عن شهوات الزوجيّة والشراب والطعام. (١) ومن ثمّ كان قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تشبيها لأصل الفريضة ، من غير نظر إلى الكمّيّة أو الكيفيّة.
[٢ / ٤٦٤١] وهكذا روي عن معاذ بن جبل وعطاء قالا : التشبيه واقع على الصوم لا على الصفة ولا على العدّة ، وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان (٢).
ذكر القرطبي وجوها للتشبيه هنا ، أحدها : أنّه راجع إلى أصل الوجوب أو المشروعيّة ..
ثانيها : أنّه واقع على الصفة من منعهم من الأكل والشرب والنكاح. قاله السّدّي وأبو العالية والربيع.
ثالثها : أنّه واقع على الصوم ، لا على الصفة ولا على العدّة. قاله معاذ وعطاء (٣).
وقد ذكر قبل ذلك وجها رابعا ، عن الشعبي وقتادة وغيرهما ، قالوا : التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم. فقد كتب الله على قوم موسى وعيسى صوم رمضان (!) فغيّروا وزاد أحبارهم عشرة أيّام ، وزاد بعض آخر عشرة أخرى ـ لنذر نذره ـ حتّى أصبح صوم النصارى (!) خمسين يوما. فصعب عليهم في الحرّ فنقلوه إلى الربيع. قال : واختار هذا القول النحّاس قال : وهو الأشبه بما في الآية.
[٢ / ٤٦٤٢] قال أبو عبد الله القرطبي : وفيه حديث يدلّ على صحّته أسنده عن دغفل بن حنظلة (٤) عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «كان على النصارى صوم شهر ، فمرض رجل منهم فنذروا لئن شافاه الله ، لزادوا عشرة. ثمّ كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه ، فنذروا لئن شافاه الله ، لزادوا سبعة. ثمّ كان ملك آخر فقالوا : لنتمّنّ هذه السبعة عشرة ، ونجعل صومنا في الربيع (!)» قال النحّاس : فصار خمسين (٥).
__________________
(١) المنار ٢ : ١٤٣ ـ ١٤٤.
(٢) القرطبي ٢ : ٢٧٥.
(٣) المصدر.
(٤) إسمه حجر ولقّب بدغفل كجعفر بمعنى : ولد الفيل أو ولد الذئب. ومن العيش : الفاره الواسع. ومن الأعوام : المخصب. ومن الريش : الكثير. ولعلّه كان على هذه الصفات. كان نسّابة كثير العلم ، ولكن أخذا من أفواه الرجال أيّا كانوا. وله أقاصيص هي أشبه بالخرافة. ومن ثمّ استنكره أهل الحديث. قبض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو ابن خمس سنين ، ومن ثمّ لم يسمع سنه ، فحديثه عنه مرسل (ولعلّه اختلاق). بعث إليه معاوية لموضع إعجابه به ـ فسأله عن العربيّة وأنساب الناس والنجوم ، فوجده عالما (!) ومن ثمّ رغب إليه أن يعلّم ابنه يزيد ، ففعل (!) هلك غرقا في يوم دولات في قتال الخوارج سنة سبعين. (الإصابة لابن حجر ١ : ٤٧٥ / ٢٣٩٩).
(٥) وأخرجه الطبراني في الكبير ٤ : ٢٢٧. وابن عساكر ١٧ : ٢٨٧.