أن يبارك الله فيها.

وعن عروة بن رويم أنّ أبا عبيدة أدركه أجله بفحل فتوفّي بها ، وهي بقرب بيسان.

قال الفلّاس وجماعة : إنّه توفّي سنة ثماني عشرة (٣) زاد الفلّاس : وله ثمان وخمسون سنة (٤).

وكان يخضب بالحنّاء والكتم (٥) ، وله عقيصتان (٦) ، رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) مخطوطة الظاهرية ٧ / ١٥٧.

(٢) وقيل مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا (تاريخ الطبري ٤ / ١٠١ والاستيعاب ٣ / ٤).

(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٦٤ ، وانظر الإصابة ٢ / ٢٥٤.

(٤) أخرج الطبراني في المعجم الكبير ١ / ١٥٥ رقم ٣٦٣ عن أبي الزنباع روح بن الفرج ، عن يحيى بن بكير قال : مات أبو عبيدة رضي‌الله‌عنه في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وشهد بدرا وهو ابن إحدى وأربعين سنة ، ويقال : صلّى عليه معاذ بن جبل. وأخرج الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٦٤ من طريق أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر ، عن يحيى بن حمزة ، عن عروة بن رويم بنحوه مختصرا. ومن طريق آخر عن محمد بن حريث ، عن عمرو بن علي ، عن يحيى بن سعيد (٢٦٥) ، وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ٤١٤ ، ٤١٥.

(٥) ابن سعد ٣ / ٤١٥.

(٦) العقيصة : الشعر المعقوص.

١٧٤

ع معاذ بن جبل (١)

ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عديّ من بني سلمة (٢) الأنصاري الخزرجيّ أبو عبد الرحمن.

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٢٢٧ ـ ٢٤٨ ، طبقات ابن سعد ٣ / ٥٨٣ ـ ٥٩٠ ، الأخبار الموفقيّات ٥٧٩ ، طبقات خليفة ١٠٣ و ٣٠٣ ، تاريخ خليفة ٩٧ و ١٣٨ و ١٥٥ ، التاريخ الكبير ٧ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ رقم ١٥٥٤ ، التاريخ الصغير ١ / ٤١ و ٤٧ و ٤٩ و ٥٢ و ٥٣ والتاريخ لابن معين ٢ / ٥٧١ ، فتوح البلدان ١ / ٨٣ و ٨٦ و ٨٨ و ١٦٥ و ١٧٩ و ١٨٦ و ١٧٩ و ٢٧٨ ، أنساب الأشراف ١ / ٢٤٧ و ٢٦٤ و ٢٧١ و ٣٦٥ و ٥٢٩ و ٥٣٠ ، المعارف ٢٥٤ ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام ١٠ / ٤١٨) ، فتوح الشام للأزدي ٢٦٧ ـ ٢٧٤ ، البرصان والعرجان ٧ و ٢١٣ ، ٢١٤ ، الخراج وصناعة الكتابة ٢٠٦ ، ٢٠٧ و ٢٢٥ و ٢٧٥ و ٣٠٠ ، مقدّمة مسند بقيّ بن مخلد ٨٢ رقم ٢٦ ، عيون الأخبار ١ / ٦٠ و ٢٣٠ و ٢ / ٣٠٩ و ٣ / ١٤ و ٤ / ١١٣ ، المحبّر ٧٢ و ٢٦ و ٢٨٦ و ٣٠٤ ، تاريخ أبي زرعة ١ / ١٧٧ ، الكنى والأسماء ١ / ٨٠ الجرح والتعديل ٨ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ رقم ١١١٠ ، جمهرة أنساب العرب ٣٤٢ و ٣٥٨ ، مشاهير علماء الأمصار ٥٠ رقم ٣٢١ ، المعجم الكبير للطبراني ٢٠ / ٢٨ ـ ١٧٥ ، ربيع الأبرار ٤ / ٤٥ و ٣١٧ ، العقد الفريد ٢ / ٢١٥ و ٣ / ٢١٣ و ٣ / ٢٢٩ و ٦ / ١٠٣ ، الاستبصار ١٣٦ ـ ١٤١ ، المعرفة والتاريخ (انظر فهرس الأعلام) ٣ / ٧٧٨ ، حلية الأولياء ١ / ٢٢٨ ـ ٢٤٤ رقم ٣٦ ، الاستيعاب ٣ / ٣٥٥ ـ ٣٦١ ، ثمار القلوب ٦٨ و ٥٤٧ ، المستدرك ٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧٤ ، طبقات الفقهاء للشيرازي ٤٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٥٨ ، أسد الغابة ٥ / ١٩٤ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ٩٨ ـ ١٠٠ رقم ١٤٣ ، التذكرة الحمدونية ١ / ٤٢ ، ٤٣ و ١٢٨ و ١٤٠ و ٢ / ٢٢٥ ، صفة الصفوة ١ / ٤٨٩ ـ ٥٠٢ رقم ٥١ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٣٣٧ ، دول الإسلام ١ / ١٥ ، العبر ١ / ٢٢ ، تلخيص المستدرك ٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧٣ ، المعين في طبقات المحدّثين ٢٦ رقم ١٢٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤٤٣ ـ ٤٦١ رقم ٨٦ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٩ ـ ٢٢ رقم ٨ الكاشف ٣ / ١٣٥ رقم ٥٥٩٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣١١ ، البداية والنهاية ٧ / ٩٤ ، ٩٥ مرآة الجنان ١ / ٧٣ ، ٧٤ نهاية الأرب ١٩ / ٣٥٥ ـ ٣٥٨ ، الوفيات لابن قنفذ ٤٦ رقم ١٨ ، مسالك الأبصار ١ / ٢١٧ ، غاية النهاية ٢ / ٣٠١ رقم ٣٦٢٠ ، شفاء الغرام ١ / ٢٥١ و ٢٥٣ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ١٨٦ ـ ١٨٨ رقم ٣٤٧ ، تقريب التهذيب ٢ / ٢٥٥ رقم ١١٩١ ، الإصابة ٣ / ٤٢٦ ، ٤٢٧ رقم ٨٠٣٧ ، طبقات الحفّاظ ٦ ، خلاصة تذهيب التهذيب ٣٧٩ ، كنز العمّال ١٣ / ٥٨٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٩ ، البدء والتاريخ ١١٧ ، ١١٨.

