القلب والقلب يحرّك الشهوة ، وهذا يحصل بالعزلة والاحتراز عن مظانّ وقوع البصر على الصور المشتهاة ، والفرار منها بالكلّية.
[٢ / ٣٨٨٣] قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «النظرة سهم من سهام إبليس» (١) وهو سهم يسدّده الشيطان ولا ترس يمنع منه إلّا تغميض الأجفان أو الهرب من صوب رميه. فإنّه إنّما يرمي هذا السهم عن قوس الصور فإذا انقلبت عن صوب الصور لم يصبك سهمه.
الثالث : تسلية النفس بالمباح من الجنس الّذي تشتهيه وذلك بالنكاح ، فإنّ كلّ ما يشتهيه الطبع ففي المباحات من جنسه ما يغني عن المحظورات منه. وهذا هو العلاج الأنفع في حقّ الأكثر ، فإنّ قطع الغذاء يضعف عن سائر الأعمال ، ثمّ قد لا يقمع الشهوة في حقّ أكثر الرجال.
[٢ / ٣٨٨٤] ولذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّ الصوم له وجاء» (٢).
فهذه ثلاثة أسباب ، فالعلاج الأوّل وهو قطع الطعام ، يضاهي قطع العلف عن البهيمة الجموح وعن الكلب الضاري ليضعف فتسقط قوّته. الثاني : يضاهي تغييب اللحم عن الكلب وتغييب الشعير عن البهيمة حتّى لا تتحرّك بواطنها بسبب مشاهدتها. والثالث : يضاهي تسليتها بشيء قليل ممّا يميل إليه طبعها حتّى يبقى معها من القوّة ما تصبر به على التأديب.
وأمّا تقوية باعث الدين فإنّما تكون بطريقين ، أحدهما : إطماعه في فوائد المجاهدة وثمراتها في الدين والدنيا ، وذلك بأن يكثر فكره في الأخبار الّتي أوردناها في فضل الصبر وفي حسن عواقبه في الدنيا والآخرة. وفي الأثر : إنّ ثوابّ الصبر على المصيبة أكثر ممّا فات ، وإنّه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة ، إذ فاته ما لا يبقى معه إلّا مدّة الحياة ، وحصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر. ومن أسلم خسيسا في نفيس فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخسيس في الحال. وهذا من باب المعارف وهو من الإيمان ، فتارة يضعف وتارة يقوى ، فإن قوي قوّى باعث الدين وهيّجه تهييجا شديدا ، وإن ضعف ضعّفه. وإنّما قوّة الإيمان يعبّر عنها باليقين ، وهو المحرّك لعزيمة الصبر ، وأقلّ ما أوتي الناس اليقين وعزيمة الصبر.
والثاني : أن يعوّد هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجا قليلا قليلا حتّى يدرك لذّة الظفر
__________________
(١) الحاكم ٤ : ٣١٤.
(٢) الأوسط ٨ : ١٣٧ ؛ الكبير ١٠ : ١٢٢ / ١٠١٧١.