وفي الحديث : «يا باغي الخير هلمّ». وفي التنزيل (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ)(١) أي لا تتجاوزهم إلى غيرهم. فالكلام في تحديد الضرورة وتمام بيان حكم ما يحلّ ويحرم من الأكلّ ، لا في السياسة وعقوبة الخارجين على الدولة والمؤذين للأمّة. وإنّما كان هذا التحديد لازما لئلّا يتّبع الناس أهواءهم في تفسير الاضطرار ، إذا هو وكل إليهم بلا حدّ ولا قيد ، فيزعم هذا أنّه مضطرّ وليس بمضطرّ ، ويذهب ذلك بشهوته إلى ما وراء حدّ الضرورة.
فعلم من قوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) كيف تقدّر الضرورة بقدرها. والأحكام عامّة يخاطب بها كلّ مكلّف ، لا يصحّ استثناء أحد إلّا بنصّ صريح من الشارع (٢).
وحاول سيّدنا العلّامة الطباطبائي الجمع بين الأقوال ومختلف الروايات ، بأنّها من قبيل عدّ المصاديق ، نظرا لعموم مفهوم الآية حسب استفادته رحمهالله قال : والجميع من قبيل عدّ المصاديق ، وهي تؤيّد ما استفدناه من ظاهر اللفظ. فقد فسّر قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) بكونه غير ظالم ولا متجاوز حدّه ، بمفهومهما العام .. قال : وأمّا لو اضطرّ في حال البغي والعدوّ ، كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار ، فلا يجوز له ذلك (٣).
وهكذا ذكر المحدّث الشيخ حرّ العاملي : أن لا منافاة بين التفسيرات ، ولا بعد في دخول المعاني في الآية (٤).
قلت : لو كنّا نحن وظاهر سياق الآية ، فالمستفاد منها : أنّه مبدأ عامّ ينصبّ على هذه المحرّمات ، ولكنّه بإطلاقه يصحّ أن يتناول سواها في سائر المقامات ؛ فأيّما ضرورة ملجئة يخشى منها على الحياة ، فلصاحبها أن يتفادى هذا الحرج بتناول المحظور في الحدود الّتي تدفع هذه الضرورة ولا زيادة (٥).
أمّا الّذي جاء في الروايات وفي سائر الأقوال ، فلا يشبه أن يكون تفسيرا للآية في سياقها العامّ ، اللهمّ إلّا أن يراد الاستطراد وبيان وجه الاشتراك في الحكم ، لا تفسير الآية بالذات.
__________________
(١) الكهف ١٨ : ٢٨.
(٢) المنار ٢ : ٩٩.
(٣) الميزان ١ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.
(٤) وسائل الشيعة ٢٤ : ٢١٧.
(٥) راجع : في ظلال القرآن ، المجلّد الأوّل : ٢٢٢.