فقال لهم الإمام : «إنّ يوسف كان نبيّا ، يلبس أقبية الديباج المزرّرة بالذهب (١) ويجلس على متّكآت آل فرعون! ويحكم ؛ إنّما يراد من الإمام قسطه وعدله ؛ إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز. إنّ الله لم يحرّم لبوسا ولا مطعما. ثمّ قرأ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»)(٢).
قال ابن أبي الحديد : وهذا الّذي ذكره الرضا عليهالسلام مخالف ـ في ظاهره ـ للقانون الّذي أشار إليه أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ!
لكنّه ، نظرا لاختلاف الظروف والأحوال ، حاول الجمع بين الكلامين ، قال : وللفلاسفة في هذا الباب كلام لا بأس به ، وقد أشار إليه أبو عليّ بن سينا في كتاب «الإشارات». وعليه يتخرّج قولا أمير المؤمنين وعليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام :
قال أبو عليّ ـ في مقامات العارفين ـ : العارفون قد يختلفون في الهمم بحسب ما يختلف فيهم الخواطر ، على حسب ما يختلف عندهم من دواعي العبر. فربما استوى عند العارف القشف والترف ، بل ربما آثر القشف. وكذلك ربما سوّى عنده التّفل والعطر ، بل ربما آثر التفل. وذلك عند ما يكون الهاجس بباله ، استحقار ما عدا الحقّ ، وربما صغا إلى الزينة وأحبّ من كلّ شيء عقيلته (٣) وكره الخداج والسّقط ، وذلك عند ما يعتبر عادته من صحبة الأحوال الظاهرة ، فهو يرتاد إليها في كلّ شيء ، لأنّه مزيّة خطوة من العناية الأولى ، وأقرب أن يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه. وقد يختلف هذا في عارفين ، وقد يختلف في عارف بحسب وقتين (٤).
* * *
ثمّ ذكر ابن أبي الحديد نسخة أخرى لكلام الإمام أمير المؤمنين الآنف ، قال :
[٢ / ٤٢٩٨] «واعلم أنّ الّذي رويته عن الشيوخ ورأيته بخطّ عبد الله بن أحمد بن الخشّاب : أنّ الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشّابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كلّ عام ، فأتاه علي عليهالسلام عائدا ، فقال : كيف تجدك أبا عبد الرحمان؟ قال : أجدني ـ يا أمير المؤمنين ـ لو كان لا يذهب ما بي إلّا بذهاب بصري لتمنّيت ذهابه. قال : وما قيمة بصرك عندك؟ قال : لو كانت لي الدنيا لفديته بها!
__________________
(١) أي المطليّة أزرارها بالذهب.
(٢) الأعراف ٧ : ٣٢.
(٣) العقيلة من كلّ شيء أكرمه وأغلاه.
(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١١ : ٣٤ ـ ٣٥.