إلى مجاله في الفقه.
ومن ثمّ فلا نسخ هنا ، لعدم المنافاة بينه وبين تفاصيل قانون القصاص.
* * *
وتذكر الروايات أنّ آية القصاص هنا ـ باعتبار ـ معادلة الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ـ نزلت بشأن حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهليّة ـ قبل الإسلام بقليل ـ فكان بينهم قتل وجراحات ، حتّى قتلوا العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتّى أسلموا ، فكان أحد الحيّين يتطاول على الآخر في العدّة والأموال ، فحلفوا أن لا يرضوا حتّى يقتلوا بالعبد منّا الحرّ منهم ، وبالمرأة منّا الرجل منهم ، فنزل فيهم : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) منهما. ثمّ نسخت ، نسختها : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(١).
وقال أبو عليّ الطبرسي : هذه الآية نزلت في حيّين من العرب لأحدهما طول على الآخر ، وكانوا يتزوّجون نساء بغير مهور ، وأقسموا لنقتلنّ بالعبد منّا الحرّ منهم ، وبالمرأة منّا الرجل منهم ، وبالرجل منّا الرجلين منهم. وجعلوا جراحاتهم على الضعف من جراح أولئك ، حتّى جاء الإسلام ، فأنزل الله هذه الآية (٢).
* * *
قلت : لا يمكننا الموافقة على هذا الرأي ، باعتباره الآية نازلة لتعديل عادة جاهليّة ، ولكن تعديلا لا يتناسب ومنهج العدل الّذي يسير عليه الإسلام ، إذ كانت العرب تقتل من قبيلة القاتل أيّا كان من غير أن يعمدوا إلى القاتل خاصّة ، وهكذا كانوا يأخذون ثأرهم بغير هوادة ، ولا تزال العادة جارية حتّى اليوم ، ممّا سبّب مشكلة عويصة في أوساط عربيّة قاحلة إلى حدّ بعيد.
نعم كانت العادة أسوأ ـ في الجاهليّة الأولى ـ حيث كانوا يقتلون بالواحد عشرات وبالعبيد الأحرار ، وبالأناثي الذكور ، من غير رعاية قانون القصاص ، بل مجرّد انتقام والأخذ بالثأر في شكل فظيع.
__________________
(١) المائدة ٥ : ٤٥. راجع : ابن أبي حاتم ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.