فلو كانت الآية نازلة لتعديل هذا النظام الجاهل ، فمعناه : الترخيص في قتل البريء ـ إرواء لحسّ الانتقام ـ على شرط الاقتصار بالمماثلة في العدد والجنس (١) ، الأمر الّذي ترفضه شريعة العقل ومنهج العدل الإسلاميّ الحكيم.
هذا المعنى غير معقول ، فكيف القول بأنّه شرّع ثمّ فسخ. إذ لا يمكن القول بتشريع قانون إلهيّ يخالف شريعة العقل ، ولو للحظة!؟
ومن ثمّ فمن المستغرب ما فهمه سيّد قطب من هذه الآية ، بأنّ مجالها مجال الاعتداء الجماعي ـ كحالة ذينك الحيّين من العرب ـ حيث تعدّى أسرة على أسرة ، أو قبيلة على قبيلة ، أو جماعة على جماعة. فتصيب منها من الأحرار والعبيد والنساء. فإذا أقيم ميزان القصاص ، كان الحرّ من هذه بالحرّ من تلك ، والعبد من هذه بالعبد من تلك ، والأنثى من هذه بالأنثى من تلك. (٢) أي إذا قتل منهم عبد فليقتلوا عبدا من عبيدهم ، ولو كان غير القاتل!؟ هذا رأي غريب جدّا ، ويتنافى مع روح الإسلام العادلة.
قال الشيخ محمّد عبده : تعني الآية أنّ الحرّ إذا قتل حرّا يقتل هو به لا غيره من سادات القبيلة ولا أكثر من واحد. وإذا قتل عبد عبدا يقتل هو به لا سيّده ، ولا أحد الأحرار من قبيلته. وكذلك المرأة إذا قتلت تقتل هي ، ولا يقتل أحد فداء عنها. خلافا لما كانت عليه الجاهليّة في ذلك كلّه. فالقصاص على القاتل نفسه أيّا كان لا على أحد من قبيلته. فما كانت عليه العرب في الثأر يبيّن هذا المعنى من الآية (٣).
* * *
بقي هنا شيء لا بدّ من التنبّه له ، وهو أنّ ظاهر سياق الآية في مقابلة الأصناف بالأصناف أن لا يقتل فريق بفريق آخر ، فلا يقتل رجل بامرأة ولا حرّ بعبد ، فلا يجري القصاص لو تخالف الصنفان.
وهذا غير مراد البتّة ، لأنّه من الأخذ بمفهوم الخطاب لا بمنطوقه ، ولا حجيّة في الدلالة
__________________
(١) بأن يقتلوا إزاء العبد عبدا ، وإزاء الأنثى أنثى ، حتّى ولو كان غير القاتل ... وهذا غير معقول ولا مقبول البتّة.
(٢) في ظلال القرآن ٢ : ٢٣٤.
(٣) المنار ٢ : ١٢٦.