قال الشيخ محمّد عبده ـ بعد ذكر الخلاف ـ : وقال بعض العلماء الباحثين في الروح : إنّ الروح إنّما تقوم بجسم لطيف «أثيري» في صورة هذا الجسم المركّب الّذي يكون عليه الإنسان في الدنيا ، وبواسطة ذلك الجسم الأثيري تجول الروح في هذا الجسم المادّي ، فإذا مات المرء وخرجت روحه ، فإنّما تخرج بالجسم الأثيري ، وتبقى معه ، وهو جسم لا يتغيّر ولا يتبدّل ولا يتحلّل. وأمّا هذا الجسم المحسوس فإنّه يتحلّل ويتبدّل في كلّ بضع سنين.
قال : ويقرب هذا القول من مذهب المالكيّة. فقد روي عن مالك أنّه قال : «أنّ الروح صورة كالجسد» ، أي لها صورة ، وما الصورة إلّا عرض ، وجوهر هذا العرض هو الّذي سمّاه العلماء بالأثير. وإذا كان من خواصّ الأثير النفوذ في الأجسام اللطيفة والكثيفة ـ كما يقولون ـ حتّى أنّه هو الّذي ينقل النور من الشمس إلى طبقة الهواء ، فلا مانع أن تتعلّق به الروح المطلقة في الآخرة ، ثمّ هو يحلّ بها جسما آخر تنعم به وترزق ، سواء كان جسم طير أو غيره.
قال : وهذا القول يقرّب معنى الآية من العلم! (١)
* * *
[٢ / ٤٠٢١] وهكذا أخرج ابن جرير بالإسناد إلى الربيع في قوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) قال : في صور طير خضر ، يطيرون في الجنّة حيث شاؤوا منها ، يأكلون من حيث شاؤوا (٢).
[٢ / ٤٠٢٢] وأخرج عبد الرزّاق في المصنّف عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أرواح الشهداء في صور طير خضر معلّقة في قناديل الجنّة حتّى يرجعها الله يوم القيامة» (٣).
[٢ / ٤٠٢٣] وأخرج عبد الرزّاق عن معمر عن قتادة قال : بلغنا أنّ أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنّة ، وقال الكلبي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «في صورة طير بيض تأوي إلى قناديل
__________________
(١) تفسير المنار ٢ : ٣٨ ـ ٣٩.
(٢) الطبري ٢ : ٥٤ / ١٩٢٥.
(٣) الدرّ ١ : ٣٧٦ ؛ المصنّف عبد الرزّاق ٥ : ٢٦٤ / ٩٥٥٦ ؛ تفسير عبد الرزّاق ١ : ٢٩٨ / ١٤٩ ، بلفظ : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ نسمة المؤمن طير تعلّق في شجر الجنّة حتّى يرجعها الله إلى جسده» ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٣.