هو النفل. وإيتاء ذي القربى هو المروءة وصلة الرحم. وكلّ ذلك يحتاج إلى صبر.
الضرب الثاني : المعاصي : فما أحوج العبد إلى الصبر عنها ، وقد جمع الله تعالى أنواع المعاصي في قوله تعالى : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)(١).
[٢ / ٣٨٥٩] وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المهاجر من هجر السوء ، والمجاهد من جاهد هواه». (٢) والمعاصي مقتضى باعث الهوى.
وأشدّ أنواع الصبر : الصبر عن المعاصي الّتي صارت مألوفة ، فإنّ العادة طبيعة خامسة ، فإذا انضافت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله تعالى فلا يقوى باعث الدين على قمعها.
ثمّ إن كان ذلك الفعل ممّا تيسّر فعله كان الصبر عنه أثقل على النفس ، كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا. وأنواع المزاح المؤذي للقلوب ، وضروب الكلمات الّتي يقصد بها الإزراء والاستحقار ، وذكر الموتى والقدح فيهم وفي علومهم وسيرهم ومناصبهم ، فإنّ ذلك في ظاهره غيبة وفي باطنه ثناء على النفس. فللنفس فيه شهوتان : إحداهما نفي الغير ، والأخرى إثبات نفسه. وبها تتمّ له الربوبيّة الّتي هي في طبعه ، وهي ضدّ ما أمر به من العبوديّة. ولاجتماع الشهوتين وتيسّر تحريك اللسان ومصير ذلك معتادا في المحاورات يعسر الصبر عنها ، وهي أكبر الموبقات حتّى بطل استنكارها واستقباحها من القلوب ، لكثرة تكريرها وعموم الأنس بها ، فترى الإنسان يلبس حريرا مثلا فيستبعد غاية الاستبعاد (٣) ويطلق لسانه طول النهار في أعراض الناس ولا يستنكر ذلك ، مع ما ورد في الخبر من أنّ الغيبة أشدّ من الزنا (٤) ومن لم يملك لسانه في المحاورات ولم يقدر على الصبر عن ذلك ، فيجب عليه العزلة
__________________
(١) النحل ١٦ : ٩٠.
(٢) منتخب مسند عبد بن حميد : ١٣٥ / ٣٣٦ ، بلفظ : «أنّ رجلا قال : يا رسول الله ... فمن المهاجر؟ قال : من هجر السيّئات. قال : فمن المجاهد؟ قال : من جاهد نفسه لله ـ عزوجل ـ. وأخرجه الطبراني بالشطر الأوّل في الأوسط ١ : ٨١ وبالشطر الثاني في الكبير ١٨ : ٣٠٩ ، بلفظ : «المجاهد من جاهد نفسه في الله ـ عزوجل ـ». من حديث فضالة بن عبيد الله.
(٣) أي يستعظم نفسه غاية الاستعظام.
(٤) الأوسط ٦ : ٣٤٨ ؛ نور الثقلين ٥ : ٩٥.