على وجه الحضّ على التكبير لا على وجه الإيجاب والإلزام.
وقال ـ في تأويل قوله تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ـ : يعني بقوله ذلك : هذا الّذي حكمت به وسننته لكم من إباحتي لكم أيّتها الأمّة العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم الّتي كنت منعتها من قبلكم من الأمم السالفة ، (تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يقول : تخفيف منّي لكم ممّا كنت ثقّلته على غيركم بتحريم ذلك عليهم ، ورحمة منّي لكم ، كما :
[٢ / ٤٤٧٧] روى أبو كريب وأحمد بن حمّاد الدولابي ، قالا : حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عبّاس ، قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله في هذه الآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) إلى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) فالعفو أن يقبل الدية في العمد ، (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يقول : خفّف عنكم ما كان على من كان قبلكم ، أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدّي هذا بإحسان (١).
[٢ / ٤٤٧٨] وروى محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيق ، بالإسناد إلى ابن عبّاس ، قال : كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل لا تقبل منهم الدية ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) إلى آخر الآية ؛ (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يقول : خفّف عنكم ، وكان على من قبلكم أنّ الدية لم تكن تقبل ، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفو.
[٢ / ٤٤٧٩] وروى المثنّى بالإسناد إلى جابر بن زيد عن ابن عبّاس : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ممّا كان على بني إسرائيل ، يعني من تحريم الدية عليهم.
[٢ / ٤٤٨٠] وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : كان على بني إسرائيل قصاص في القتل ليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، وذلك قول الله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)(٢) الآية كلّها. وخفّف الله عن أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة ، وذلك قوله تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) بينكم.
__________________
(١) رواه البخاري في تفسير سورة البقرة باب ٢ ، والديات باب ٨. والنسائي في القسامة باب ٢٨. وقد قدّمنا ذلك عن كتاب تلخيص التلمود : ٣١٩ ـ ٣٢٢.
(٢) المائدة ٥ : ٤٥.