ممّن أوجبوا الإفطار في السفر إطلاقا وتصريحا بشأن من أدركه شهر رمضان قبل أن يسافر ثمّ عرض له السفر. وقد مرّ حديثهم.
وقال بعض الفقهاء : من شهد الشهر عاقلا بالغا بلغ التكليف ، فعليه صومه ، فإن عرضه جنون أو عائق عن الصيام ، فعليه القضاء بعد الإفاقة. أمّا إذا جنّ قبل الشهر فأطبق الشهر كلّه ، فهذا لا قضاء عليه. قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه.
قال الطبري : هذا تأويل لا معنى له ، لأنّ الجنون إن كان يسقط فرض الصوم فسبيله سبيل من فقد عقله جميع الشهر ، وقد أجمع الفقهاء على أنّ من فقد عقله جميع الشهر بإغماء أو برسام (١) ثمّ أفاق بعد ، أنّ عليه القضاء. لم يخالف في ذلك أحد. وهذا حجّة على بطلان هذا التأويل.
قال : وهكذا من زعم أنّ معناه : فمن شهد أوّله مقيما حاضرا فعليه صوم جميعه ، فتأويله أظهر بطلانا وأفسد ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه ، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار. ثمّ أخذ في سرد أحاديث بهذا الشأن.
قال : فالصحيح هو تأويل من قال : فمن شهد منكم الشهر فليصمه جميع ما شهد منه مقيما.
ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر.
* * *
وقال أبو عبد الله القرطبي : فرض الله صيام شهر رمضان أي مدّة هلاله ، وبه سمّي الشهر ، كما جاء في الحديث : «فإن غمّي عليكم الشهر» أي الهلال ، وسيأتي. وقال الشاعر :
أخوان من نجد على ثقة |
|
والشهر مثل قلامة الظّفر |
حتّى تكامل في استدارته |
|
في أربع زادت على عشر |
وفرض علينا عند غمّة الهلال إكمال عدّة شعبان ثلاثين يوما ، وإكمال عدّة رمضان ثلاثين يوما ، حتّى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين.
[٢ / ٤٧٨٠] وروى الأئمّة الأثبات عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدد» (٢).
__________________
(١) الطبري ٢ : ١٩٨. (وط : بولاق ١ : ٨٥ ـ ٨٧).
(٢) البيهقي ٤ : ٢٤٧.