اطّلاعة ، فقال : هل تشتهون شيئا؟ قالوا : أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنّة حيث شئنا! ففعل ذلك بهم ثلاث مرّات ، فلمّا رأوا أنّهم لن يتركوا من أن يسألوا ، قالوا : يا ربّ ، نريد أن يردّ أرواحنا في أجسادنا حتّى نقتل في سبيلك مرّة أخرى. فلمّا رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» (١).
حديث غريب ولا تخفى مواضع الغرابة منه!!
ورواه ابن كثير أيضا بما يقرب منه :
[٢ / ٤٠١٥] إنّ أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت ، ثمّ تأوي إلى قناديل معلّقة تحت العرش ، فاطّلع عليهم ربّك اطّلاعة فقال : ماذا تبغون؟ فقالوا : يا ربّنا وأيّ شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ ثمّ عاد عليهم بمثل هذا ، فلمّا رأوا أنّهم لا يتركون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردّنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك حتّى نقتل فيك مرّة أخرى ـ لما يرون من ثواب الشهادة ـ! فيقول الربّ ـ جلّ جلاله ـ : إنّي كتبت أنّهم لا يرجعون!
[٢ / ٤٠١٦] قال : وفي الحديث الّذي رواه أحمد عن الشافعي عن مالك عن الزّهري عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «نسمة المؤمن طائر تعلّق في شجر الجنّة حتّى يرجعه الله إلى جسده يوم بعثه» ، ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضا ، وإن كان الشهداء قد خصّصوا بالذكر في القرآن تشريفا لهم وتكريما وتعظيما (٢).
وذكر النووي نقلا عن القاضي قال : قال هنا أرواح الشهداء ، وقال في حديث مالك : إنّما نسمة المؤمن ، والنسمة تطلق على ذات الإنسان جسما وروحا ، وتطلق على الروح مفردة ، وهو المراد بها في هذا التفسير في الحديث الآخر بالروح. قال : ولعلمنا بأنّ الجسم يفنى ويأكله التراب. ولقوله في الحديث : حتّى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة.
قال النووي : في هذا الحديث [الّذي رواه مسلم] : «في جوف طير خضر». وفي غير مسلم : بطير خضر. وفي حديث آخر : بحواصل طير. وفي الموطّأ : إنّما نسمة المؤمن طير. وفي حديث آخر عن قتادة : في صورة طير أبيض.
قال القاضي : قال بعض المتكلّمين : على هذا ، الأشبه صحّة قول من قال : طير أو صورة
__________________
(١) مسلم ٦ : ٣٨ ـ ٣٩ ، باب أنّ أرواح الشهداء في الجنّة.
(٢) ابن كثير ١ : ٢٠٣. والنسمة : نفس الروح.