(٢) في هذا خلاف. انظر أسد الغابة ٥ / ١٩٤ ، وأثبتها الطبراني في معجمه ٢٠ / ٢٨.

١٧٥

شهد العقبة وبدرا (١) ، وكان إماما ربّانيا.

قال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا معاذ والله إنّي أحبّك» (٢).

وعن عمر ، عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يأتي معاذ أمام العلماء برتوة (٣)».

__________________

(١) الطبراني ٢ / ٢٨ ، ٢٩ رقم ٣٧.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٧ ، وأبو داود في الصلاة (١٥٢٢) باب الاستغفار ، والنسائي في السهو ٣ / ٥٣ ، باب نوع آخر من الدعاء ، وابن خزيمة في صحيحه ١ / ٣٦٩ رقم (٧٥١) باب الأمر بمسألة الربّ عزوجل في دبر الصلوات ، وابن حبّان في صحيحه رقم ٢٣٤٥ و ٢٥١١ ، والطبراني في المعجم الكبير ٢٠ / ٦٠ رقم ١١٠ باب الصنابحي عن معاذ ، والحاكم في المستدرك ٣ / ٢٧٣ وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وكلّهم من طريق : حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن الصّنابحيّ ، عن معاذ بن جبل قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ بيدي يوما ثم قال : «يا معاذ والله إنّي لأحبّك» فقال له معاذ : بأبي وأمّي يا رسول الله وأنا والله أحبّك. فقال : «أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة أن تقول : اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

