ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا؟ ثمّ قال : أضجعوا كعبا (١). وسار قليلا فمرّ بطلحة بن عبد الله صريعا ، فقال : أجلسوه فقال : يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ، فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا؟ ثمّ أمر بإضجاعه. فقال له بعض أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك؟! فقال : مه يا رجل ، فو الله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم».
قال المفيد : وهذا من الأخبار الدالّة على أنّ بعض من يموت تردّ إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه ، وليس بعامّ في كلّ من يموت (٢).
[٢ / ٣٩٩٧] وهكذا خطابه عليهالسلام مع أهل القبور وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة ، قائلا : «يا أهل الديار الموحشة ، والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة! أنتم لنا فرط (٣) سابق ، ونحن لكم تبع لاحق ، أمّا الدور فقد سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم؟»
ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ (خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى)(٤).
[٢ / ٣٩٩٨] وروى الكليني بالإسناد إلى حبّة العرني (٥) قال : خرجت مع أمير المؤمنين عليهالسلام إلى الظّهر فوقف بوادي السّلام (٦) كأنّه مخاطب لأقوام ، فقمت بقيامه حتّى أعييت ، فجلست وقمت عدّة مرّات ، ثمّ قلت : يا أمير المؤمنين ، إنّي أشفقت عليك من طول القيام ، فراحة ساعة؟ فطرحت الرداء ليجلس عليه ، فقال : «يا حبّة ، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته! قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّهم لكذلك؟ قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين (٧) يتحادثون! فقلت : أجسام أم أرواح؟ فقال : أرواح. وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه : الحقي بوادي
__________________
(١) ذكر ابن أبي الحديد : أنّه عليهالسلام خاطب كعبا بعد ما أجلس ، فقال : ويل أمّك! لقد كان لك علم لو نفعك ، ولكنّ الشيطان أضلّك فأذلّك فعجّلك إلى النار. (شرح النهج ١ : ٢٤١).
(٢) تصحيح الاعتقاد : ٩٣.
(٣) الفرط : المتقدّم في الماء للارتواء.
(٤) نهج البلاغة ٤ : ٣١ ، قصار الكلم برقم ١٣٠.
(٥) هو أبو قدامة حبّة بن جوين العرني من أجلّة أصحاب عليّ عليهالسلام ومن شيعته النجباء.
(٦) مقبرة عظيمة بظهر الكوفة ممّا يلي النجف الأشرف.
(٧) أي مجتمعين متمتّعين بالتحادث مع الأحبّاء.