تركته إلى باطل ، فإنّما يخالف الحقّ الباطل ، أو باطلا كان ذلك. فقد كنت عليه طول هذه المدّة ، فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل!؟ فقال رسول الله : بل ذلك كان حقّا وهذا حقّ ، يقول الله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إذا عرف صلاحكم يا أيّها العباد في استقبال المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده ، وقصده إلى مصالحكم ، ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد تركتم العمل يوم السبت ، ثمّ عملتم بعده سائر الأيّام ، ثمّ تركتموه في السبت ثمّ عملتم بعده ، أفتركتم الحقّ إلى الباطل والباطل إلى حقّ أو الباطل إلى باطل أو الحقّ إلى حقّ؟ قولوا كيف شئتم ، فهو قول محمّد وجوابه لكم. قالوا : بل ترك العمل في السبت حقّ ، والعمل بعده حقّ ، فقال رسول الله : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حقّ ، ثمّ قبلة الكعبة في وقته حقّ. فقالوا : يا محمّد ، أفبدا لربّك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس ، حين نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما بدا له عن ذلك ، فإنّه العالم بالعواقب ، والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث رأيا يخالف المتقدّم ، جلّ عن ذلك ، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه عن مراده ، وليس يبدو إلّا لمن كان هذا وصفه ، وهو عزوجل متعال عن هذه الصفات علوّا كبيرا. ثمّ قال لهم رسول الله : أيّها اليهود ، أخبروني عن الله ، أليس يمرض ثمّ يصحّ؟ ويصحّ ثمّ يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيى ويميت؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار ثمّ بالنهار في أثر الليل؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا : لا ، قال : فكذلك الله تعبّد نبيّه محمّدا بالصلاة إلى الكعبة ، بعد أن تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الأوّل. فكذلك تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ، ثمّ بعده في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشيء آخر ، فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه ، وأنزل الله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(١) أي إذا توجّهتم بأمره ، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عباد الله ، أنتم كالمرضى والله ربّ العالمين كالطبيب ، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبّره به ، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ، ألا فسلّموا لله أمره تكونوا من الفائزين. فقيل ـ خطابا لأبي محمّد عليهالسلام ـ : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال : لما قال الله عزوجل : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) وهي بيت المقدس (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
__________________
(١) البقرة ٢ : ١١٥.