(٣) روى أبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٢٢٨ من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن شهر بن حوشب ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لو استخلفت معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فسألني عنه ربّي عزوجل : ما حملك على ذلك؟ لقلت : سمعت نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنّ العلماء إذا حضروا ربّهم عزوجل كان معاذ بين أيديهم رتوة بحجر» ، وروى من طريق عبد العزيز بن محمد ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معاذ ابن جبل أمام العلماء برتوة» ، وروى نحوه من طريق : عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الله ابن أزهر ، عن محمد بن كعب القرظي. (١ / ٢٢٩) وأخرج الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٦٨ نحوه من طريق يعقوب بن سفيان ، عن ابن بكير ، عن مالك بن أنس ، وأخرج ابن سعد في الطبقات ٣ / ٥٩٠ من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن شهر بن حوشب ، بلفظ «إن العلماء إذا اجتمعوا يوم القيامة كان معاذ بن جبل بين أيديهم قذفة حجر» وأخرجه احمد في المسند ١ / ١٨ من طريق : صفوان ، عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما ، والطبراني في المعجم الكبير ٢٠ / ٢٩ رقم (٤٠) من طريق روح بن الفرج ، عن يحيى بن بكير ، عن مالك بن أنس ، ولفظه : «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة» ، قال ابن بكير : والرتوة المنزلة. وأخرجه من طريق عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري ، عن محمد بن كعب القرظي (٤١) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٣١١ : رواه الطبراني مرسلا ، وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري ، ولم أعرفه ، وبقيّة رجاله رجال الصحيح. وانظر : صفة الصفوة ١ / ٤٩٤.

١٧٦

وقال ابن مسعود : كنّا نشبّه معاذا بإبراهيم الخليل. كان أمّة قانتا لله حنيفا وما كان من المشركين (١).

وقال محمد بن سعد (٢) : كان معاذ رجلا طوالا أبيض ، حسن الثّغر (٣) ، عظيم العينين ، مجموع الحاجبين ، جعدا قططا.

وقيل إنّه أسلم وله ثماني عشرة سنة ، وعاش بضعا وثلاثين سنة وقبره بالغور.

وروى عنه أنس ، وأبو الطّفيل ، وأبو مسلم عبد الله بن ثوب (٤) الخولانيّ ، وأسلم مولى عمر ، والأسود بن يزيد ، ومسروق ، وقيس بن أبي حازم ، وخلق سواهم.

واستشهد هو وابنه في طاعون عمواس ، وأصيب بابنه عبد الرحمن قبله (٥).

وقال بشير بن يسار (٦) : لما بعث معاذ إلى اليمن معلّما ، وكان رجلا أعرج ، فصلّى بالنّاس فبسط رجله فبسطوا أرجلهم ، فلمّا فرغ قال : أحسنتم ولا تعودوا ، واعتذر عن رجله. (٧)

وفي الصحيح من حديث أنس رفعه : «أعلم أمّتي بالحلال والحرام

__________________

(١) انظر : حلية الأولياء ١ / ٤٣٠.

(٢) الطبقات ٣ / ٥٩٠.

(٣) في النسخة (ح) «الشعر» ، وهو وهم.

(٤) ثوب : بضمّ المثلثة وفتح الواو.

(٥) أفظر : فتوح الشام للأزدي ٢٦٨ ، ٢٦٩.

(٦) في نسخة دار الكتب «بسير بن بشار» وهو وهم ، والتصويب من الأصل.

(٧) انظر : البرصان والعرجان ٢١٤ ، وطبقات ابن سعد ٣ / ٥٨٥.

١٧٧

معاذ بن جبل» (١) وعن جابر قال : كان من أحسن النّاس وجها ، وأحسنهم خلقا ، وأسمحهم كفا ، فأدان دينا كثيرا فلزمه غرماؤه حتّى تغيّب ، ثمّ طلبه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه غرماؤه فقال : «رحم الله من تصدّق عليه» فأبرأه ناس وقال آخرون : خذ لنا حقّنا منه ، فخلعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماله ودفعه إلى الغرماء ، فاقتسموه وبقي لهم عليه ، ثمّ بعثه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن وقال : «لعلّ الله يجبرك» فلم يزل بها حتّى توفّي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدم على أبي بكر (٢).

