وكانوا يعلمون أنّ الشهداء على الحقّ والهدى ، وأنّهم ينشرون يوم البعث ، فلا يجوز أن يقال عنهم : ولكن لا تشعرون.
قال : ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياء ، وإن كان غيرهم من المؤمنين قد يكونون أحياء في البرزخ ، أنّه على جهة التقديم بالبشارة.
قال : وأمّا المتنعّم بالحياة البرزخيّة ، فإنّما هو الروح الّذي هو حقيقة الإنسان. فقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه تعالى يجعل لهم أجساما كأجسامهم في دار الدنيا يتنعّمون فيها ، دون أجسامهم الّتي في القبور ، فإنّ النعيم والعذاب إنّما يصل عنده إلى النفس الّتي هي الإنسان المكلّف عنده ، دون الجثّة.
قال : ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ أبو جعفر في كتاب التهذيب مسندا إلى عليّ بن مهزيار عن القاسم بن محمّد عن الحسين بن أحمد عن يونس بن ظبيان.
[٢ / ٤٠١٨] قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام جالسا ، فقال : ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ قلت : يقولون : في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش! فقال أبو عبد الله عليهالسلام : «سبحان الله ، المؤمن أكرم على الله أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر ، يا يونس ، المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة الّتي كانت في الدنيا» (١).
[٢ / ٤٠١٩] وعنه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أرواح المؤمنين؟ فقال : «في الجنّة على صور أبدانهم ، لو رأيته لقلت : فلان» (٢).
قال : فأمّا على مذهب من قال من أصحابنا : إنّ الإنسان هذه الجملة المشاهدة ، وأنّ الروح هو النفس المتردّد في مخارق الحيوان ، وهو أجزاء الجوف ، فالقول : أنّه يلطف أجزاء من الإنسان لا يمكن أن يكون الحيّ حيّا بأقلّ منها ، يوصل إليها النعيم ، وإن لم تكن تلك الجملة بكمالها ، لأنّه لا معتبر بالأطراف وأجزاء السمن في كون الحيّ حيّا ، فإنّ الحيّ لا يخرج بمفارقتها من كونه حيّا!
قال : وربما قيل بأنّ الجثّة يجوز أن تكون مطروحة في الصورة ، ولا تكون ميتة ، فتصل إليها اللّذات ، كما أنّ النائم حيّ وتصل إليه اللذّات ، مع أنّه لا يحسّ ولا يشعر بشيء من ذلك ، فيرى في
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٦٦ / ١٥٢٧ ـ ١٧٢.
(٢) المصدر / ١٥٢٦ ـ ١٧١.