أبيه ، وما لهم حتّى تركوا قبلتهم يصلّون مرّة وجها ومرّة وجها آخر؟ وقال رجال من الصحابة : فكيف بمن مات منّا وهو يصلّي قبل بيت المقدس ، وفرح المشركون وقالوا : إنّ محمّدا قد التبس عليه أمره ، ويوشك أن يكون على دينكم ، فأنزل الله في ذلك هؤلاء الآيات (١).
[٢ / ٣٥٠٤] وأخرج ابن جرير عن السدّي قال : لمّا وجّه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فيها ، فكانوا أصنافا ؛ فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثمّ تركوها وتوجّهوا غيرها؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس هل يقبل الله منّا ومنهم أم لا؟ وقالت اليهود : إنّ محمّدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر ، وقال المشركون من أهل مكّة : تحيّر على محمّد دينه ، فتوجّه بقبلته إليكم وعلم أنّكم كنتم أهدى منه ، ويوشك أن يدخل في دينكم ، فأنزل الله في المنافقين : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) إلى قوله (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ،) وأنزل في الآخرين الآيات بعدها (٢).
[٢ / ٣٥٠٥] وأخرج الزبير بن بكّار في أخبار المدينة عن عثمان بن عبد الرحمان قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا قام يصلّي انتظر أمر الله في القبلة ، وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها ، من فعل أهل الكتاب ، فبينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي الظهر في مسجده ، قد صلّى ركعتين ، إذ نزل عليه جبريل ، فأشار له أن صلّ إلى البيت وصلّى جبريل إلى البيت ، وأنزل الله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(٣) قال : فقال المنافقون : حنّ محمّد إلى أرضه وقومه ، وقال المشركون : أراد محمّد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة ، وعرف أنّ ديننا أهدى من دينه. وقال اليهود للمؤمنين : ما صرفكم إلى مكّة وترككم به القبلة ، قبلة موسى ويعقوب والأنبياء؟ والله إن أنتم إلّا تفتنون. وقال المؤمنون : لقد ذهب منّا قوم ماتوا ما ندري أكنّا نحن وهم على قبلة أو لا؟ قال : فأنزل الله عزوجل في ذلك : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤).
__________________
(١) الدرّ ١ : ٣٤٥ ؛ الدلائل ٢ : ٥٧٤ ـ ٥٧٥.
(٢) الدرّ ١ : ٣٤٥ ؛ الطبري ٢ : ٩ و ١٨ ـ ١٩ / ١٧٨٨ و ١٨٢١.
(٣) البقرة ٢ : ١٤٤.
(٤) الدرّ ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.