دسائس يهوديّة ، فحاولوا الركض وراء السراب ، ومن ثمّ هذه الحدّة في التحذير وهذا الجزم في التعبير.
نعم ليس الحقّ بالّذي يخفى ، وإن حاول إخفاءه الزائفون :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) يعرفون الحقّ فيما جاء به القرآن معرفة لا مرية فيها (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمّة المعرفة ، وهي مثل يضرب في لغة العرب لليقين الّذي لا شبهة فيه. إذن فلا وقع لتشكيكاتهم بعد عرفان الكتمان منهم.
ومن هنا صحّ البيان الصريح : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
ولم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليشكّ ، ولكنّ الخطاب يحمل إيحاء قويّا إلى من وراءه من المسلمين ، سواء منهم من كان في ذلك الحين وكاد يتأثّر بأباطيل اليهود وأحابيلهم ، ومن يأتي بعدهم ، فلا يتأثّروا بمكايد أهل الكتاب. ولا غيرهم من أصحاب المذاهب والآراء الكاسدة. فلا يغترّ مسلم ـ وعنده الرصيد الأفخم ـ ببضائع مزجاة يعرضها أهل الأهواء.
وعلى المسلم النابه أن يختار الأفضل والأمثل طريقة في الحياة. من غير أن يذهب به الأهواء يمنة ويسرة كريشة في الهواء.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) حسب اختياره (هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا) أيّها المسلمون (الْخَيْراتِ) والتمسوا أفضلها وأقومها وأبقاها (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) في نهاية المطاف (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وبذلك يصرف الله المسلمين عن الانشغال بأباطيل لا محصّل لها وتأويلات لا مستند لها. يصرفهم إلى العمل الجادّ والاستباق في فعل الخيرات ، وليكونوا منشأ بثّ البركات في الأرض. والعاقبة لله.
* * *
ثمّ يعود فيؤكّد الأمر بالاتّجاه نحو القبلة الجديدة المختارة : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
ثمّ توكيد للمرّة الثالثة ممّا يشي بأنّه كانت هناك حالة واقعة وراءه في قلوب بعض المسلمين ،