خبره ، ولا يتقدّم للصلاة!
قال : وكان أبو حنيفة يفتي سرّا بوجوب نصرة زيد بن عليّ ـ رضوان الله عليهما ـ وحمل المال إليه ، والخروج معه على اللّصّ المتغلّب المتسمّي بالإمام والخليفة ، كالدوانيقي وأشباهه.
وقالت امرأة لأبي حنيفة : أشرت على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمّد ابني عبد الله بن الحسن حتّى قتل! قال : ليتني مكان ابنك! وكان يقول في المنصور وأشياعه : لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ آجره لما فعلت! وعن ابن عيينة : لا يكون الظالم إماما قطّ. وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة ، والإمام إنّما هو لكفّ الظلمة ، فإذا نصب من كان ظالما في نفسه ، فقد جاء المثل السائر : «من استرعى الذئب ظلم». (١)
وقال أبو بكر الرازي : وقد أفادت الآية أنّ شرط جميع من كان في محلّ الائتمام به في أمر الدين العدالة والصلاح. وهذا يدلّ أيضا على أنّ أئمّة الصلاة ينبغي أن يكونوا صالحين غير فسّاق ولا ظالمين ، لدلالة الآية على شرط العدالة لمن نصب منصب الائتمام به في أمور الدين (٢) ، لأنّ عهد الله هو أوامره ، فلم يجعل قبوله عن الظالمين منهم ، وهو ما أودعهم من أمور دينه وأجاز قولهم فيه وأمر الناس بقبوله منهم والاقتداء بهم فيه ..
فثبت أنّهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغير مقتدى بهم فيها ، فلا يكونون أئمّة في الدين. قال : فثبت بدلالة هذه الآية بطلان إمامة الفاسق ، وأنّه لا يكون خليفة. وأنّ من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق ، لم يلزم الناس اتّباعه ولا إطاعته. كما قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
قال : ودلّت الآية أيضا على أنّ الفاسق لا يكون حاكما ، وأنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي الحكم. وكذلك لا تقبل شهادته ولا خبره إذا أخبر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا فتياه إذا كان مفتيا. وأنّه لا يقدّم للصلاة. قال : فقد حوى قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) هذه المعاني كلّها.
قال : ومن الناس من يظنّ أنّ مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته ، وأنّه يفرّق بينه
__________________
(١) الكشّاف ١ : ١٨٤.
(٢) وهذا ردّ على مذهب القائل بجواز الاقتداء بالبرّ والفاجر ، نظرا لما رووه : «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر». (شرح العقائد النسفيّة : ١١٥ ؛ البيهقي ٤ : ١٩ رواه مكحول عن أبي هريرة ؛ عوالي اللئالي ١ : ٣٧ / ٢٨. وسنبحث عن ذلك.