وقال آخرون : معنى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ) فمن فضل له فضل وبقيت له بقيّة. وقالوا : معنى قوله (مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) من دية أخيه شيء ، أو من أرش (١) جراحته ، فاتّباع من القاتل أو الجارح الّذي بقي ذلك قبله بمعروف ، وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان.
وهذا قول من زعم أنّ الآية نزلت في الّذين تحاربوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يصلح بينهم فيقاصّ ديات بعضهم من بعض ، ويردّ بعضهم على بعض بفضل ، إن بقي لهم قبل الآخرين. وأحسب أن قائلي هذا القول وجّهوا تأويل العفو في هذا الموضع إلى الكثرة من قول الله تعالى ذكره : (حَتَّى عَفَوْا)(٢) ، فكان معنى الكلام عندهم : فمن كثر له قبل أخيه القاتل! ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٤٤٧٥] فقد روى موسى بن هارون ، عن عمرو بن حمّاد ، عن أسباط ، عن السدّي : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) يقول : بقي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته ، فليتّبع بمعروف ، وليؤدّ الآخر إليه بإحسان.
* * *
قال أبو جعفر : والواجب على تأويل القول الّذي روينا عن عليّ والحسن ـ في قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) أنّه بمعنى مقاصّة دية النفس الذكر من دية النفس الأنثى ، والعبد من الحرّ ، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما ـ أن يكون معنى قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) : فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر إلى الرضى بدية نفس المقتول ، فاتّباع من الوليّ بالمعروف ، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان.
وقال : وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) : فمن صفح له من الواجب كان لأخيه عليه من القود عن شيء من الواجب على دية يأخذها منه ، فاتّباع بالمعروف من العافي عن الدم الراضي بالدية من دم وليّه ، وأداء إليه من القاتل ذلك بإحسان ؛ لما قد بيّنّا من العلل فيما مضى قبل من أنّ معنى قول الله تعالى ذكره : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) إنّما هو القصاص من
__________________
(١) الأرش : دية الجنايات والجراحات.
(٢) الأعراف ، ٧ : ٩٥.