[٢ / ٤٤٨١] وعن قتادة قوله : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) وإنّما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمّة أطعمهم الدية وأحلّها لهم ، ولم تحلّ لأحد قبلهم. فكان أهل التوراة إنّما هو القصاص أو العفو ، وليس بينهما أرش. وكان أهل الإنجيل إنّما هو عفو أمروا به ، فجعل الله لهذه الأمّة القود والعفو والدية ـ إن شاؤوا ـ أحلّها لهم ولم تكن لأمّة قبلهم.
وأمّا على قول من قال : القصاص في هذه الآية معناه : قصاص الديات بعضها من بعض على ما قاله السدّي ، فإنّه ينبغي أن يكون تأويله : هذا الّذي فعلت بكم أيّها المؤمنون من قصاص ديات قتلى بعضكم بديات بعض وترك إيجاب القود على الباقين منكم بقتيله الّذي قتله وأخذه بديته ، تخفيف منّي عنكم ثقل ما كان عليكم من حكمي عليكم بالقود أو الدية ورحمة منّي لكم.
* * *
وقال ـ في تأويل قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ : يعني تعالى ذكره بقوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية اعتداء وظلما إلى ما لم يجعل له من قتل قاتل وليّه وسفك دمه ، فله بفعله ذلك وتعدّيه إلى ما قد حرّمته عليه عذاب أليم. وقد بيّنت معنى الاعتداء فيما مضى بما أغنى عن إعادته (١). وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٤٤٨٢] روى محمّد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) فقتل (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ).
[٢ / ٤٤٨٣] وعن سعيد عن قتادة قوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل ، فله عذاب أليم. قال : وذكر لنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول : «لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية» (٢).
[٢ / ٤٤٨٤] وعن عبد الرزّاق عن معمر عن قتادة في قوله : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) قال : هو القتل
__________________
(١) انظر ما قاله في تفسير قوله تعالى : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) الآية ٨٥ من سورة البقرة.
(٢) هذا الحديث مرسل عن قتادة. ورواه أبو داوود مرفوعا عن جابر بن عبد الله في الديات باب ٥. وأحمد في المسند (٣ : ٣٦٣) بلفظ : «لا أعفي من قتل بعد أخذه الدية».