شاقّة على النفس مطلقا!
ثمّ من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة ، ومنها ما يكره بسبب البخل كالزكاة ، ومنها ما يكره بسببهما جميعا كالحجّ والجهاد. فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.
ويحتاج المطيع إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال : الأولى قبل الطاعة ، وذلك في تصحيح النيّة والإخلاص ، والصبر عن شوائب الرياء ودواعي الآفات ، وعقد العزم على الإخلاص والوفاء. وذلك من الصبر الشديد عند من يعرف حقيقة النيّة والإخلاص وآفات الرياء ومكايد النفس. وقد نبّه عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ قال :
[٢ / ٣٨٥٨] «إنّما الأعمال بالنيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (١) وقال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(٢). ولهذا قدّم الله تعالى الصبر على العمل فقال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٣).
الحالة الثانية : حالة العمل ، كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه ويدوم على شرط الأدب إلى آخر العمل فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ ، وهذا أيضا من شدائد الصبر ولعلّه المراد بقوله تعالى : (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. الَّذِينَ صَبَرُوا)(٤) أي صبروا إلى تمام العمل.
الحالة الثالثة : بعد الفراغ من العمل ، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة والرياء ، والصبر عن النظر إليه بعين العجب ، وعن كلّ ما يبطل عمله ويحبط أثره ، كما قال تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(٥) وكما قال تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(٦) فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المنّ والأذى فقد أبطل عمله.
والطاعات تنقسم إلى فرض ونفل ، وهو محتاج إلى الصبر عليهما جميعا ، وقد جمعهما الله تعالى في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى)(٧) فالعدل هو الفرض ، والإحسان
__________________
(١) البخاري ١ : ٢ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧.
(٢) البيّنة ٩٨ : ٥.
(٣) هود ١١ : ١١.
(٤) العنكبوت ٢٩ : ٥٨ ـ ٥٩.
(٥) محمّد ٤٧ : ٣٣.
(٦) البقرة ٢ : ٢٦٤.
(٧) النحل ١٦ : ٩٠.