إلى السلطان بالذي يرى فيه من العقوبة. قال : ولو عفا عنه لم يكن لأحد من طلبة الحقّ أن يعفو ، لأنّ هذا من الأمر الّذي أنزل الله فيه قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) وأولي الأمر منكم (١).
[٢ / ٤٤٩٢] وعن الحسن في رجل قتل فأخذت منه الدية ، ثمّ إن وليّه قتل به القاتل ، قال الحسن : تؤخذ منه الدية الّتي أخذ ولا يقتل به.
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) تأويل من قال : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل قاتل وليّه ، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا وهو القتل ؛ لأنّ الله تعالى جعل لكلّ وليّ قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليّه ، فقال تعالى ذكره : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)(٢). فإذ كان ذلك كذلك وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أنّ من قتل قاتل وليّه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنّه بقتله إيّاه له ظالم في قتله ، كان بيّنا أن لا يولّي من قتله ظلما كذلك السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية ، أيّ ذلك شاء. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أنّ ذلك عذابه ، لأنّ من أقيم عليه حدّه في الدنيا كان ذلك عقوبته من ذنبه ولم يكن به متّبعا في الآخرة ، على ما قد ثبت به الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
وأمّا ما قاله ابن جريج من أنّ حكم من قتل قاتل وليّه بعد عفوه عنه وأخذه دية وليّه المقتول إلى الإمام دون أولياء المقتول ، فقول خلاف لما دلّ عليه ظاهر كتاب الله وأجمع عليه علماء الأمّة. وذلك أنّ الله جعل لوليّ كلّ مقتول ظلما السلطان دون غيره من غير أن يخصّ من ذلك قتيلا دون قتيل ، فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره. ومن خصّ من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من
__________________
(١) النساء ٤ : ٥٩.
(٢) الإسراء ١٧ : ٣٣.
(٣) كالّذي رواه الإمام أحمد في المسند (٥ : ٣٢٣) عن عبادة بن الصامت قال : «كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنّا اثني عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض الحرب ؛ على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف ، فإن وفيتم فلكم الجنّة ، وإن غشيتم في ذلك شيئا فأمركم إلى الله إن شاء عذّبكم وإن شاء غفر لكم». ورواه بنحوه البخاري في الحدود باب ١٤ ، ومناقب الأنصار باب ٤٣ ، والإيمان باب ١١ ، والأحكام باب ٤٩ ، والتوحيد باب ٣١. والنسائي في البيعة باب ٩ و ١٧ و ١٨. ومالك في البيعة حديث ٢.