وكلّها شرك ، خفيّ أو ظاهر ، إذا ذكرت إلى جنب اسم الله ، وإذا أشركها المرء في قلبه مع حبّ الله ، فكيف إذا نزع حبّ الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحبّ الّذي لا يكون إلّا لله.
نعم ، إنّ المؤمنين لا يحبّون شيئا حبّهم لله ، لا أنفسهم ولا سواهم ، لا أشخاصا ولا اعتبارات ولا شارات ، ولا قيما من قيم هذه الأرض الّتي يجري وراءها غوغاء الناس :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) حيث نشأته من صميم الوجود ، وعن تعمّق في التفكير الصحيح ، وليس عن تقليد أعمى ، لا أساس له ولا جذور.
والتعبير هنا بالحبّ تعبير جدّ جميل ، فوق أنّه تعبير صادق. فإنّ الصلة بين المؤمن وبين الله هي صلة الحبّ ، صلة الوشيحة القلبيّة ، والتجاذب الروحي العميق. ألا وهي صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحبّ والولاء الوثيق.
* * *
هذا من جانب ، وأمّا جانب أولئك الّذين حادوا عن الطريقة المثلى وتاهوا في غياهب الضلالة والردى ، فإنّهم في تفتّت وانهيار وحسرة دائمة.
(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) الحقّ وظلموا أنفسهم بالحياد عن الفطرة (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ) القاهرة (لِلَّهِ جَمِيعاً) لا شركاء ولا أنداد ، (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) بالقهر عليهم وإبعادهم عن ساحة رحمته وعن شمول مغفرته.
وتلك الفضاحة والّتي تعقبها فضاعة أوجبت تبرّأ الأتباع والمتبوعين لسوء المشهد ووعورة الموقف : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) وسقط ما بأيديهم.
نعم حينذاك لا خلّة ولا شفاعة ولا إمكان التخلّص بالحيل والمعاذير وغيرها من الأسباب الّتي كانوا يتداولونها قبل ذلك. (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) عودة (١) إلى الدنيا وإلى عيشة مشابهة لعيشتهم الأولى (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا!) وبذلك تبدّى الحنق والغيظ من التابعين الأغبياء ، وتمنّوا لو كان بإمكانهم تدارك ما فات ، وهيهات! (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
__________________
(١) أخرج ابن جرير عن قتادة قال : رجعة إلى الدنيا. الطبري ٢ : ١٠١ / ٢٠١٢.