السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) فقال رجال من المسلمين : وددنا لو علمنا من مات منّا قبل أن نصرف إلى القبلة؟ وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)(٢). وقال السفهاء من الناس ـ وهم أهل الكتاب ـ : ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها؟ فأنزل الله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) إلى آخر الآية (٣).
[٢ / ٣٥٠٢] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عبّاس قال : صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة في رجب ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ونافع بن أبي نافع والحجّاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن أبي الحقيق (٤) ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا له : يا محمّد ، ما ولّاك عن قبلتك الّتي كنت عليها ، وأنت تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك الّتي كنت عليها ، نتّبعك ونصدّقك ؛ وإنّما يريدون فتنته عن دينه! فأنزل الله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) إلى قوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) أي ابتلاء واختبارا (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(٥) أي الّذين ثبّت الله. (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) يقول : صلاتكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيّكم واتّباعكم إيّاه إلى القبلة الآخرة ، أي ليعطينّكم أجرهما جميعا ، (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) إلى قوله (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٦).
[٢ / ٣٥٠٣] وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال : صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على رأس ستة عشر شهرا من مخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من مكّة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقلّب وجهه في السماء وهو يصلّي نحو بيت المقدس ، فأنزل الله حين وجّهه إلى البيت الحرام : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) وما بعدها من الآيات ، فأنشأت اليهود تقول : قد اشتاق الرجل إلى بلده وبيت
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٤.
(٢) البقرة ٢ : ١٤٣.
(٣) الدرّ ١ : ٣٤٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٤٨ / ١٣٢٨ ؛ ابن كثير ١ : ١٩٥.
(٤) في الدلائل : الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق.
(٥) البقرة ٢ : ١٤٣.
(٦) الدرّ ١ : ٣٤٤ ؛ الطبري ٢ : ٥ / ١٧٧٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ / ١٣٢٧. وفيه : إنّ يهود قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ... إلى قوله : «فأنزل الله سَيَقُولُ ...» وعزّاه أيضا إلى سعيد بن جبير وقتادة والسدّي والربيع بن أنس ؛ الدلائل ٢ : ٥٧٥ ، باب تحويل القبلة إلى الكعبة ؛ التبيان ٢ : ٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٤١٤.