قلت : لا اعتماد على الحديث الأوّل ، بعد كون الراوي عن ابن عبّاس بلا واسطة أو مع واسطة عكرمة ، هو عطاء الخراساني نزيل الشام ، وكان نسيّا قد ينسب الحديث إلى شخص لم يقله. وقد ذكره البخاري في الضعفاء ، وذكر حديثه عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنّ من واقع في شهر رمضان فعليه كفّارة ظهار. وساق الإسناد إلى سعيد ، لكنّ سعيدا لمّا سمع ذلك أنكره وقال : كذب عليّ عطاء ، ما حدّثته هكذا. ومن ثمّ لم يخرّج له البخاري شيئا. قال ابن حبّان : كان رديء الحفظ : يخطئ وهو لا يعلم. قال : ومن ثمّ بطل الاحتجاج بحديثه (١).
هذا فضلا عن أنّه لم يدرك ابن عبّاس ولم يره ، فقد دلّس في الإسناد إليه. أمّا روايته بواسطة عكرمة ، ففي السند أبو علاثة محمّد بن عمرو بن خالد ، وهو مجهول.
إذن فقد صحّ قول الإمام الشافعي : إنّ رواية بعض الشاميّين لهذا الحديث ، ليست ممّا يثبته أئمّة الحديث ، نظرا لجهالة بعض من وقع في الإسناد.
ومن ثمّ لجأ الشافعي إلى حديث منقطع ـ غير متّصل الإسناد إلى النبيّ ـ وهو حديث مجاهد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم واعتمد أيضا على رواية الأخباريّين من أهل المغازي.
وحيث لا يصحّ الاعتماد على حديث منقطع الإسناد ، ولا على رواية الأخباريّين ممّن همّهم جمع الأخبار ـ وحشد حقائبهم بغرائب الآثار ـ نراه اعتمد الإجماع وعمل العامّة عليه.
ومشى على أثره الإمام البيهقي وغيره من الفقهاء ، زاعمين فيه الكفاية!
قال : والاعتماد على رواية عطاء الخراساني عن ابن عبّاس ، وعلى ما ذكره الشافعي من نقل أهل المغازي ، مع إجماع العامّة على القول به (٢).
وأغرب من ذلك دعوى تواتر الحديث ، كما يأتي عن ابن حجر في الشرح. وإليك إخراج الحديث في سائر المسانيد :
[٢ / ٤٥٣١] أخرج الدارمي بالإسناد إلى قتادة عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة ، قال : كنت تحت ناقة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي تقصع بجرّتها ولعابها ينوص بين كتفيّ ،
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٢ ـ ٢١٥ / ٣٩٤.
(٢) البيهقي ٦ : ٢٦٥.