ولا شكّ أنّ هذا التواجد على الخير والصلاح ، ممّا حبّب إليه في شريعة العقل ووحي السماء وهي غاية إلهيّة محبّبه ، ندب إليه الشرع الحنيف حيث الأمر بالسعي وراء إشاعة المعروف ، لا بالقلم واللسان فحسب ، بل بالقدم والعمل جميعا. وليكونوا دعاة للناس بغير ألسنتهم بل بأعمالهم البادي عليها الورع والخير والصلاح. فإنّ ذلك داعية ، وما أكبرها من داعية ، كما ورد في الحديث (١).
[٢ / ٣٤٨٧] وروى الصدوق بإسناده إلى عبد الله بن الصامت عن أبي ذرّ ـ رضوان الله عليه ـ قال : قلت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الرجل يعمل لنفسه ويحبّه الناس؟ قال : «تلك عاجلة بشرى المؤمن!» (٢).
نعم ، المؤمن يستبشر بحسنة أسداها ، كما يمتعص بسيّئة اقترفها ، وهذا من علامة الإيمان.
[٢ / ٣٤٨٨] وروى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» (٣).
[٢ / ٣٤٨٩] وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليهالسلام قال : سئل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن خير العباد؟ فقال : «الّذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا اساؤوا استغفروا ، وإذا أعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا غفروا» (٤).
إذن فليس كلّ من استبشر بعمل أحسن فيه كان قد أخذه العجب المقيت. ولا كلّ من تظاهر بعمل صالح كان مرائيا ، وقد يكون بذلك داعية إلى عمل الخير وبثّ الصلاح في الأرض. وليقتد به
__________________
(١) روى الكليني بالإسناد إلى ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير. فإنّ ذلك داعية». (الكافي ٢ : ٧٨ / ١٤ ؛ البحار ٦٧ : ٣٠٣ / ١٣ / باب ٥٧). وفي حديث آخر : «كونوا دعاة بغير ألسنتكم ، وكونوا زينا ولا تكونوا شيئا». (الكافي ٢ : ٧٨ / ضمن رقم ٩ ؛ البحار ٦٧ : ٢٩٩). وفي مستطرفات السرائر : من كتاب عبد الله بن بكير عن عبيد قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يدخل في الصلاة فيجوّد صلاته ويحسّنها رجاء أن يستجرّ (يجتذب) بعض من يراه إلى هواه؟ قال : ليس هذا رياء. (الوسائل ١ : ٧٦ / ١٧٢ ـ ٣ / باب ١٦ ؛ السرائر ٢ : ٦٣٢ ؛ البحار ٦٩ : ٣٠١ / ٣٩ ، باب ١٠٦).
(٢) معاني الأخبار : ٣٢٢ / ١ ؛ الوسائل ١ : ٧٥ ـ ٧٦ / ١٦٩ ـ ٢ ، باب ١٥.
(٣) صفات الشيعة : ٣٢ / ٤٤ ؛ الوسائل ١ : ١٠٧ / ٢٦٢ ـ ٤ ، باب ٢٤.
(٤) الوسائل ١ : ٢٦٠١٠٦ ـ ٢ ، باب ٢٤ ؛ الكافي ٢ : ٢٤٠ / ٣١ ؛ الأمالي للصدوق : ٦٠ / ١٨ ـ ٤ / المجلس ٣.