وقال شهر بن حوشب ، عن الحارث بن عميرة الزّبيدي قال : إنّي

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ١٨٤ و ٢٨١ ، والترمذي في المناقب (٣٧٩٣) باب مناقب أهل البيت ، و (٣٧٩٤) ، وابن ماجة في المقدّمة (١٥٤) باب فضائل خبّاب ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٥٨٦ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٢٢٨.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٢٧٤ من طريق محمد بن عمر ، عن عيسى بن النعمان ، عن معاذ بن رفاعة ، عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما قال : كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا وأسمحهم كفّا ، دان دينا كثيرا فلزمه غرماؤه حتى تغيّب عنهم أياما في بيته حتى استعدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غرماؤه فقالوا : يا رسول الله خذ لنا حقّنا منه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله من تصدّق عليه» ، فتصدّق عليه ناس وأبى آخرون ، وقالوا : يا رسول الله خذ لنا بحقّنا منه. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اصبر لهم يا معاذ» قال : فخلعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ماله فدفعه الى غرمائه فاقتسموه بينهم فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم قالوا : يا رسول الله بعه لنا. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلّوا عليه فليس لكم عليه سبيل» ، فانصرف معاذ إلى بني سلمة ، فقال له قائل : يا أبا عبد الرحمن لو سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد أصبحت اليوم معدما ، فقال : ما كنت لأسأله ، قال : فمكث أياما ثم دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبعثه إلى اليمن وقال : «لعلّ الله أن يجبرك ويؤدّي عنك دينك» قال : فخرج معاذ إلى اليمن ، فلم يزل بها حتى توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوافى السنة التي حجّ فيها عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه مكة ، فاستعمله أبو بكر رضي‌الله‌عنه على الحج ، فالتقيا يوم التروية بها ، فاعتنقا وعزّى كل واحد منهما صاحبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أخلدا إلى الأرض يتحدّثان فرأى عمر عند معاذ غلمانا فقال :

ما هؤلاء؟ ثم ذكر الأحرف التي ذكرتها فيما تقدّم». وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٠ / ٣٠ ـ ٣٢ رقم ٤٤ من طريق الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ٨ / ٢٦٨ ، ٢٦٩ رقم (١٥١٧٧) والبيهقي في السنن الكبرى ٦ / ٤٨ ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ٣ / ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، وأبو نعيم في الحلية ١ / ٢٣١ ، ٢٣٢ ، وابن سعد في الطبقات ٣ / ٥٨٧ ، ٥٨٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ١٤٣ و ١٤٤ وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه =

١٧٨

لجالس عند معاذ وهو يموت ، فأفاق وقال : «أخنق عليّ خنقك فو عزّتك إنّي لأحبك» (١).

وعن عبد الله بن كعب بن مالك أنّ معاذا توفّي في سنة ثماني عشرة وله ثمان وثلاثون سنة (٢).

(ق) يزيد بن أبي سفيان (٣).

ابن حرب بن أميّة الأمويّ ، ويقال له يزيد الخير ، أمّه زينب بنت نوفل الكنانيّة.

__________________

= ابن لهيعة ، وفيه كلام وحديثه حسن وبقيّة رجاله رجال الصحيح إلّا أن ابن شهاب قال عن ابن كعب بن مالك عن أبيه ولم يسمّه ، وفي الصحيح غير حديث كذلك ، ولا يعلم في أولاد كعب ضعيف ، والله أعلم.

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٥٨٩.

(٢) ابن سعد ٣ / ٥٩٠.

