طير (١) ، وهو أكثر ما جاءت الرواية ، لا سيّما مع قوله : تأوي إلى قناديل تحت العرش.
قال : واستبعد بعضهم هذا ، ولم ينكره آخرون ، وليس فيه ما ينكر ، ولا فرق بين الأمرين ، بل رواية طير أو جوف طير أصحّ معنى ، وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم ، وكلّه من المجوّزات ، فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو أجواف طير أو حيث يشاء ، كان ذلك ووقع ولم يبعد ، لا سيّما مع القول بأنّ الأرواح أجسام (٢).
قلت : وهذا هو التحجّر الأشعري البحت ، المتنافي مع شريعة العقل المتفتّحة؟!
* * *
وقال أبو عليّ الطّبرسيّ : لمّا أمر الله سبحانه بالصبر والصلاة للازدياد في القوّة (قوّة الإيمان) بهما على الجهاد ، قال : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ). فنهى أن يسمّى من قتل في الجهاد أمواتا ، بل أحياء. وفيه أقوال :
أحدها ـ وهو الصحيح ـ : أنّهم أحياء على الحقيقة إلى أن تقوم الساعة. وهو قول ابن عبّاس وقتادة ومجاهد. وإليه ذهب الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء. واختاره الجبّائي والرمّاني وجميع المفسّرين.
الثاني : أنّ المشركين كانوا يقولون : إنّ أصحاب محمّد سوف يقتلون في الحروب فيفنون عن آخرهم. فردّ الله عليهم بأنّهم سوف يحيون يوم القيامة ويثابون قاله البلخي.
الثالث : أنّهم أحياء بالطاعة والهدى ، كما في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣). فجعل الضلال موتا والهداية حياة. قاله الأصمّ.
الرابع : أنّهم أحياء بجميل الذكر والثناء المتواصل.
[٢ / ٤٠١٧] كما قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «هلك خزّان الأموال ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ؛ أعيانهم مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة» (٤).
قال الطبرسي : والمعتمد هو القول الأوّل ، لأنّ عليه إجماع المفسّرين. ولأنّ الخطاب للمؤمنين
__________________
(١) أي الروح بذاتها تتشكّل بصورة طير ، لا أنّها تحلّ في جوف طير. وهذا هو الّذي رجّحناه كما عرفت.
(٢) شرح النووي على مسلم ١٣ : ٣١ ـ ٣٢.
(٣) الأنعام ٦ : ١٢٢.
(٤) نهج البلاغة ٤ : ٣٦ ؛ قصار الحكم ١٤٧. وفيه «أمثالهم» بدل «آثارهم».