النفوس القاتلة أو الجارحة والشاجّة عمدا ، كذلك العفو أيضا عن ذلك.
وأمّا معنى قوله : (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فإنّه يعني : فاتّباع على ما أوجبه الله له من الحقّ قبل قاتل وليّه ، من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه ، في أسنان الفرائض أو غير ذلك ، أو يكلّفه ما لم يوجبه الله له عليه. كما :
[٢ / ٤٤٧٦] روى بشر بن معاذ ، عن يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال : بلغنا عن نبيّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من زاد أو ازداد بعيرا» يعني في إبل الديات وفرائضها «فمن أمر الجاهلية».
وأمّا إحسان الآخر في الأداء ، فهو أداء ما لزمه بقتله لوليّ القتيل على ما ألزمه الله وأوجبه عليه من غير أن يبخسه حقّا له قبله بسبب ذلك ، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة.
فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) ولم يقل : فاتّباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كما قال : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١)؟ قيل : لو كان التنزيل جاء بالنصب ، وكان : فاتّباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كان جائزا في العربيّة صحيحا على وجه الأمر ، كما يقال : ضربا ضربا ، وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما ، غير أنّه جاء رفعا ، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه ، وكذلك ذلك في كلّ ما كان نظيرا له ممّا يكون فرضا عامّا فيمن قد فعل وفيمن لم يفعل إذا فعل ، لا ندبا وحثّا. ورفعه على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء فالأمر فيه اتّباع بالمعروف ، وأداء إليه بإحسان ، أو فالقضاء والحكم فيه اتّباع بالمعروف. وقد قال بعض أهل العربيّة : رفع ذلك على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء فعليه اتّباع بالمعروف. وهذا مذهبي ، والأوّل الّذي قلناه هو وجه الكلام ، وكذلك كلّ ما كان من نظائر ذلك في القرآن فإنّ رفعه على الوجه الّذي قلناه ، وذلك مثل قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)(٢) وقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(٣).
وأمّا قوله : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) فإنّ الصواب فيه النصب ، وهو وجه الكلام ؛ لأنّه على وجه الحث من الله ـ تعالى ذكره ـ عباده على القتل عند لقاء العدوّ ، كما يقال : إذا لقيتم العدوّ فتكبيرا وتهليلا ،
__________________
(١) محمّد ٤٧ : ٤.
(٢) المائدة ٥ : ٩٥.
(٣) البقرة ٢ : ٢٢٩.