حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ...)(١).
كانوا عاهدوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عند مقدمه إلى المدينة ـ أن لا يساندوا عدوّا له ، فنقضوا العهد ، فأجلاهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن أوطانهم فتفرّقوا بعضا إلى الشام وبعضا إلى غيرها من سائر البلدان.
وعليه فحشر الوحوش تفرّقها ونفورها عن إزعاج داهمهم لدى أشراط الساعة.
وبعد فالكثرة من غوغاء الناس الهمج الرعاع. تنتهي حياتهم بالموت وتفسد نفوسهم مع الأبد. إذ لا فائدة في بعثهم ولا إمكان مؤاخذتهم وهم على تلك الحالة البهيميّة العشواء.
ولعلّ ما ورد في الدعاء المأثور من التعبير بالسواد المخترم ، يعني هذا النمط من الناس.
[٢ / ٤٠٠٥] كما جاء في دعاء الإمام زين العابدين عليهالسلام كان إذا رأى جنازة يقول : «الحمد لله الّذي لم يجعلني من السواد المخترم» (٢).
والسواد من الناس عامّتهم أي من السواد الأعظم الّذين تذهب حياتهم سدى ، ولا خلاق لهم في الآخرة.
قال العلّامة المجلسي رحمهالله : ويمكن أن يراد بالسّواد عامّة الناس ، أي لم يجعلني من عامّة الناس الّذين يموتون على غير بصيرة ولا استعداد للموت.
قال : والمخترم : الهالك أو المستأصل (٣).
قال ابن الأثير : وفي حديث ابن الحنفيّة : «كدت أن أكون السواد المخترم».
يقال : اخترمهم الدهر وتخرّمهم أي اقتطعهم واستأصلهم (٤).
[٢ / ٤٠٠٦] وقال الإمام أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ : «فلا تعدّن عيشا منصرما عيشا. مالك منه إلّا لذّة تزدلف بك إلى حمامك ، وتقرّبك من أجلك ، فكأنّك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم» (٥).
السواد هنا : الشبح. يعني : قد صرت كالحبيب المفقود أثره. أو كالشبح يذهب عن البصر فلا شيء وراءه.
__________________
(١) الحشر ٥٩ : ٢.
(٢) الدعوات للراوندي : ٢٦٠ / ٧٤٠ ؛ البحار ٧٨ : ٢٦٦ / ٢٤.
(٣) البحار ٧٨ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.
(٤) النهاية ٢ : ٢٧.
(٥) تحف العقول : ٢٩٩ ؛ البحار ٧٥ : ١٧٩ ـ ١٨٠ / ٥٩.