ينتفع بها.
وتحريم هذه الأشياء ليس عن اعتباط ، وإنّما هو عن مضرّة فادحة تؤثّر على النفس فضلا عن إضرارها للجسم. كما :
[٢ / ٤٣٣٤] قال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام : «وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه لوجه الفساد ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك ، فحرام ضارّ للجسم وفساد للنفس» (١).
نعم ليس يقتصر ضرر ما حرّم الله على خسائر مادّيّة دنيويّة فحسب ، بل يعمّ جانب النفس الروحي والفكري العقلاني ، ولعلّه الأهمّ لمن يحاول الصعود على مدارج الكمال ، والحصول على سلامة القلب وطهارة الروح وخلوص الضمير ، والتوجّه إلى البارىء الحكيم.
ومن هنا تتجلّى علاقة التحليل والتحريم في هذه الآيات ، بالحديث عن وحدانيّة الله وخلوص عبادته عن الشوائب والأكدار.
* * *
ومع ذلك فإنّ الإسلام يحسب حساب الضرورات ـ حسب مبدء رحمته الواسعة ـ (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى تناول شيء ممّا حرّمه الله (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
نعم ، الاضطرار إلى تناول الحرام إنّما يرفع العقاب ، إذا لم يكن عن ابتغاء للحرام ، ولا تجاوز عن مقدار الضرورة.
أمّا الباغي الّذي مهّد السبيل للوقوع في الاضطرار ، المبيح لارتكاب الحرام ، فهو وإن كان قد أجيز له التناول ، ولكن من غير أن ترتفع عنه عقوبة ارتكاب الحرام ، لأنّه اضطرار عن اختيار وعن ابتغاء للحرام.
وكذلك العادي ، الّذي تجاوز حدّ الضرورة في تناول الحرام. فالمغفرة والرحمة لا تشملان هذين ، بعد سوء نيّتهما.
[٢ / ٤٣٣٥] أخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال
__________________
(١) فقه الرضا : ٢٥٠ ؛ مستدرك الوسائل ١٣ : ٦٥.