بالنقل المستفيض عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (١).
فإن قال : فإذ كان ذلك ، فما وجه تأويل هذه الآية؟
قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله من أجل أنّه عبد ، حتّى يقتلوا به سيّده ، وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة ، حتّى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها ، فأنزل الله هذه الآية ، فأعلمهم أنّ الّذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره ، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال ، وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار ، فنهاهم أن يتعدّوا القاتل إلى غيره في القصاص. ذكر من قال ذلك :
[٢ / ٤٤٤٥] فقد روي بالإسناد إلى الشعبي قال : نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمّيّة (٢) ، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان ابن فلان ، وبفلانة فلان ابن فلان ، فأنزل الله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى).
[٢ / ٤٤٤٦] وعن قتادة قال : كان أهل الجاهليّة فيهم بغي وطاعة للشيطان ، فكان الحيّ إذا كان
__________________
(١) رواه هنا معلقا دون إسناد. والحديث رواه أبو داوود في الجهاد باب ١٤٧ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمّتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم ، يردّ مشدّهم على مضعفهم ومتسرّيهم على قاعدهم. لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده». ورواه بنحوه مطوّلا أو مختصرا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ابن ماجة في الديات باب ٣١. وأحمد في المسند (٢ : ٢١٥) ورواه أبو داوود في الديات باب ١١ من حديث عليّ ، وفيه : «... فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه : المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ...». ورواه بنحوه مطوّلا أو مختصرا والنسائي في القسامة باب ١٠ و ١٣. وأحمد في المسند (١ : ١١٩).
(٢) العمّيّة (بضم العين وتكسر وتشديد الميم والياء) : هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه ؛ كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور ، قال إسحاق بن راهوية : هذا كتقاتل القوم للعصبيّة. وروى مسلم في صحيحه (كتاب الإمارة حديث ٥٣) عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمّية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبيّة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهليّة ...» ورواه غير أيضا. قال ابن الأثير : وفي الحديث «من قتل تحت راية عمّيّة فقتلته جاهليّة». قيل : هو فعّيلة من العماء : الضلالة ، كالقتال في العصبيّة والأهواء. وحكي عن بعضهم فيها ضمّ العين. (النهاية ٣ : ٣٠٤).