ولأبي جعفر الطبري هنا كلام ضاف يشتمل على فوائد وفرائد نذكره بنصّه :
قال : يعني تعالى ذكره بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) فرض عليكم!
فإن قال قائل : أفرض على وليّ القتيل القصاص من قاتل وليّه؟ قيل : لا ؛ ولكنّه مباح له ذلك ، والعفو ، وأخذ الدية!
فإن قال قائل : وكيف قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) قيل : إنّ معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه ، وإنّما معناه : يا أيها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ، الحرّ بالحرّ ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى. أي أن الحرّ إذا قتل الحرّ ، فدم القاتل كفء لدم القتيل ، والقصاص منه دون غيره من الناس ، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممّن لم يقتل ، فإنّه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله! والفرض الّذي فرض الله علينا في القصاص هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره ، لا أنّه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام ، حتّى لا يكون لنا تركه. ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه لم يكن لقوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) معنى مفهوم ، لأنّه لا عفو بعد القصاص ؛ فيقال : فمن عفي له من أخيه شيء!
وقد قيل : إنّ معنى القصاص في هذه الآية مقاصّة ديات بعض القتلى بديات بعض ؛ وذلك أنّ الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقتل بعضهم بعضا ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يصلح بينهم ، بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين ، وديات رجالهم بديات رجالهم ، وديات عبيدهم بديات عبيدهم قصاصا ، فذلك عندهم معنى القصاص في هذه الآية.
فإن قال قائل : فإنّه ـ تعالى ـ ذكره قال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) فما لنا أن نقتصّ للحرّ إلّا من الحرّ ، ولا للأنثي إلّا من الأنثى؟ قيل : بل لنا أن نقتصّ للحرّ من العبد وللأنثى من الذكر ، بقول الله تعالى ذكره : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(١) و
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٣٣.