[٢ / ٤٢٩٦] ومن كلام لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام عند ما دخل على العلاء (١) بن زياد الحارثي ، وهو من أصحابه يعوده. فلمّا رأى سعة داره قال :
«ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج! بلى إن شئت بلغت بها الآخرة : تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها. فإذن أنت قد بلغت بها الآخرة!».
فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد! قال : وماله؟ قال : لبس العباء وتخلّى من الدنيا!
قال : عليّ به ، فلمّا جاء ، قال :
«يا عديّ (٢) نفسه! لقد استهام بك الخبيث (٣)! أمّا رحمت أهلك وولد لك! أترى الله أحلّ لك الطيّبات ، وهو يكره أن تأخذها! أنت أهون على الله من ذلك!
قال عاصم : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك!
قال عليهالسلام : «ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كي لا يتبيّغ بالفقير فقره!» (٤)
* * *
ولابن أبي الحديد كلام عن مقامات العارفين نذكره بنصّه :
[٢ / ٤٢٩٧] قال : وروي أنّ قوما من المتصوّفة (وهم أصحاب التقشّف في الحياة) دخلوا على الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام وهو بخراسان ، فقالوا له : إنّ أمير المؤمنين ـ يعنون مأمون العباسيّ ـ فكّر فيما ولّاه الله من الأمور ، فرآكم ـ أهل البيت ـ أولى الناس أن تؤمّوا الناس. فنظر فيك من أهل البيت ، فرآك أولى الناس بالناس ، فرأى أن يردّ هذا الأمر إليك. والإمامة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض!
__________________
(١) ولعلّ الصحيح : الربيع بن زياد. على ما ذكره ابن أبي الحديد ١١ : ٣٧. إذ لم يعرف العلاء بن زياد ، هذا.
(٢) عديّ : مصغّر عدوّ.
(٣) أي استحوذ عليك الشيطان فجعلك تهيم في ضلال.
(٤) شرح النهج ١١ : ٣٢ / ٢٠٢. والتبيّغ : الهياج. يقال : تبيّغ الدم بصاحبه إذا هاج به.