فيؤخذ بالأنثى الذكر ، وبالعبد الحرّ. وإمّا القول الآخر ، وهو أن تكون الآية نزلت في قوم بأعيانهم خاصّة ، أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعل ديات قتلاهم قصاصا بعضها من بعض ، كما قاله السدّي ومن ذكرنا قوله ، وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أنّ المقاصّة في الحقوق غير واجبة ، وأجمعوا على أنّ الله لم يقض في ذلك قضاء ثمّ نسخه ، وإذا كان كذلك وكان قوله تعالى ذكره : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ينبىء عن أنّه فرض كان معلوما أنّ القول خلاف ما قاله قائل هذه المقالة ، لأنّ ما كان فرضا على أهل الحقوق أن يفعلوه ، فلا خيار لهم فيه والجميع مجمعون على أنّ لأهل الحقوق الخيار في مقاصّتهم حقوقهم ، بعضها من بعض. فإذا تبيّن فساد هذا الوجه الّذي ذكرنا ، فالصحيح من القول في ذلك هو ما قلنا!
فإن قال قائل ـ إذ ذكرت أنّ معنى قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) بمعنى : فرض عليكم القصاص ـ : لا يعرف لقول القائل «كتب» معنى إلّا معنى خط ذلك فرسم خطا وكتابا ، فما برهانك على أنّ معنى قوله : «كتب» فرض؟ قيل : إنّ ذلك في كلام العرب موجود ، وفي أشعارهم مستفيض ، ومنه قول الشاعر (١) :
كتب القتل والقتال علينا |
|
وعلى المحصنات جرّ الذيول (٢) |
وقول نابغة بني جعدة :
يا بنت عمّي كتاب الله أخرجني |
|
عنكم فهل أمنعنّ الله ما فعلا (٣) |
وذلك أكثر في أشعارهم وكلامهم من أن يحصى. غير أنّ ذلك وإن كان بمعنى فرض ، فإنّه
__________________
(١) هو عمر بن أبي ربيعة ، والبيت في ديوانه (ص ٤٦٤ ـ طبع القاهرة ، السعادة) من ثلاثة أبيات هي :
إنّ من أعظم الكبائر عندي |
|
قتل حسناء غادة عطبول |
قتلت باطلا على غير ذنب |
|
إنّ لله درّها من قتيل |
كتب القتل والقتال علينا |
|
وعلى المحصنات جرّ الذيول |
(٢) المحصنات : النساء المتزوّجات.
(٣) البيت في اللسان (مادّة كتب) أورده شاهدا على أنّ الكتاب بمعنى الفرض ، كما استشهد به المؤلّف. وفيه «يا ابنة» مكان «يا بنت».