فيهم عدّة ومنعة ، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم ، قالوا : لا نقتل به إلّا حرا ؛ تعزّزا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم ، وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين ، قالوا : لا نقتل بها إلّا رجلا! فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أنّ العبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فنهاهم عن البغي. ثمّ أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(١).
[٢ / ٤٤٤٧] وعنه أيضا قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنّما هو القتل أو العفو إلى أهله ، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم ، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد ، قالوا : لا نقتل به إلّا حرّا ، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلّا رجلا ، فأنزل الله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى).
[٢ / ٤٤٤٨] وبالإسناد إلى عامر قال : إنّما ذلك في قتال عمّيّة إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد تكافآ ، وفي المرأتين كذلك ، وفي الحرّين كذلك ، هذا معناه إن شاء الله.
[٢ / ٤٤٤٩] وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : دخل في قول الله تعالى ذكره : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل. وقال عطاء : ليس بينهما فضل.
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يصلح بينهم بأن يجعل ديات النساء من كلّ واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر ، وديات الرجال بالرجال ، وديات العبيد بالعبيد ؛ فذلك معنى قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى). ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٤٤٥٠] فقد روى بالإسناد إلى أسباط ، عن السدّي قال : اقتتل أهل ملّتين من العرب أحدهما مسلم والآخر معاهد في بعض ما يكون بين العرب من الأمر ، فأصلح بينهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبيد والنساء على أن يؤدى الحرّ دية الحرّ ، والعبد دية العبد ، والأنثى دية الأنثى ، فقاصّهم بعضهم من بعض.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٤٥.