رأيت ابني يتعثّر لم أملك نفسي أن أخذته» (١) ففي ذلك عبرة لأولي الأبصار.
فالرجل كلّ الرجل من يصبر على العافية ، ومعنى الصبر عليها أن لا يركن إليها ويعلم أنّ كلّ ذلك مستودع عنده ، وعسى أن يسترجع على القرب. وأن لا يرسل نفسه في الفرح بها ولا ينهمك في التنعّم واللذّة واللهو واللعب ، وأن يرعى حقوق الله في ماله بالإنفاق ، وفي بدنه ببذل المعونة للخلق ، وفي لسانه ببذل الصدق ، وكذلك في سائر ما أنعم الله به عليه. وهذا الصبر متّصل بالشكر ، فلا يتمّ إلّا بالقيام بحقّ الشكر.
وإنّما كان الصبر على السرّاء أشدّ لأنّه مقرون بالقدرة ، ومن العصمة أن لا تقدر. والصبر على الحجامة والفصد إذا تولّاه غيرك أيسر من الصبر على فصدك نفسك وحجامتك نفسك. والجائع عند غيبة الطعام أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة الطيّبة اللذيذة وقدر عليها ، فلهذا عظمت فتنة السرّاء.
النوع الثاني : ما لا يوافق الهوى والطبع ، وذلك لا يخلو إمّا أن يرتبط باختيار العبد كالطاعات والمعاصي ، أو لا يرتبط باختياره كالمصائب والنوائب. أو لا يرتبط باختياره ولكن له اختيار في إزالته كالتشفّي من المؤذي بالانتقام منه ، فهذه ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : ما يرتبط باختياره وهو سائر أفعاله الّتي توصف بكونها طاعة أو معصية وهما ضربان :
الضرب الأوّل : الطاعة والعبد يحتاج إلى الصبر عليها ، فالصبر على الطاعة شديد ، لأنّ النفس بطبعها تنفر عن العبوديّة وتشتهي الربوبيّة ، ولذلك قال بعض العارفين : ما من نفس إلّا وهي مضمرة ما أظهر فرعون من قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)(٢) ، ولكن فرعون وجد له مجالا وقبولا فأظهره إذ استخفّ قومه فأطاعوه ، وما من أحد إلّا وهو يدّعي ذلك مع عبده وخادمه وأتباعه وكلّ من هو تحت قهره وطاعته ، وإن كان ممتنعا من إظهاره ، فإنّ استشاطته وغيظه عند تقصيرهم في خدمته واستبعاده (٣) ليس يصدر إلّا عن إضمار الكبر ومنازعة الربوبيّة في رداء الكبرياء. فإذن العبوديّة
__________________
(١) الموجود في الخبر : الحسن والحسين عليهماالسلام وفي البعض : الحسين عليهالسلام انظر : مسند أحمد ٥ : ٣٥٤ ؛ أبو داوود ١ : ٢٤٨ / ١١٠٩ ؛ الترمذي ٥ : ٣٢٤ / ٣٨٦٣ ؛ النسائي ١ : ٥٣٥ / ١٧٣١ ؛ ابن حبّان ١٣ : ٤٠٣.
(٢) النازعات ٧٩ : ٢٤.
(٣) أي مبالغته في استعظام نفسه.