(٣) طبقات ابن سعد ٧ / ٤٠٥ ، ٤٠٦ ، نسب قريش ١٢٥ ، ١٢٦ طبقات خليفة ١٠ ، تاريخ خليفة ١١٩ و ١٣٨ ، التاريخ الكبير ٨ / ٣١٧ ، ٣١٨ رقم ٣١٥٦ ، التاريخ الصغير ١ / ٤١ و ٤٤ و ٤٥ و ٥٢ ، العقد الفريد ١ / ١٢٨ و ١٢٩ و ٤ / ١٤٧ و ١٥٨ ، فتوح الشام للأزدي (انظر فهرس الأعلام ٢٩٥) ، تاريخ الطبري (انظر فهرس الأعلام ١٠ / ٤٥٦) ، المعارف ٣٤٥ ، الخراج وصناعة الكتابة ٢٨٨ و ٢٩٠ و ٢٩١ و ٢٩٥ و ٢٩٧ و ٢٩٩ ـ ٣٠١ و ٣٣٦ و ٤١٤ ، جمهرة أنساب العرب ١١١ ، مشاهير علماء الأمصار ١٥ ، ١٦ رقم ٤٨ ، الاستيعاب ٣ / ٦٤٩ ، ٦٥٠ ، ربيع الأبرار ٤ / ٤٠٠ ، المعرفة والتاريخ ١ / ٦٩١ و ٢ / ٣٠٣ و ٣١٥ و ٣ / ٢٩١ ـ ٢٩٣ و ٢٩٨ و ٣٠٠ ، تاريخ أبي زرعة ١ / ١٧٢ ١٧٣ ، المعجم الكبير للطبراني ٢٢ / ٢٣١ ، ٢٣٢ ، أسد الغابة ٥ / ١١٢ ، ١١٣ ، تهذيب الأسماء واللغات ق ١ ج ٢ / ١٦٢ ، ١٦٣ رقم ٢٥٧ ، تهذيب الكمال ٣ / ١٥٣٣ ، نهاية الأرب ١٩ / ٣٥٨ ، دول الإسلام ١ / ١٦ ، العبر ١ / ١٥ و ٢٢ ، ٢٣ ، المعين في طبقات المحدّثين ٢٧ رقم ١٣٩ ، الكاشف ٣ / ٢٤٤ رقم ٦٤٢١ ، العقد الثمين ٧ / ٤٦٢ ، ٤٦٣ ، مرآة الجنان ١ / ٧٤ ، ٧٥ ، الأخبار الموفقيّات ٦٠٠ ، فتوح البلدان (انظر فهرس الأعلام ٦٧٣) ، المحبّر ٦٧ و ١٢٦ و ٤٧٤ ، عيون الأخبار (انظر فهرس الأعلام ٤ / ٢٢٣) ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٩٥ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٣٢٨ ـ ٣٣٠ رقم ٦٨ ، تهذيب التهذيب ١١ / ٣٣٢ ، ٣٣٣ رقم ٦٣٤ ، تقريب التهذيب ٢ / ٣٦٥ رقم ٢٥٩ ، الإصابة ٣ / ٦٥٦ ، ٦٥٧ رقم ٩٢٦٥ ، خلاصة تذهيب التهذيب ٤٣٢ ، شذرات الذهب ١ / ٢٤.

١٧٩

أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه ، وشهد حنينا ، وأعطاه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغنائم فيما قيل مائة بعير وأربعين أوقيّة ، وكان جليل القدر شريفا سيّدا فاضلا ، وهو أحد أمراء الأجناد الأربعة الذين عقد لهم أبو بكر الصّدّيق وسيّرهم لغزو الشام ، فلمّا فتحت دمشق أمّره عمر على دمشق ، ثم ولّى بعد موته أخاه معاوية (١).

له عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الوضوء (٢) ، وعن أبي بكر.

روى عنه أبو عبد الله الأشعريّ ، وجنادة بن أبي أميّة.

توفّي في الطّاعون.

وقال الوليد بن مسلم : إنّه توفّي في سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيساريّة التي بساحل الشام.

(٣) [عوف الأعرابيّ : ثنا مهاجر أبو مخلد ، حدّثني أبو العالية قال : غزا يزيد بن أبي سفيان بالنّاس ، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل ، فاغتصبها يزيد ، فأتاه أبو ذرّ فقال : ردّ على الرجل جاريته ، فتلكأ فقال : لئن فعلت ذلك لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أوّل من يبدّل سنّتي رجل من بني أميّة يقال له يزيد» ، فقال : نشدتك بالله أنا منهم؟ قال : لا ، فردّ على الرجل جاريته. أخرجه الرّوياني في مسندة] (٤).

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٧ / ٤٠٦ ، التاريخ الكبير ٨ / ٣١٧ ، فتوح البلدان ١ / ٢٠٤ ، الخراج وصناعة الكتابة ٣٠١ ، الإستيعاب ٣ / ٦٤٩ ، أسد الغابة ٥ / ١١٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٣١.

(٢) أخرجه ابن ماجة في الطهارة (٤٥٥) باب غسل العراقيب ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن شيبة بن الأحنف ، عن أبي سلام الأسود ، عن أبي صالح الأشعري ، عن أبي عبد الله الأشعري ، عن خالد بن الوليد ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص ، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اتمّوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار».

قال البوصيري : إسناده حسن ، ما علمت في رجاله ضعفا. وهو كما قال.

(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من نسخة دار الكتب.

(٤) الحديث مرسل ، ومهاجر أبو مخلد ليّنه أبو حاتم وقال : ليس بذاك. ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب : مقبول ، أي حيث يتابع ، وإلّا فليّن. (سير أعلام النبلاء ١ / ٣٣٠ حاشية رقم ١).

١٨٠