ونحو ذلك ، على ما ورد في التلمود (١).
* * *
ثمّ يكمل السياق الحديث عن شريعة القصاص بما يكشف عن حكمتها العميقة وأهدافها المبتغاة : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
إنّه ليس الانتقام وليس إرواء الأحقاد ، إنّما هو أجلّ من ذلك وأعلا ، إنّه للحياة وفي سبيل الحياة ، بل هو في ذاته حياة ، ثمّ إنّه للتعقّل والتدبّر في حكمة هذا التشريع ولاستحياء القلوب واستجاشتها لتقوى الله.
والحياة الّتي في القصاص تنبثق من كفّ الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء. فالذي يوقن أنّه يدفع حياته ثمنا لحياة من يقتل ، جدير به أن يتروّى ويفكّر ويتردّد كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم عند وقوع القتل بالفعل ، شفائها من الحقد والرغبة في الثأر. الثأر الّذي لم يكن يقف عند حدّ في القبائل ، حتّى لتدوم معاركه المتناوبة طيلة أحقاب.
ثمّ ـ وهو الأهمّ والعامل المؤثّر الأوّل في حفظ الحياة ـ استجاشة شعور التدبّر لحكمة الله ، ولتقواه : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). هذا هو الرابط الّذي يعقل النفوس عن الاعتداء ؛ الاعتداء في القتل ابتداء ، والاعتداء في الثأر أخيرا. التقوى ، حسّاسيّة القلب وشعوره بالخوف من الله ، وتحرّجه من غضبه ، وتطلّبه لرضاه.
إنّه بغير هذا الترابط لا تقوم شريعة ، ولا يفلح قانون ، ولا يتحرّج متحرّج ، ولا تكفي التنظيمات الخاوية من الروح والحسّاسيّة والخوف ، والطمع في قوّة أكبر من قوّة الإنسان!
وبعد ، فالآية هنا بصدد بيان تكافؤ الدم بشأن الأصناف الثلاثة ، فيقاد من أحدهما للآخر من غير تفاضل ، فالحرّ يقتل بالحرّ سواء. والعبد بالعبد سواء. والمرأة بالمرأة سواء ، وهذا لا يستدعي عدم القود من أحد الأصناف لصنف آخر مطلقا ، بأن لا يقتل الرجل بالمرأة ، حيث عدم التكافؤ!؟ نعم لا يقتصّ منه بلا ردّ فاضل الديّة. فلو طلب أولياء المرأة أن يقتصّوا من الرجل الّذي قتلها ، فعليهم أن يدفعوا فاضل ديته إلى أوليائه فيقتصّوا منه ، كما ورد به النصّ ، وتفصيل الكلام فيه موكول
__________________
(١) راجع تلخيص التلمود للدكتور «كهن» بترجمة أمير فريدون گرگاني : ٣١٩ ـ ٣٢٢.