بفضل التوافق الجماعي على ذلك ، ومن ثمّ قال تعالى : (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).
نعم إذا لم يعمل الإنسان في ترقية نفسه ، فإنّه بما يقضي من عمره باطلا وينفد من رأس ماله هدرا ، إنّه خاسر. إلّا من جدّ في عمل صالح. ولكن في جوّ من التواصي الجماعي بالحقّ. والتواصي الجماعي بالصبر.
أي بحيث كان القضاء يقضي بأن لا ينطق أحد إلّا بحقّ ، ولا يعمل إلّا عن صدق وإخلاص. مضافا إلى التواصي بالتصبّر تجاه مشاكل الحياة ، تصبّرا تعارفه الجوّ والبيئة والمحيط.
ومن ثمّ كان الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد.
[٢ / ٣٨١١] كما قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد ، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان» (١).
ذلك لأنّ لازم الإيمان الصادق ، الصبر والمقاومة تجاه مكاره ربما ترفضها النفس ، وتغلب هواها على نور العقل الرشيد. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ...)(٢) نعم كانت الاستقامة على الإيمان والثبات على العقيدة ، هي الّتي تجعل من واقع الإنسان مهبطا لنزول بركات السماء ومنهلا عذبا للاستذواق من روح الله الفائحة بالطيب والريحان. ومن ثمّ تأتيه البشارة بالاطمئنان في الحياة والفوز بالرضوان. (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٣).
الأمر الّذي جاءت البشارة به في ذيل الآية الأولى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ...). فالله نعم المولى لهم ، الكافل لسعادتهم في هذه الحياة وفي الآخرة جميعا. وهذا هو الفوز العظيم.
* * *
وإليك من أحاديث جليلة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام (٤) جاءت بشأن فضيلة الصبر ودوره البنّاء
__________________
(١) الكافي ٢ : ٨٧ / ٢ ، باب الصبر.
(٢) فصّلت ٤١ : ٣٠.
(٣) الرعد ١٣ : ٢٨.
(٤) عقد لها أبو جعفر الكليني بابا في أصول الكافي ٢ : ٨٧ ـ ٩٣.