ومقتضاه : أنّ من كان له من المال ما يكفيه سنين متعدّدة من غير ما يتعيّش به من رأس المال ويستغلّ به من العقار فهو فقير يجوز له أخذ الزكاة ، وهو بعيد ، ولذلك قال في المختلف : إنّ مراده بالدوام هنا مئونة السنة (١) ، وقول الخلاف أيضاً ضعيف.
وربّما يستدلّ له : بما روي عنهُ أنّه قال لمعاذ : «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، وتردّ في فقرائهم» (٢) وهو ضعيف سنداً ودلالة (٣) ، ولعلّ إطلاق الغنيّ هنا محمول على الغالب ، أو اصطلاح جديد فيمن تجب عليه الزكاة ، فلا ينافي إطلاق الفقير عليه من جهة معناه العرفيّ واللغويّ.
ثمّ إنّ من يقدر على اكتساب ما يمون به عياله ، كسباً لائقاً بحاله ، لا يوجب ارتكابه عسراً وحرجاً ، والمحترف كذلك ؛ غنيّ وإن لم يحصل عنده بالفعل ما يكفيه على المشهور الأقوى ؛ لأنّه ليس بفقير عرفاً ، ولحسنة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال ، سمعته يقول : «إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف ، ولا لذي مِرّة سويّ قويّ ، فتنزّهوا عنها» (٤).
وروى صاحب معاني الأخبار في الصحيح عن زرارة عنه عليهالسلام قال : قال رسول اللهُ : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ ، ولا لذي مرّة سويّ ، ولا لمحترف ، ولا لقويّ» ثمّ قال ، قلت : ما معنى هذا؟ قال : «لا يحلّ له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها» (٥).
قال : وفي حديث آخر عن الصادق عليهالسلام أنّه قال ، قال رسول اللهُ : «لا تحلّ الصدقة
__________________
(١) المختلف ٣ : ٢١٤.
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٧٤.
(٣) وقال في المدارك ٥ : ١٩٦ والجواب عن الرواية بالطعن في السند ، فإنّها إنّما وردت من طريق الجمهور فتكون ساقطة ، وثانياً بمنع الدلالة ، إذ من الجائز أن يكون المراد بالأغنياء المزكّين اعتباراً بالأكثر ، أو يقال : إنّ الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع من أخذها وإطلاق اللّفظ عليهما بالاشتراك اللّفظي.
(٤) الكافي ٣ : ٥٦٠ ح ٢ ، المقنعة : ٢٤١ ، الوسائل ٦ : ١٥٩ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٨ ح ٢. المرّة : القوّة ، والسويّ : من اعتدلت خلقته.
(٥) معاني الأخبار : ٧٦ ، الوسائل ٦ : ١٦٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ٨ ح ٨.